انتحار مراهقين يجرّ "ميتا" و"سناب" إلى المحاكم
لجأت عائلات أميركية إلى القضاء في محاولة لمحاسبة شركات مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، إذ زعمت أن منصاتها لعبت دوراً محورياً في انتحار أبنائها، وتحديداً "ميتا"، الشركة الأم لـ "فيسبوك" و"إنستغرام"، و"سناب" الشركة الأم لـ "سناب شات".
وانضمت أخيراً عائلة كريستوفر جيمس داولي إلى هذه المعركة ضدّ عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي.
كان داولي في الـ 14 من عمره حين دشن حسابات على تطبيقات فيسبوك وإنستغرام وسناب شات.
وكغيره من المراهقين، بدأ بتوثيق يومياته على هذه المنصات. لكن خلال المرحلة المدرسية الثانوية، لاحظ والداه أنه أصبح مدمناً على هذه المنصات.
وقالت والدته لشبكة سي أن أن الأميركية، الثلاثاء، إنه في سنته الأخيرة "لم يستطع إبعاد نظره عن هاتفه". أصبح يسهر حتى الفجر متبادلاً الرسائل مع آخرين على "إنستغرام"، وفي بعض الأحيان تضمنت المحادثات صوراً عارية، ثم أصبح يعاني من اضطراب النوم والهوس بشكل جسده.
وفي 4 يناير/كانون الثاني من عام 2015، وبينما كانت عائلة داولي تفك شجرة الميلاد وزينة رأس السنة، صعد هو إلى غرفته. أرسل رسالة نصية قصيرة إلى صديقه، وكتب على حسابه في "فيسبوك": "من أطفأ النور؟". حمل بندقية عيار 22 بيد، وبالأخرى هاتفه الذكي، وأطلق النار على نفسه. كان في الـ 17 من العمر. ووجدت الشرطة رسالة انتحار خطها على مغلف وُجه إليه فيه خطاب قبوله في الجامعة.
وقالت والدته، لـ "سي أن أن": "حين وجدناه، كان هاتفه ما يزال في يده وملطخاً بالدماء. كان مدمناً لدرجة أن لحظاته الأخيرة على قيد الحياة وهبها للنشر على منصات التواصل الاجتماعي".
الدعوى التي رفعتها عائلة داولي، الأسبوع الماضي، تستهدف "سناب" المالكة لـ "سناب شات" و"ميتا" المالكة لـ "فيسبوك" و"إنستغرام"، وتتهمهما بتصميم منصاتهما اعتماداً على خوارزميات هدفها استقطاب الأشخاص لاستخدامها وقتاً أطول، وبالتالي تحقيق أرباح أكثر.
وتشير إلى أنهما تستغلان الكيفية التي يتخذ بها القاصرون قراراتهم وانفعالاتهم بسبب "نمو الدماغ غير المكتمل". تعتقد والدة داولي ووالده أن الطبيعة الإدمانية لمنصات التواصل الاجتماعي انعكست مباشرة على صحة ابنهما العقلية.
ويقولان إنهما تشجعا على اتخاذ الإجراءات القضائية بعد أن سربت الموظفة السابقة في "فيسبوك"، فرانسيس هاوغين، بيانات داخلية كشفت أن الشركة كانت على دراية بالضرر الذي تسببه منصتها "إنستغرام" على صحة المراهقين النفسية وعلاقتهم بجسدهم.
وأكدت والدة داولي لـ "سي أن أن": "هذه الدعوى لا تتعلق بالفوز أو الخسارة. نحن كلنا نخسر الآن. ولكن إذا تمكنا من حملهم على تغيير الخوارزمية لطفل واحد ــ إذا أنقذنا طفلاً واحداً ــ فالأمر يستحق المحاولة".
كانت هاوغين قد أطلقت تصريحات علنية، وقدمت شهادتها أمام الكونغرس الخريف الماضي، حول الكيفية التي تدفع بها خوارزميات "فيسبوك" المستخدمين الأصغر سناً نحو المحتوى الضارّ، مثل المنشورات حول اضطرابات الأكل وإيذاء النفس.
كما تحدثت عن جرها المستخدمين إلى الإدمان. حينها كتب الرئيس التنفيذي لـ "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، منشوراً من 1300 كلمة، زعم فيه أن هاوغين أخرجت هذه الوثائق الداخلية عن سياقها ورسمت "صورة خاطئة للشركة".
تسريبات هاوغين دفعت المشرعين الأميركيين، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى تجديد التدقيق حول عمالقة التكنولوجيا. قدم الحزبان مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ، في فبراير/شباط الماضي، يقترح تحميل مسؤوليات جديدة وواضحة لمنصات التكنولوجيا عن حماية الأطفال من الضرر الرقمي.
الرئيس جو بايدن أيضاً حث المشرعين على "محاسبة منصات التواصل الاجتماعي عن التجارب التي يجرونها على أطفالنا في أنحاء الوطن كافة سعياً وراء الربح".
