الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 11:38 AM
العصر 2:22 PM
المغرب 4:47 PM
العشاء 6:07 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مشروع من ورق.. أين ذهبت ملايين "خالد الحسن" للسرطان؟

ارشيف
ارشيف

محمد خبيصة وفراس الطويل

توفي الطفل سليم النواتي من قطاع غزة بمرض السرطان مطلع 2022، بعد أسبوعين من الانتظار على أبواب المشافي الفلسطينية لتلقي العلاج، رغم حصوله على تحويلة طبية من وزارة الصحة.

لجنة تحقيق مستقلة في ظروف وفاته أوصت بإحالة الملف إلى النيابة العامة، ومعاقبة ثلاث مستشفيات (المُطلع والنجاح ومجمع فلسطين الطبي الحكومي) ودائرة التحويلات الطبية في وزارة الصحة، نتيجة التقصير في علاج الطفل. 

لكن النواتي (15 عاما) الذي عانى سرطان الدم "اللوكيميا"، لم يكن بحاجة للانتظار لو أن الجهات الرسمية الفلسطينية أوفت بوعودها بإنشاء مركز متخصص لعلاج السرطان، رغم حشد ملايين الدولارات لمركز خالد الحسن لأمراض السرطان وزراعة النخاع، وتنفيذ تصاميم بنائه والشروع بالحفريات قبل ست سنوات. فما هو مصير المركز؟ وأين ذهبت الملايين؟

حجر الأساس

بدأت قصة المشفى عام 2016، وحمل اسم "مركز خالد الحسن لعلاج أمراض السرطان وزراعة النخاع"، لتوفير علاج لكل أنواع السرطان، وتخفيف مصاريف العلاج في الخارج بما يشمل المشافي الإسرائيلية.

إذ تنفق السلطة الفلسطينية 266 مليون دولار سنويا على بند "شراء الخدمة" من خارج مرافق وزارة الصحة، ثلث هذا المبلغ يذهب لعلاج السرطان، بحسب بيانات الوزارة 2020.

في بلدة سردا قرب رام الله (وسط الضفة الغربية)، تم تخصيص 20 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) من "أراضي الدولة" لإقامة المشروع. بتاريخ 7 يناير/ كانون الثاني 2016، وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حجر الأساس لبناء المركز، وعبر عن أمله في "بناء المشفى خلال سنة، لعلاج كل الحالات السرطانية وتخفيف مصاريف العلاج في الخارج".

كان محمد اشتية -رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي، والرئيس السابق للمجلس الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"- يقف بجوار الرئيس، وقاطعه: "18 شهرا"، أي أن المركز بحاجة لهذه المدة حتى يرى النور. 

الرئيس عباس يضع حجر الأساس لمركز خالد الحسن للسرطان 7. 1. 2016

مساحة البناء في المشروع حوالي 100 ألف متر مربع، ويتألف من 15 طابقاً تتسع لحوالي 208 أسرة. بينما الميزانية المتوقعة لتنفيذ المبنى بشكل كامل هي 140 مليون دولار غير شاملة تكاليف المعدات الطبية، بحسب بيانات "بكدار"، وهي مؤسسة شبه حكومية كانت مشرفة على تنفيذ المشروع.

حملة تبرعات.. ملايين الدولارات

بتاريخ 11 آذار/ مارس 2016، أطلق الرئيس عباس حملة "وردة أمل لشعب الأمل" للتبرع لبناء المستشفى، وفُتحت حسابات بنكية عممت عبر الإعلام المحلي لتوفير أموال لتدشين المشروع.

 بلغ مجمل التبرعات 9 ملايين دولار، وتعهدات بالتبرع بـ 9 ملايين أخرى إلى جانب مليوني دولار منحة من البنك الإسلامي للتنمية خصصت لتغطية جزء من فاتورة التصاميم الهندسية، ناهيك عن تبرعات بمواد للبناء والتشطيب لم تحصر قيمتها. 

تصريحات الرئيس عباس وقتذاك أعطت انطباعا أن تنفيذ المشروع بات قريبا.. "مهما كانت تكاليف المشروع من ملايين، أنا متأكد أننا قادرون على رؤية هذا الصرح (...) أيا كان المبلغ نحن قادرون على أن نأتي به".

وأضاف وسط تصفيق الحضور: "بدنا نشوف البلدوزرات تعمل بكرا، مش بعد شهر. لو في دولار، سنبدأ نحفر به، ثم يأتي دولار آخر، ونكمل الحفر، ثم نبني. الوطن لا يبنى دفعة واحدة، الوطن يبنى لبنة لبنة". 

اطلاق حملة التبرعات لمركز خالد الحسن للسرطان 13. 3. 2016

بعد الإعلان عن إطلاق الحملة بثلاثة أيام، تفقد الرئيس عباس أرض المركز، قائلا: "البدء بأعمال الحفريات هي أولى خطوات الألف ميل".

