دراسة: تأثير هائل للأزمة الأوكرانية على إسرائيل والشرق الأوسط
أشارت دراسة إسرائيلية إلى أن الأزمة الأوكرانية، سواء تصاعدت إلى حرب أو تم التوصل إلى تفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا تزيل تهديد الأخيرة بغزو أوكرانيا، باتت تضع تحديات أمام النظام العالمي الذي ترسخ في العقود الثلاثة الأخيرة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ويؤثر ذلك بشكل مباشر وغير مباشر، وفوريا وفي المدى الأبعد، على الشرق الأوسط عموما وإسرائيل خصوصا.
ودعت الدراسة، الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب أمس، الإثنين، إسرائيل إلى دعم الموقف الأميركي في الصراع المتصاعد في أوروبا الشرقية، بسبب العلاقات الخاصة بين الدولتين والالتزام الأميركي بأمن إسرائيل. وفي هذا السياق، أوصت الدراسة بأن تمتنع إسرائيل عن الدخول في مواجهة، علنية خصوصا، مع الإدارة الأميركية حتى في حال جرى توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران قريبا.
ومن الجهة الأخرى، أوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالحفاظ بقدر الإمكان في هذه المرحلة على قنوات الاتصال مع موسكو، من أجل الامتناع عن احتكاك عسكري في سورية. كذلك أوصت باستمرار ترسيخ إسرائيل لعلاقاتها مع دول عربية ونقل "رسائل إيجابية" إليها، "من أجل الاستعداد لاحتمال حدوث قلاقل فيها إثر تبعات الأزمة الدولية وبهدف منع تراجع عملية تطبيع العلاقات".
في هذه الأثناء، يبدو واضحا أن دول الشرق الأوسط، وبضمنها إسرائيل، معنية بالحفاظ على حياد في الأزمة الأوكرانية. فمن جهة، بالرغم من الإدراك أن الولايات المتحدة تقلص تدخلها في الشرق الأوسط، إلا أن معظم دول المنطقة تنظر إلى علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية على أنها دعامة مركزية في مفهومها الأمني. ومن الجهة الأخرى، هي معنية بالحفاظ على علاقاتها مع روسيا، التي تعمقت في السنوات الأخيرة، وتشمل حاليا علاقات عسكرية وصفقات لشراء أسلحة روسية. وذلك إلى جانب ضلوع روسي عميق في الحرب في سورية، وفقا للدراسة.
وبالنسبة لإسرائيل، حسب الدراسة، يوجد للأزمة الأوكرانية ثلاثة مستويات مركزية: العالمي، الإقليمي، والسوري. وفي المستوى العالمي، فإنه كلما طالت الأزمة، وخاصة في حال نشوب حرب تستمر لفترة طويلة، ستطالب إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إسرائيل باتخاذ موقف ودعم واضح للخطوات الأميركية والمشاركة في ممارسة ضغوط على روسيا والانصياع لعقوبات ستفرض عليها.
وأضافت الدراسة أنه "في ظروف كهذه، ثمة شك كبير إذا كانت الإدارة الأميركية ستصغي وتتفهم ادعاءات وتوضيحات إسرائيلية أن مصالحها تستوجب الحفاظ على قنوات مفتوحة مع موسكو أيضا. ويرجح أنه إثر تحفظ دول في الشرق الأوسط من إظهار تماثل كامل مع موقف الولايات المتحدة وخطواتها، أن تحاسب الإدارة الدول التي ستحاول الاستمرار في الوقوف على الحياد". لكن الدراسة أشارت أيضا إلى إمكانية أن تعزز الأزمة في أوروبا الشرقية أهمية الشرق الأوسط كمزود للطاقة بدلا من روسيا. وأشارت الدراسة في هذا السياق إلى قطر والسعودية. واعتبرت الدراسة أن أحد بدائل تزويد الغاز من روسيا هي حقول الغاز في البحر المتوسط المشتركة بين مصر وقبرص وإسرائيل.
