توقعات سوق الأسهم في النصف الثاني من 2022
أغلقت سوق الأسهم تعاملات مايو دون تغير يذكر رغم المكاسب القوية التي حققتها في نهاية تداولات العام. وشهدت تعاملات يونيو انخفاضات قوية دفعت كثير من المحللين إلى توصيف السوق بأنها أصبحت هبوطية أو "سوق الدببة". يشير هذا المصطلح الأخير إلى أن سعر السهم أو الأصل المعني قد انخفض بأكثر من 20% نزولاً من قمته الأخيرة.
السؤال الرئيسي الذي يدور في أذهان المستثمرين حول تداول سوق الأسهم هو ما إذا كنا قد تجاوزنا المرحلة الأسوأ من ضغوط البيع. حقيقة الأمر أن المستثمرين باتوا أقل انشغالاً بالمفاهيم الفنية والتوصيفات الدقيقة لطبيعة سوق الأسهم في الوقت الحالي، حيث أصبح التركيز منصبًا على مآل معدلات التضخم وتأثير تشديد السياسات النقدية على النمو الاقتصادي.
وعلى أية حال، من المتوقع أن تستمر التقلبات الحالية في ظل استمرار حالة عدم اليقين في شقيها الاقتصادي والسياسي. لا ننسى هنا بطبيعة الحال تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث لا تلوح في الأفق أية بادرة لآفاق التسوية المحتملة لأكبر أزمة جيوسياسية يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
نستعرض في السطور القادمة أبرز العوامل التي ستؤثر على اتجاهات سوق الأسهم خلال النصف الثاني من 2022، مع الإشارة إلى بعض فئات الأسهم التي ربما تكون الخيار الأفضل في ظل بيئة عدم اليقين الراهنة.
سياسة الاحتياطي الفيدرالي والتوازن الصعب
تتضمن المهام الموكلة إلى الاحتياطي الفيدرالي بموجب القانون الأمريكي الحفاظ على استقرار الأسعار وزيادة فرص العمل.
يبدو أن قوة معدلات النمو الأخيرة قد جعل صانعي السياسة النقدية مطمئنين بشأن سوق العمل في ظل الطلب الهائل على الوظائف، والذي أحدثه النمو السريع في أعقاب رفع قيود الإغلاق التي فرضت قبل عامين جراء فيروس كورونا. وعانت معظم الشركات في الاقتصاد الأكبر عالميًا من تأمين العدد الكافي من الموظفين حتى في ظل اختناق سلاسل التوريد والارتفاع الكبير في الأسعار.
ينصب التركيز الرئيسي حاليًا على السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي والتي ستؤثر بدورها على التوجهات الاستثمارية في أسواق الأسهم وباقي الأسواق المالية. يسعى البنك المركزي إلى مجابهة الضغوط التضخمية بعد أن سجلت القراءة الأخيرة لمؤشر أسعار المستهلكين (CPI) أعلى مستوى في أربعة عقود عند 8.6%.
هناك تقلبات متسارعة في معنويات المستثمرين بشأن الوجهة القادمة للسياسة النقدية ومعدلات النمو والتضخم. على سبيل المثال، راجت تكهنات خلال شهر فبراير بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يرفع معدل الفائدة بـ 75 نقطة أساس مع استمرار ارتفاع أسعار المستهلكين. بدأت الأمور تأخذ منحنى أكثر هدوءً بعد أن رجحت التصريحات الصادرة عن أعضاء الاحتياطي الفيدرالي أن تحريك الفائدة لن يتجاوز نصف نقطة مئوية خلال اجتماعي يونيو ويوليو القادمين.
ثم اتخذت الأمور منحنى جديد بعد تراجع معدل التضخم في أبريل بالتوازي مع نمو الاقتصاد الأمريكي بوتيرة أقل من المتوقع في الربع الأول. عند هذه النقطة بدأ الحديث عن إمكانية إيقاف دورة التشديد النقدي حتى سبتمبر لإعطاء فرصة للتعرف على تأثير الإجراءات الأخيرة. ثم تغيرت الأمور مرة أخرى بعد القراءة الأخيرة لمؤشر أسعار المستهلكين حيث عاد الحديث مجددًا عن التعايش مع معدلات التضخم المرتفعة لفترة طويلة، وبالتبعية من المحتمل أن يتجاوز سعر الفائدة حاجز الـ 3% بحلول نهاية العام.
كيف تستثمر في الشهور القادمة
في ظل نية الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة واستمرار الإشارات الدالة على تفاقم الضغوط التضخمية، لم يكن مستغربًا أن يشهد سوق الأسهم حالة من الضعف في الآونة الأخيرة.