مشروع من ورق - مركز خالد الحسن للسرطان وزراعة النخاع

بالتوازي، ابتعثت وزارة الصحة مجموعة من الأطباء لتلقي التدريب في مستشفى الحسين للسرطان بالأردن، وأعلن وزير الصحة السابق جواد عواد على هامش استقبال الرئيس عباس للمبتعثين أن وزارته سترسل أطباء للتخصص في إيطاليا واليونان "لإعداد كادر بشري مؤهل لإدارة مستشفى خالد الحسن عند افتتاحه".

تصاميم هندسية وحفريات

عجلة المشروع أخذت بالدوران؛ و

في نيسان/ أبريل 2016، تمت دعوة ائتلافات لمكاتب إقليمية وعالمية لتقديم عروضها الفنية والمالية لتصميم المشروع؛ إذ تتكون الائتلافات من مكتب إقليمي، ومكتب عالمي، ومكتب محلي بحيث تكون نسب العمل 50%، 40%، 10%على الترتيب. حصل عرض تقدم به ائتلاف دار العمران -جون كوبر- على أفضل تقييم مالي وفني بعد مناقشة علنية للعروض.

وفي آذار/ مارس 2017 وُقّع العقد مع الائتلاف الفائز والمباشرة بأعمال التصميم بقيمة 2.47 مليون دولار.

وبعد خمسة أشهر، أفصح المجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار "بكدار" عن التصميم النهائي لمركز خالد الحسن لعلاج السرطان وزراعة النخاع، وتم إقراره من قبل مجلس أمناء المركز.

وفي 25 يناير/كانون الثاني 2018، أعلن "بكدار" عن نتائج التقييم الفني والمالي لعطاء تنفيذ أعمال الحفريات للمركز، إذ فازت شركة "برذرز" للمقاولات والتعهدات العامة بالعقد، نظرا لحصولها على المرتبة الأولى بالتقييم بعرض قيمته 2.923 مليون دولار.

في الشهر التالي، أطلق مجلس "بكدار" المرحلة الأولى في إقامة المشفى وهي مرحلة الحفريات، متوقعا الانتهاء منها خلال 8 أشهر، أي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وهو الشهر الذي توقفت فيها الحفريات، بداعي عدم توفر التمويل اللازم على ما كشفته وثيقة -غير منشورة وحصل عليها معدا التحقيق- عممها صندوق الاستثمار الفلسطيني على أعضاء هيئته العامة (عددهم 31) مطلع 2022. 

اطلاق اعمال التشييد لبناء مركز خالد الحسن للسرطان وزراعة النخاع  25. 2. 2018

بداية التراجع.. مرسوم تلو الآخر

برزت على السطح فكرة الشراكة مع القطاع الخاص لإنجاز المشروع في ظل التعثر المالي. ولتحقيق ذلك، صدر مرسوم رئاسي في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018.

نصت المادة الثالثة فيه، على "المساهمة في إنشاء مستشفى قادر على الاستمرار والتطور والنمو لعلاج أمراض السرطان والوقاية منها"، بينما المادة الخامسة تشير إلى أن إنشاء المستشفى "سيكون بشراكة بين صندوق الاستثمار الفلسطيني والقطاع الخاص". 

 نص المرسوم على السماح للمؤسسة بالشراكة بمقدار موجوداتها النقدية والعينية مع القطاع الخاص وصندوق الاستثمار مع إمكانية زيادة مساهمتها في الشركة من حين لآخر بقرار من مجلس الإدارة وحسب الاتفاق مع الشركة، وذلك من خلال شركة "تؤسس لتتولى مهام إنشاء وتمويل وتطوير وتشغيل المستشفى". 

بعد شهر صدر مرسوم آخر قضى بتشكيل مجلس إدارة المؤسسة برئاسة محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، وهنا سُحبت المهام من مجلس "بكدار" لصالح صندوق الاستثمار (الصندوق السيادي).

تصميم مصغر للمشفى لكنه لم ينفذ

اجتمع المجلس بداية 2019، وخرج بفكرة خفض التكلفة من خلال تصغير حجم المشروع بموازنة تقديرية تبلغ حوالي 100 مليون دولار شاملا المعدات.

وتم اعتماد العمل على تعديل التصميمات بناءً على ذلك، وعليه فقد قرر المجلس فضّ التعاقد مع شركة الحفريات. كما أقر المجلس إنشاء المركز على مراحل، بحيث تشمل المرحلة الأولى بناءً بمساحة كلية تصل إلى 60 ألف متر مربع، بسعة 139 سريرا وبقدرة لتقديم العلاج إلى 3200 مريض سنوياً، وبتكلفة حوالي 120 مليون دولار، أي أقل 50% من تكلفة المشروع الأصلي.

 جرى تنفيذ التصاميم بتبرع من المهندس عماد جابر، رئيس شركة "لاكاسا القابضة"، إلا أن "المشروع المصغر" بقي هو الآخر في الأدراج ولم يتم السير في تنفيذه.

