جامع الأندلس يزداد بهاء في رمضان...أصالة القيروان وروح المغرب
شيدته مريم الفهرية سنة 859 ميلادية في مدينة فاس ليكون من أعرق المساجد في العالم
يعرف الكثيرون فاطمة الفهرية التي كانت وراء تأسيس جامع القرويين بالمغرب، وهو أول جامعة في العالم بحسب موسوعة غينيس، ولكن ربما القليل من يعرف أختها مريم التي شيدت في الفترة نفسها جامع الأندلس.
يقف جامع الأندلس شامخا في المدينة العتيقة لفاس التي تشع كل جنباتها تاريخا وتراثا ومعمارا، ليجمع بين أصالة القيروان وجمال الأندلس وروح المغرب.
ويزداد هذا المسجد بهاء بحلول رمضان، إذ يتوافد إليه الناس من كل حدب وصوب.
الأختان فاطمة ومريم
بداية الحكاية كانت بعد هجرة محمد بن عبد الله الفهري (والد فاطمة ومريم) من القيروان إلى مدينة فاس التي كانت تستقبل القادمين من القيروان ومن الأندلس أيضا.
استقرت أسرة الفهري في حي القيروان، فالمولى إدريس الثاني (ابن مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب) -الذي كان وراء تشييد مدينة فاس- أطلق على الحي الأول عدوة (حي) الأندلس (كان مخصصا للوافدين من الأندلس)، وأطلق على الحي الآخر عدوة القرويين (مخصص للوافدين من القيروان)، ليشكل ذلك فسيفساء متناسقة من الأفراد والجماعات.
دارت الأيام وتوفي الوالد وترك لابنتيه مالا وفيرا لتخصصاه لبناء جامع القرويين (جامع وجامعة في نفس الوقت) وجامع الأندلس بسبب حاجة الناس لذلك، ففاطمة ومريم كانتا قريبتين من انشغالات المواطنين، وكان بناء جامع الأندلس علامة فارقة في تاريخ مريم الفهري، إذ ينم تشييده عن عمقها وقوة شخصيتها.
خصوصية كبيرة
رغم مضي عدة قرون على بناء مسجد الأندلس -الذي شيد عام 859 ميلادي- فإنه لا يزال يتحدى تقلبات المناخ.
أمام مدخل الجامع تقف الأبصار شاخصة أمام عمرانه المتناسق تناسق دروب وأزقة مدينة فاس وكأنه قلب المدينة العتيقة.
بدوره، يقول خطيب جامع الأندلس أحمد الغزالي إنه يعمل إماما للمسجد منذ عام 2006، وهو ما جعله يرتبط كثيرا به حتى أمسى جزءا منه، ينتظر كل جمعة حتى يعتلي المنبر، ويحرص على ألا تفوته أي خطبة، ولو كان مريضا أو على سفر فإنه يذهب إلى الجامع.
ويقول الغزالي للأناضول "كل من زار جامع الأندلس ارتاح به وجدانيا، ووجد راحته في الجلوس بين أسواره".
وعن الشهرة التي كانت لجامع القرويين مقارنة بالأندلس، يوضح الغزالي أن "الأسبقية الزمنية في التدريس كانت في جامع القرويين الذي تحول في ما بعد إلى جامعة، في حين أن الأندلس ورغم أنه كان يعرف حلقات العلم في أوقات ماضية فإنه بقي للصلوات وتلاوة القرآن".
ويعتبر أن "خصوصية الأندلس أيضا يبرزها اعتكاف أهل العلم، أي عندما ينتهون من طلب العلم يقصدون الجامع للاعتكاف والخلوة".
ومر علماء كثيرون من هذا الجامع مثل ابن النحوي (فقيه وشاعر)، وفق الغزالي.
وأضاف الغزالي "لما سمع المسلمون في العالم أن خليفة صالحا من آل البيت (المولى إدريس الثاني) يبر بالأفراد ويعدل بينهم ويقيم السنة بدأ الناس يتوافدون على الجامع طلبا للأمن والاستقرار".
وقال "لتحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع خص إدريس الثاني هذه المنطقة (الأندلس) للأندلسيين، والأخرى (القيروان) للقرويين".
وأوضح إمام المسجد أن "قصص التاريخ تحكي أن مريم كانت تقضي ساعات طويلة وتسهر على إكمال البناء".
وتابع أن الجامع شهد توسيعات في عهد الأدارسة والموحدين (الدولة الموحدية) والمرينيين (الدولة المرينية).
وأشار إلى أنه أجريت عمليات ترميم للجامع مرتين مؤخرا في عهد ملك المغرب محمد السادس.
مال وعلم
جامعة القرويين وجامع الأندلس كانا بيتين لعدد كبير من المؤرخين والمفكرين والفلاسفة والأطباء والخبراء والباحثين والعلماء والفقهاء، وقد تعرفوا على الجامعة ونهلوا من علمها وارتفعوا في معراج العلم درجات وصلت عنان السماء.
من القيروان إلى فاس حينما يلتقي المال والعلم يمكن أن ينتجا فكرا وعمرانا يبقيان خالدين، وهو ما قامت به الأختان فاطمة ومريم.
وخلال رمضان يمتلئ الجامع بالمصلين، سواء خلال أوقات الفريضة أو في صلاة التراويح، لقربه من السكان والتجار وزائري المدينة العتيقة لفاس.