بشكل عام، من الطبيعي أن تجتذب أسواق السندات جزءً من مستثمري الأسهم الذين سيرغبون بالتأكيد في تقليل انكشافهم على المخاطر في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ناهيك عن محاولة الاستفادة من ارتفاع عوائد أدوات الدخل الثابت، وكذلك التحوط من خسائر الأسهم.
وحتى داخل محفظة الأسهم ذاتها، سيلجأ المستثمرون غالبًا إلى إعادة النظر في تخصيص الأصول للتركيز بشكل أكبر على القطاعات المرتبطة بالإنفاق الاستهلاكي مثل خدمات الاتصالات وبعض قطاعات السلع والرعاية الصحية والمرافق العامة، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التي تحافظ على مستويات الأداء حتى في ظل الركود الاقتصادي.
من النصائح الهامة أيضًا في هذا الصدد هو الابتعاد عن أسهم القطاع العقاري. تُظهر الإحصاءات الأخيرة انخفاض طلبات الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في 22 عام، وهو الأمر الذي سيؤثر سلبًا على أسعار المنازل وبالتبعية سيخلق ضغوطًا سلبية على إيرادات أسهم الشركات المرتبطة بالنشاط العقاري.
فيما يلي بعض قطاعات الأسهم الواعدة التي نرى أنها قد تحمل بعض الفرص في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم وضعف الأداء الاقتصادي.
·أسهم القيمة
استثمار القيمة هو بطبيعته نموذج ينطوي على شراء أسهم تشير مؤشرات التحليل المالي إلى أن قيمتها الجوهرية أعلى من قيمتها الاسمية في الوقت الحالي. هذا المزيج الجهنمي من ارتفاع الضغوط التضخمية وتفاوت معدلات النمو الاقتصادي ستجعل هذه النوعية من الأسهم أكثر جاذبية حتى في ظل الظروف الانكماشية.
·أسهم شركات الطاقة
يراهن كثير من المحللين، بما في ذلك بنوك الاستثمار الكبرى، على أن أسعار الطاقة ستواصل ارتفاعاتها خلال النصف الثاني من عام 2022. ومن المفترض أن تتفاقم الأزمة جراء تشديد العقوبات الغربية على صادرات الطاقة الروسية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن مؤخرًا عزمه حظر واردات النفط الروسية بشكل كامل بنهاية عام 2022، مع تقليل الاعتماد على المنتجات المكررة على مدى فترة زمنية أطول. وفي ظل غياب أفق واضح لتسوية الحرب الأوكرانية فمن المستبعد أن تشهد أسعار الطاقة انخفاضًا في أي وقت قريب. برغم ذلك، ينبغي التروي في اختيار الأسهم على مستوى القطاع لأن بعض شركات الطاقة الغربية، خصوصًا الأوروبية والأمريكية، قد تتكبد خسائر فادحة حتى في ظل ارتفاع الأسعار بسبب إجبارها على التخلي عن بعض أصولها في روسيا.
خاتمة
هناك حقيقةً تباين واضح في التوقعات لاتجاهات أسواق الأسهم خلال الأشهر الستة القادمة. يرى فريق من المتفائلين أن الانخفاضات الحادة التي شهدتها المؤشرات الرئيسية مؤخرًا قد "سعرت" بالفعل مخاوف استمرار التضخم وضعف النمو وامتداد الحرب الروسية الأوكرانية. لهذا ربما يتطلب الأمر تطورات أكثر حدة لتبرير استمرار الخسائر الراهنة، وذلك على شاكلة تزايد المخاطر بنشوب نزاع مباشر بين روسيا وحلف الناتو.
على الجانب الآخر، يرى البعض الآخر أن السيناريوهات الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي تفترض استمرار ارتفاع معدلات التضخم بالتوازي مع حفاظ الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية في معظم دول العالم على نهج التشديد النقدي، وفي القلب منه رفع أسعار الفائدة، ناهيك عن تضرر النمو الاقتصادي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وإجراءات التشديد النقدي.
مُحصلة العوامل المذكورة تقتضي في أفضل الظروف التزام الحذر، حيث سيتوجه قدر كبير من رؤوس الأموال صوب أسواق السندات والدخل الثابت. ويوصي أنصار هذا الفريق المستثمر الذي لا يزال مُصرًا على الاستمرار في سوق الأسهم بأن يجري مراجعة دورية لنسب التخصيص داخل المحفظة بحيث يعطي وزنًا نسبيًا أكبر للأسهم التي يطلق عليها "الدفاعية" والتي تحقق أداء مستقرًا في أوقات الكساد والاضطراب الاقتصادي