سباق المرماح... كلّ حصان بفارسه واسمه
خلال الأيام الأخيرة من مولد سيدي عبد الرحيم القنائي، في صعيد مصر، يتدفق العديد من أصحاب الخيول على مكان بعينه، لاستعراض مهارات خيولهم على وقع الطبل والمزمار.
هنا، تتبارى الخيول في قوة العدو والمناورة وخفة الحركة، ويتبارى الفرسان في القدرة على ترويض خيولهم والسيطرة عليها. يفعلون ذلك وعيونهم شاخصة دائماً نحو الراية الخضراء التي يهبها شيخ القرية، أو النجع، لمن يؤدي أفضل أداء أمام المئات من الناس.
يُعرف هذا السباق باسم "المرماح". هذا طقس احتفالي معروف في قرى الصعيد المصري، يستعد له أغلب مربي الخيول العربية، وتنظمه قرية من القرى في موعد ثابت من كل عام.
من الشائع، والمعتاد، في هذه السباقات، أن يخرج الفارس من بيته إلى ميدان الرماحة، ممتطياً فرسه تالياً الأذكار، مترحّماً على الشيخ صاحب المولد. لا يصحّ، هنا، أن يذهب الفارس إلى ميدان الرماحة سيراً على القدمين.
هذا ما جرى العُرف عليه في صعيد مصر، فالفروسية من المهارات المتوارثة لديهم، وهناك عائلات بكاملها معروفة بإتقان الفروسية، ويتوارث أبناؤها تلك المهارات أباً عن جد.
محمود هواري مصور شاب من جنوب مصر، اعتاد تسجيل حلقات المرماح فوتوغرافياً، بحكم وجوده في الصعيد دائماً، حتى إنه يعتبر نفسه خبيراً في سباقات المرماح، كما يقول في حديثه.
يصف الهواري تلك السباقات بأنها الأجمل والأقوى بين سباقات الخيل التي حضرها في بلدان مختلفة. يرى المصور الشاب أنّ سباقات المرماح في صعيد مصر تمثل المعارك الحية التي كانت الخيول أحد مكوناتها قديماً.
في هذه السباقات، يحاول كلّ فارس أن تكون له السطوة والغلبة على الآخرين، بطرق مختلفة، كأن يحاول، مثلاً، إثارة الغبار من حوله من أجل بث الرهبة في قلوب المنافسين، وكدلالة أيضاً على السرعة العالية والقوة، مع السيطرة الكاملة على حركة الحصان.
المرماح ليس مجرد سباق كما يقول هواري، بل انعكاس لثقافة مجتمع الصعيد المصري، كذلك فإنه يحمل رواسب قديمة، كان للحصان فيها دور في تشكيل الأحداث والتاريخ.
الفائز في المرماح يجلب الفخر لقبيلته وعائلته، فليس هناك أي جوائز مادية تُعطى للفائزين، سوى راية خضراء يُمسكها الفارس ويلوّح بها سعيداً، وهو عائد إلى قبيلته في احتفال وترحيب كبيرين.
تُجهَّز ساحة السباق عادة في الخلاء، خارج القرية، أو في الأماكن السكنية، وتمتد لتصل أحياناً إلى ثلاثة كيلومترات، ويتوافد الناس عليها منذ الصباح الباكر، لرؤية الفرسان يتوجهون إلى الساحة، ترافقهم أنغام الطبول في مشهد مهيب.
قد يصل عدد الأحصنة المشاركة في كل سباق من سباقات المرماح إلى ألف حصان، وقد يتجاوز العدد هذا الرقم في كثير من الأحيان؛ فمن النادر أن يتخلف أي من أصحاب الخيول في القرى المحيطة بمكان السباق عن المشاركة فيه.
وتقام أغلب حلقات المرماح، على هامش موالد الأولياء الصالحين. أما أشهرها، فهو الذي يقام في مدينة قنا، بالتزامن مع مولد سيدي عبد الرحيم القنائي، ويليه مباشرة مرماح أبو الحجاج في مدينة الأقصر.
تشهد مدينة قنا، وحدها، أكثر من عشر مسابقات سنوياً من مسابقات الخيول.
في هذه السباقات، يُعرف كل حصان مشارك باسمه. هناك خيول يشار إليها بالبنان، وتتناقل سيرتها بين العائلات ومجالس السمر، في القرى والنجوع البعيدة.
أطفال القرى، هنا، معتادون مشاهدة المرماح، ويتطلع أغلبهم إلى اليوم الذي يصبحون فيه قادرين على امتطاء واحد من الخيول في تلك السباقات، فالفوز فيها فخر للقبيلة أو العائلة.