وفي المستوى الإقليمي، اعتبرت الدراسة أن الأزمة في أوروبا الشرقية، وخاصة إذا تدهورت إلى حرب، "ستؤثر بصورة مباشرة على استقرار قسم من الدول في الشرق الأوسط، وبالأساس لكونها تعتمد بقدر كبير على التزود بمنتجات زراعية عموما وبالقمح خصوصا من أوكرانيا وروسيا". فمصر، على سبيل المثال، تشتري معظم الحبوب من روسيا وأوكرانيا، والأخيرة مزودة الذرة المركزية لمصر.
ويضاف إلى ذلك تحديات تواجهها دول كثيرة في المنطقة، التي تنبع من الزيادة السكانية، نسب البطالة المرتفعة وخاصة بين الجيل الشاب، وكذلك تأثير تغير المناخ. وهذه كلها ستضع مصاعب أمام قدرة دول بمنع تدهور في وضعها. وفي وضع كهذا ستتزايد احتمالات عودة الاحتجاجات الشعبية في دول ضعيفة، مثل سورية ولبنان وليبيا والعراق، وربما الأردن ومصر.
وانعدام الاستقرار في دول كهذه من شأنه إضافة تحديات أمنية أمام إسرائيل، ويرجح أن تضطر إسرائيل نفسها إلى مواجهة تبعات ارتفاع أسعار الطاقة وتبعاته على غلاء المعيشة. كما أن تركيز الولايات المتحدة على أوروبا، سيسرع ابتعادها عن الشرق الأوسط وتقييد دعمها العسكري لحليفاتها في المنطقة.
وفيما يتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على جبهة إسرائيل الشمالية، وخاصة مقابل سورية، رجحت الدراسة أن تستغل روسيا الحلبة السورية لكي تجسد أمام الولايات المتحدة أن بيديها رافعات لتحويل مناطق أخرى في أوروبا الشرقية إلى مناطق قابلة للاشتعال. وفي الفترة الأخيرة، تضع روسيا مصاعب أمام الغارات الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني في سورية ونقل أسلحة إلى الأراضي السورية وإلى حزب الله في لبنان.
ووصفت الدراسة الطلعات الجوية الروسية والسورية المشتركة وخاصة قرب هضبة الجولان المحتلة، الشهر الماضي، بأنها "رسالة واضحة لإسرائيل أن بمقدور روسيا، إذا أرادت، أن تعرقل كفاح إسرائيل ضد المحور الإيراني، مثلما يتم التعبير عنه في الأراضي السورية".
وأضافت أن تعميق العقوبات الأميركية على روسيا، إثر هجوم روسي في أوكرانيا، "ستكون له تبعات سلبية على إسرائيل. وفي إطار الرد الروسي ضد حلفاء الولايات المتحدة، قد توقف موسكو التنسيق العملياتي الروسي – الإسرائيلي وأن تحاول إحباط هجمات إسرائيلية في سورية بواسطة منظومات دفاع جوي وطائرات اعتراض روسية. وإلى جانب ذلك، من الجائز أن تمتنع روسيا عن لجم إيران وربما تشجيعها أيضا على تفعيل أذرعها، ليس ضد القوات الأميركية في روريا فقط، وإنما ضد إسرائيل أيضا".
وأوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالامتناع عن بيع أسلحة لأوكرانيا ودول مجاورة لروسيا، وخاصة أسلحة مضادة للدبابات، ومواصلة منع بيع "القبة الحديدية" من الجيش الأميركي لأوكرانيا.
كما أوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالاستجابة لخطوات التقارب من جانب تركيا، كونها دولة هامة في حلف شمال الأطلسي. "وبنظرة واسعة، تحسين العلاقات معها سيعزز مكانة إسرائيل الإستراتيجية وقيمتها في المنطقة".