"بيت العيلة".. إفطار يومي بالقدس لمرضى السرطان من غزة والضفة
ليس من الصعب الوصول لمنزل عائلة القواسمي في حي وادي الجوز بالقدس المحتلة، فرائحة الطعام المطهو بروح تطوعية مُحبّة ومتضامنة مع مرضى السرطان من الأطفال تدلُّ المارين على المكان فورا.
خلف الباب الرئيسي يشكل المتطوعون خليّة نحل تعمل بنظام وهدوء وسلاسة، إذ أوكلت للأطفال مهمة غسل الفواكه وتغليفها وتعليب الحلويات والفواكه المجففة، وتجهيز الصناديق الكرتونية التي سينقل بها الطعام قبيل موعد الإفطار إلى مستشفى المطلع في حي جبل الزيتون القريب.
أما النساء فينهمكن في تجهيز السلطات والطبق الرئيسي غير آبهات بمرور الوقت واضطرار معظمهن للعودة إلى منازلهن لإعداد مائدة الإفطار لعائلاتهن.
على مدار الشهر الفضيل، تتناوب كل من الشيف هالة طه ومفيدة القواسمي على إعداد 50 وجبة إفطار لصالح الأطفال من مرضى السرطان ومرافقيهم القادمين من محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، وشاءت ظروف المرض أن يقضوا شهر رمضان بعيدا عن منازلهم وأجوائها الاستثنائية.
تقول الشيف هالة إنها تعرفت على مبادرة إفطار المرضى ومرافقيهم عن طريق الصدفة قبل 3 أعوام، ورغبت في المساهمة في طهو الوجبات بشكل تطوعي خلال الشهر الفضيل.
وتضيف "ما لفتني في المبادرة أنها مخصصة لفئة أطفال السرطان ومرافقيهم الذين تقطعت بهم السبل في القدس وانسلخوا قسريا عن الأجواء الرمضانية في منازلهم، وأسعى من خلال مشاركتي لطبخ كل ما يمكن أن يخطر على بال هؤلاء من مأكولات فلسطينية ليشعروا وكأنهم في منازلهم".
تحرص هالة على تقليل كمية التوابل، وعلى أن يكون الطعام صحيا قدر المستطاع ليلائم المرضى الذين يخضعون للعلاج، وتقضي نحو 5 ساعات يوميا لتحضير أصناف مختلفة من المطبخ الفلسطيني قبل مغادرة المكان نحو منزلها لتقوم بالواجب ذاته تجاه أسرتها.
تتنقل الشيف مفيدة القواسمي كذلك بين المتطوعين والمتطوعات، وتُشرف على سير العمل جنبا إلى جنب مع الشيف هالة، وعن تلبية رغبات المرضى والمرافقين، تقول إن أهالي غزة يفضلون الطعام الحار ويطلبونه، لكن يتم استخدامه بكمية قليلة حرصا على صحة الجميع.
وتضيف مفيدة "نحرص على أن تكون الوجبات مشوية وتحتوي على خضروات وموادها الغذائية الأخرى متنوعة لتكون الوجبة صحية".
وتستخدم مفيدة توابل حضّرتها بشكل يدوي بعد خلطها مع الأعشاب، وقبل أسابيع أطلقت مجموعة من التوابل الخاصة بها بعد تزايد الطلب من صديقاتها على تزويدهن بخلطاتها التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الأعشاب.
تؤكد أنه رغم الجهد البدني الكبير الذي تبذله في تحضير وطهو 50 وجبة يوميا، فإن شعورها بالرضى ومشاركة وتعاون من حولها معها ينسيها التعب الجسدي الذي تقول إنه لا يقارن مع حجم السعادة التي تشعر بها في هذا العمل التطوعي.
من الأردن، حالف الحظ أمل البشيتي للقدوم والتطوع بشكل شخصي في المبادرة بعدما اقتصر دورها في الأعوام السابقة على إرسال التبرعات.
عند التقدم بطلب لتأشيرة الزيارة دعوتُ ربي أن تتم الموافقة عليها لأنني نويت التطوع لصالح الأطفال المرضى والصلاة في المسجد الأقصى.. في القدس شعرت بالراحة النفسية والتعب الجسدي لا يذكر، وشعرت أن الطهو في المنزل بكمية قليلة ينهكني أكثر من هذا العمل.. سعادتي لا توصف بالمشاركة الفعلية في هذه المبادرة".
لور وزياد طه من أصغر المتطوعين سنّا في المبادرة هذا العام، يتنقلان بين طاولة وأخرى، ويحاولان المشاركة في كل مراحل العمل.
تقول لور إنها قدمت لتساعد الأطفال المرضى، وإنه من واجب الصغار الأصحاء أن يشعروا بالآخرين المرضى.
قاطعها شقيقها زياد قائلا "أنا أريد المساعدة في الأكل ليتحسن الأطفال.. ساهمت في تغليف التفاح ونصف كمية اللبن".
ابتسم ثم ركض للانهماك في نقل الوجبات إلى السيارة التي ستقلها نحو المستشفى.
ورغم انشغال صاحب مبادرة "بيت العيلة" الروائي والخيّاط عيسى القواسمي وإشرافه على كافة المراحل، فإنه لم يتوقف عن الاهتمام بالأطفال وممازحتهم طيلة الوقت.
وعن المبادرة، قال عيسى القواسمي إنها مستمرة للعام السابع على التوالي، إذ انطلقت في بدايتها تحت مظلة جمعية نسائم مقدسية التي جمّدت نشاطاتها مع وصول جائحة كورونا للبلاد، لكن مع تجدد استقبال الوجبات في المستشفيات العام الماضي قرر عيسى نقل المبادرة إلى منزل العائلة في وادي الجوز.
ويرفض عيسى أن تقترن المبادرة باسم عائلته فقط، قائلا إن المقصود هو العائلة المقدسية وكل من يساهم في هذه المبادرة بالتبرع بالصدقات وزكاة الفطر.وتطرق لحجم التبرعات الكبير الذي يصله من خلال صفحته على فيسبوك، مؤكدا أنه تعمّد هذا العام إدخال نساء رياديات في مبادرته لترويج منتوجاتهن.
وتطرق لحجم التبرعات الكبير الذي يصله من خلال صفحته على فيسبوك، مؤكدا أنه تعمّد هذا العام إدخال نساء رياديات في مبادرته لترويج منتوجاتهن.
المحال التجارية الكبيرة مبيعاتها قوية، لكن هناك الكثير من النساء اللاتي يعملن من منازلهن في صناعة الحلويات مثلا، اعتمدتُ 7 من هؤلاء وتعاقدت معهن لشراء الحلويات منهن على مدار الشهر"، يضيف عيسى القواسمي.
ولم تقتصر مبادرة "بيت العيلة" هذا العام على إعداد وجبات إفطار الصائمين، بل تعدت ذلك لتحقيق أحلام 30 طفلا من أنحاء الضفة الغربية قال معظمهم إن حلمهم "شراء دراجة هوائية".
وحوّل عيسى القواسمي هذه الأمنيات إلى حقيقة خلال أسبوع عبر صفحته التي باتت عنوانا للخير ومصدرا لثقة المتابعين داخل فلسطين وخارجها.
المصدر : الجزيرة