المداح والمشوار وتوبة.. مشاهدات مرتفعة رغم سخرية مواقع التواصل
رغم تغلغل مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا في السنوات الأخيرة، فإنها ما زالت منفصلة بشكل كبير عن الواقع، حتى إنها تبدو مثل جزر مغلقة على سكانها الذين لا يعلمون شيئا عن الحياة خارجها.
يحدث ذلك الانفصال عن الواقع نتيجة أن كل شخص يختار دائرة أصدقاء تشبهه في التوجهات والأفكار، مما يرسخ فكرة الانفصال عن الواقع دون وعي من الشخص. ظهر هذا الانفصال بين جمهور مواقع التواصل وجمهور الشارع بشكل واضح مع بداية موسم الدراما الرمضانية، إذ توقع رواد مواقع التواصل نجاح مسلسلات وتراجع أخرى، لكن ما حدث مع بداية الموسم الرمضاني أن توقعاتهم لم تتناسب مع الواقع.
ربما يأتي هذا الانفصال أيضا بسبب الفارق بين المشاهدة النقدية والمشاهدة من أجل المتعة، إذ أصبح رواد مواقع التواصل يمتلكون نظرة نقدية تحليلية أدت إلى أن يصبح المشاهد مترصدا للمخرج أو المؤلف أو الممثل، يبحث عن خطأ ما يسجله ضده، في حين أن الجماهير البعيدة عن هذه المواقع التواصلية لا تشاهد المسلسلات إلا من أجل المتعة ونسيان حكاياتهم الشخصية الواقعية والاندماج في حكاية جديدة من باب الإلهاء.
المداح.. حكايات الجان والعفاريت
رغم تحفظ الكثيرين من رواد مواقع التواصل على مسلسل "المداح"، فإنه لاقى نجاحا ومتابعة كبيرة من الجمهور. يدور المسلسل في إطار من التشويق حول عدة خيوط سردية. الخط الأول هو خط السحر والعهد الذي يربط بين المداح صابر (حمادة هلال) والجنية "سهر الصايغ".
تعد هذه الثيمة من أقرب الثيمات للوعي الشعبي العربي، إذ توجد في كل بلد عربي حكاية تراثية تدور حول بطل سحرته جنية.
لم يتوقف وجود الجان على قصص التراث فقط، بل استمرت الحكايات الشعبية حول البيوت التي يسكنها الجان حتى الآن، وما زلنا نسمع قصصا حول بيوت مسكونة وحرائق تشتعل بلا أسباب، وأناس يلجؤون إلى الشيوخ لإخراج الجان من المنازل أو الأجساد، مما يجعل المسلسل يحقق المتعة والإثارة لدى المتفرج.
وبالإضافة إلى خط السرد السحري المشوق، يوجد خط المؤامرات التي تحاك حول صابر من عماد (تامر شلتوت) وعيشة (بسمة ماهر). الأحداث في المسلسل متسارعة، ولا تمر حلقة دون حدث مشوق جديد أو لغز جديد يبدأ في الانكشاف.
منذ بداية الجزء الأول وحمادة هلال يقدم أداء واقعيا وقريبا من الشخصية خاصة في النظرات والأداء الحركي، وبالطبع صوته الذي يلائم الأناشيد ذات الطابع الديني والشعبي منذ بداية ظهوره.
مسلسل توبة.. في محبة البطل الشعبي
لماذا تحظى مسلسلات وأفلام البطل الشعبي بجماهيرية كبيرة؟ يمكن أن تكون إجابة هذا السؤال هي سبب نجاح مسلسل "توبه" للنجم عمرو سعد والمخرج أحمد صالح. يدور المسلسل حول الشاب "توبة" الذي كان في البداية لصا يعمل لصالح عصابة كبيرة، ثم قرر بعد حدث محوري أن يترك القاهرة ويبدأ حياة جديدة في منطقة شعبية بمحافظة بورسعيد. عاش توبة بوجه جديد وشخصية جديدة لمدة 7 سنوات، وتخيل أن بإمكانه أن ينسى الماضي تماما، لكن ماضيه يعود لمطاردته من جديد.
بالعودة إلى السؤال السابق، فإن الجماهير تتابع مسلسلات الأبطال الشعبيين بشغف لأن القصص غالبا ما تعبر عن انعدام الأمن والخوف الذي نشعر به نحن الأشخاص العاديين بتخيل القوة داخل العمل الفني. خلال تلك الأعمال نجد الإنسان العادي قد امتلك حكاية تحوّل بها من شخص مستضعف إلى شخص قوي ذي قدرات خاصة تمكنه من محاربة الاعتداءات والشر.
بالإضافة إلى قصة اللص الذي قرر أن يتوب، تضمن المسلسل مجموعة من العناصر التي جعلته قريبا من الجماهير، مثل وجود فتيات الحي الشعبي مثل أسماء أبو اليزيد (لقى) ورحاب الجمل (فايزة) ومروة الأزلي (غادة).
رغم أن تلك الثيمة تكررت مرات لا تحصى، فإنها تبقى ثيمة محببة إلى الجمهور، خاصة مع فريق العمل الذي يبدو بالفعل قادرا على تمثيل الطبقات الشعبية في الشارع المصري. ولئن تحفظ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي على طريقة الكلام القائمة على الوزن والتنغيم في المسلسل باعتبارها طريقة مبالغة، إلا أنها موجودة بالفعل في فئات مختلفة من الشارع المصري.
جاءت الأدوار ملائمة للممثلين بصورة كبيرة خاصة أدوار عمرو سعد ودياب وحسن أبو الروس وانتصار التي تفوقت في أداء دورها وكانت قريبة جدا من المشاهدين بصدق الأداء وبساطته، حتى إن المُشاهد ينتظر المَشاهد التي تظهر فيها ليستمتع بحضورها على الشاشة.
رحلة البطل في مسلسل المشوار
رحلة البطل هي نموذج سردي للدراما التي تفضلها الجماهير. تتضمن القصة بطلا يخوض مغامرة ويتعلم درسا وينتصر في النهاية.
في مسلسل "المشوار" يقدم المخرج محمد ياسين النجم محمد رمضان بصورة مختلفة عن أدواره في السنوات السابقة. أداء هادئ من دون افتعال أو انفعالات زائدة، وجاء أداء دينا الشربيني أيضا طبيعيا خاصة ظهورها بوجه شبه خال من المكياج، وهو ما يلائم أحداث المسلسل وطبيعة الشخصية.
وبعيدا عن الجدل الذي يدور دائما حول محمد رمضان، فهو يبقى واحدا من أهم النجوم وأكثرهم شعبية وجماهيرية. يمكن أن يستغل محمد رمضان مسلسل "المشوار" ويعيد حساباته في أدواره القادمة، ليبدأ مرحلة جديدة قائمة على التنويع في الأدوار والتمثيل الهادئ المقنع، مما يساعده على ضم فئات جديدة من الجماهير التي لا تعتبره نجمها المفضل.