بعض العائلات لم تكتف بهذه الإجراءات، ولجأت إلى المحاكم في محاولة لإجبار شركات التكنولوجيا على تغيير طريقة عملها. وفي هذا السياق، أسس محامي عائلة داولي، ماثيو بيرغمان، "مركز قانون ضحايا وسائل التواصل الاجتماعي" الخريف الماضي، بعد نشر تسريبات "فيسبوك". ويمثل الآن 20 عائلة تقاضي شركات التواصل الاجتماعي بتهمة القتل الخطأ، وفقاً لـ "سي أن أن".
ومن بين هذه العائلات عائلة صبي انتحر عام 2019 في عمر الـ 16 حين كان يستخدم "سناب شات"، وعائلة فتاة انتحرت العام الماضي حين كانت في الـ 11 من العمر، بعدما عانت طوال عامين من إدمان على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً "إنستغرام" و"سناب شات"، علماً أنهما تحددان السن الأدنى للمستخدمين بـ 13 عاماً، لكن هذا لا يمنع أطفالاً دون هذه السن من إنشاء حسابات.
أكدت "سناب" أنه لا يمكنها التعليق على الدعاوى القضائية النشطة، لكنها عبرت لـ "سي أن أن" عن الأهمية التي توليها للصحة العقلية والنفسية لمستخدميها، وأكدت أنها تستكشف باستمرار طرقاً إضافية لتقديم الدعم.
كما رفضت "ميتا" التعليق على القضية، لكنها أشارت إلى أنها تطرح حالياً سلسلة من أدوات منع الانتحار، مثل توفير الموارد تلقائياً للمستخدم إذا اكتشف صديق أو الذكاء الاصطناعي منشوراً يتعلق بالانتحار.
في الأشهر التي أعقبت تسريب الوثائق الداخلية، طرحت "إنستغرام" عدداً من الإجراءات الوقائية التي تهدف إلى حماية المستخدمين من صغار السن، وبينها أداة أطلقت عليها اسم Take a Break (خذ استراحة) التي تهدف إلى تشجيع الأشخاص على قضاء بعض الوقت بعيداً عن المنصة.
كما قدمت أداة تسمح للآباء بمعرفة الوقت الذي يقضيه أطفالهم في استخدام "إنستغرام" وتعيين حدود زمنية. والشهر الماضي، كتب عشرات المدعين العامين خطاباً إلى "تيك توك" و"سناب"، وحثوهما على تعزيز الأدوات المتاحة حالياً، والعمل بشكل أفضل جنباً إلى جنب مع تطبيقات المراقبة التابعة للجهات الخارجية التي يمكن أن تنبه الآباء إذا استخدم الأطفال لغة توحي بالرغبة في إلحاق الضرر بالنفس أو الانتحار.
كانت ولايات أميركية عدة فتحت تحقيقاً مشتركاً، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لمعرفة ما إذا كانت الشركة الأم لـ "إنستغرام" سمحت عمداً للأطفال والمراهقين باستخدام شبكتها الاجتماعية رغم علمها بأنها قد تكون ضارة بصحتهم النفسية والبدنية.
وكان المدعون العامون في 44 ولاية وجهوا، في مايو/أيار، رسالة إلى زوكربيرغ دعوه فيها إلى صرف النظر عن مشروع لإطلاق نسخة من "إنستغرام" مخصصة للأطفال دون سن الثالثة عشرة.
وعلى أثر ما كشفته هاوغين وما أعقب ذلك من موجة استنكار واسعة، رضخت "فيسبوك"، وأعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي تعليق مشروعها هذا.
خلال الشهر نفسه، كشف القيمون على "إنستغرام" سعيهم إلى احتواء الهوس بالجسد المثالي في أوساط المراهقات، بعدما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن الشبكة تعي هول المشكلة نتيجة أبحاثها الخاصة، لكنّها تحدّ من خطورتها على نفسية عشرات ملايين الشباب الذين يطلعون على منشورات التطبيق يومياً.
وأفاد التقرير بأن شريحة ضوئية عُرضت خلال اجتماع داخلي لطاقم الشركة في 2019 أكّدت أن التطبيق "يفاقم العلاقة السيئة مع الجسد لمراهقة واحدة من كلّ ثلاث".
وجاء في شريحة أخرى أن "المراهقات يتّهمن إنستغرام بزيادة مستويات القلق والاكتئاب"، في خلاصة دراسة حول الفتيات اللواتي يواجهن هذا النوع من المشكلات.
وعززت المنصة حماية المستخدمين القاصرين، فمنذ يوليو/تموز أصبحت الحسابات التي أنشأها الأشخاص دون سن 16 عاماً (أو حتى 18 في بعض البلدان) حسابات خاصة بشكل افتراضي، مع تشجيع المستخدمين الحاليين على اتخاذ هذا الخيار، لكن من دون إلزامهم بذلك.