وهنا كان التوجه نحو استبعاد فكرة الشراكة مع القطاع الخاص، بحسب الوثيقة التي عممها صندوق الاستثمار على أعضائه: "بعد الدراسة المستفيضة للنموذج المقترح (الشراكة مع القطاع الخاص) تبيّن أن هذا النموذج غير عملي، خاصةً وأنه في شهر آذار/ مارس 2020، دخلت فلسطين حالة الطوارئ المتعلقة بجائحة كورونا".

اختفى "خالد الحسن" وظهر "الاستشاري للسرطان"!

في 9 نيسان/ أبريل 2019، افتتح الرئيس عباس قسم علاج أمراض السرطان والدم وزراعة النخاع في المستشفى الاستشاري العربي برام الله، باستثمار بلغ 4 ملايين دولار، بحسب بيان صادر عن صندوق الاستثمار الفلسطيني.

ويعتبر "الاستشاري" أحد شركات محفظة الاستثمار لدى صندوق الاستثمار الفلسطيني في قطاع الصحة، إذ تبلغ نسبة الصندوق في شركة المجمع العربي الطبي التخصصي -المساهم الرئيس في الاستشاري- نحو 27 في المئة، بواقع 34 مليون دولار، بنهاية عام 2020. 

كان ذلك الافتتاح مؤشرا على صرف النظر كليا عن مركز خالد الحسن. عزز من ذلك، بداية ظهور مشروع المستشفى الاستشاري للسرطان خلال 2020 (يساهم فيه صندوق الاستثمار الذي كان مكلفا بتنفيذ مشفى خالد الحسن)، بقدرة 170 سريرا كمرحلة أولى، ومساحة بناء 27 ألف كيلو متر مربع، وبتكلفة 70 مليون دولار، وهو أكبر من "المشروع المصغر" لمركز خالد الحسن الذي طُرحت فكرته في 2019 ولم يُنفذ.  أي أن الجهة التي كانت مخولة بالإشراف على إنجاز المشروع الحكومي دعمت تنفيذه في القطاع الخاص.   

تأكدت الفرضية في يناير/كانون ثاني 2021 بصدور مرسوم رئاسي جديد قضى بإلغاء المرسوم رقم (7) لسنة 2018، بشأن مؤسسة خالد الحسن.

ومن أبرز ما تضمنه المرسوم في المادتين 5 و6، تحويل الهدف الرئيس للمؤسسة من تأسيس مركز لعلاج السرطان إلى مؤسسة لها أهداف مرتبطة بتوفير الخدمات العلاجية لمرضى السرطان، وإنشاء وتمويل وتطوير وتشغيل مستشفى خاص و/أو أقسام متخصصة.

كما نصت المادة 4، على "المساهمة في إنشاء أو تطوير مستشفى خاص و/أو أقسام متخصصة بعلاج أمراض السرطان والوقاية منها في المستشفيات العامة أو الخاصة..."، أي جعلَ إقامة مركز السرطان خيارا وليس قرار إلزاميا كما نص عليه مرسوم 2018. 

ماذا عن الأموال؟ 

بحسب ملخص كشوفات الحسابات البنكية الخاصة بمؤسسة خالد الحسن -حصل عليها معدا التقرير- فإن مجموع المبلغ المتبقي من أموال التبرعات هو 22،986،211 شيكل (7،367،375 دولار).

هذا المبلغ مودع في أربعة بنوك: البنك الوطني، والبنك الإسلامي العربي، والبنك العربي، وبنك فلسطين. في حين بلغ مجموع المصروفات بحسب العقود الموقعة 5.39 مليون دولار.

في ضوء تلاشي المشروع، كشف مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك عن تشكيل لجنة أهلية بالشراكة مع مؤسسات عدة للوقوف على حيثيات وقف مشروع خالد الحسن، معتبرا أن ما جرى "مخيب للآمال".

واليوم، دخل مركز خالد الحسن مرحلة أخرى من التجميد، بحسب تأكيدات وزيرة الصحة مي الكيلة، وتوصيات رئيس الوزراء محمد اشتية للرئيس عباس بتشكيل لجنة لمتابعة توفير التمويل اللازم للمشروع، بعد ست سنوات من البدء الفعلي في العمل وبث الأمل في نفوس 12334 مريضا بالسرطان في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في المحصلة، المشفى غير موجود، ولن يكون موجودا على الأقل في القريب المنظور، في حين أن قرابة 5 ملايين من أموال التبرعات دفنت في أرض المركز الذي تحول إلى أرض مشوهة، فيما بات مصير الملايين المتبقية محصورا بين خيارين: ضخها في مستشفى قائم، أو في أقسام السرطان بالمشافي العامة والخاصة، أما بث الروح في "خالد الحسن"، فقد بات مستحيلا تحت وطأة مراسيم رئاسية جعلت من إقامة المشفى أمرا اختياريا ومشروعا على الورق.

 

 

Loading...