من هو إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الجديد؟
بات الرئيس الثامن للجمهورية الإيرانية، إبراهيم رئيسي، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الـ13 في إيران، محط أنظار العالم، إذ تم انتخابه فيما تخوض إيران مباحثات مع القوى العالمية العظمى حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، وسط تصاعد التحديات التي تواجهها طهران على صعيد سياساتها الخارجية، بينما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
وفي تعليقه على النتائج الأولية للانتخابات، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إنه يتعين على الجميع العمل مع إبراهيم رئيسي من الآن فصاعدا فهو الرئيس المنتخب. ووصف ظريف رئيسي بـ"الرجل العقلاني" الذي سيقود البلاد بشكل جيد.
وتلقى رئيسي التهنئة من جميع منافسيه بالفوز، ومن جانبه أكد الرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني، أن الحسم قد تحقق من الجولة الأولى لكنه تحفظ عن ذكر اسم الفائز قبل إعلان النتائج الرسمية؛ في الوقت الذي أشارت فيه التقارير المحلية إلى أنه توجه إلى مكان إقامة رئيسي لتهنئته شخصيا.
ويعد رئيسي (60 عاما) رجل دين محافظ ومتشدّد، يرفع منذ أعوام شعار الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد، ويعتبر حجة الإسلام، رئيسي، الذي كان يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019، من المدافعين عن "النظام العام" ولو بالوسائل المتشددة.
ورفع رئيسي خلال حملته الانتخابية شعار مواجهة "الفقر والفساد"، وهو المبدأ نفسه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2017 ونال 38% من الأصوات، لكن ذلك لم يحل حينها دون فوز المعتدل حسن روحاني بولاية ثانية.
ولد رئيسي في مدينة مشهد (شمال شرق) في تشرين الثاني/ نوفمبر 1960، وبدأ بتولي مناصب عامة في سن مبكرة، إذ عيّن مدعيا عاما في مدينة كرج قرب طهران وهو لما يزل في العشرين من العمر، وذلك بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
وأمضى رجل الدين ذو العمامة السوداء، قرابة ثلاثة عقود في هيكلية السلطة القضائية للجمهورية الإسلامية، متنقلا بين مناصب عدة منها مدعي عام طهران بين 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارا من 2004 حتى 2014 حين تم تعيينه مدعيا عاما للبلاد.
وفي العام 2016، أوكل إليه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، مهمة سادن العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعيّنه بعد ثلاثة أعوام على رأس السلطة القضائية، أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي.
ويعمل رئيسي الذي يرى منتقدوه أنه يفتقر إلى الكاريزما، بوحي الدروس الدينية والفقهية لخامنئي.
ووفق سيرته الذاتية الرسمية، قام رئيسي، الذي يعرف بردائه الديني ونظارتين رفيعتين ولحية مشذبة غزاها الشيب، بتدريس مواد فقهية ودينية في الحوزات العلمية اعتبارا من العام 2018، خصوصا في مدينة مشهد المقدسة، مسقط رأسه.
وتطرح وسائل إعلام إيرانية عدة، اسمه كخلف محتمل للمرشد الأعلى خامنئي الذي سيتم الثانية والثمانين من العمر في تموز/ يوليو المقبل. علما بأن رئيسي يشغل كذلك عضوية مجلس الخبراء الذي تعود إليه صلاحية تسمية المرشد.
ورئيسي متزوج من جميله علم الهدى، أستاذة علوم التربية في جامعة شهيد بهشتي بطهران، ولهما ابنتان تحملان شهادات في الدراسات العليا. جعله هذا الارتباط العائلي نسيبا لـ"حجة الإسلام" أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثل المرشد الأعلى في مشهد، ثاني كبرى مدن إيران، وإحدى المدن المقدسة لدى الشيعة لاحتضانها مرقد الإمام الرضا.
وينظر الى رئيسي كالمرشح الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد مختلف المعسكرات السياسية للمحافظين والمحافظين المتشددين "الأصوليين". وكان سبعة مرشحين، بينهم خمسة من المحافظين المتشددين، نالوا أهلية مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في تاريخ الجمهورية الإيرانية، وانسحب منهم ثلاثة خلال الحملة لصالح رئيسي.
لكن رئيسي يدرك أن الحصول على إجماع أو تأييد واسع بين مختلف شرائح المجتمع الإيراني بكل تنوعه، أصعب، خصوصا في ظل الانقسام حول مسائل عدة أهمها الحريات الشخصية.
وفي ظل خيبة أمل من عدم إيفاء عهد روحاني (2013-2021) بوعوده على هذا الصعيد، تعهّد رئيسي الدفاع عن "حرية التعبير" و"الحقوق الأساسية لكل المواطنين الإيرانيين" و"الشفافية".
لكن وعودا كهذه لا تجد صدى لدى المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتبرون أن رئيسي تنقصه الخبرة السياسية.
وشدّد رئيسي خلال فترة الحملة الانتخابية، على نيته "تشكيل حكومة من الشعب من أجل إيران قوية"، والقضاء على "أوكار الفساد".
ويستند رئيسي في ذلك إلى العمل الذي قام به خلال توليه السلطة القضائية. وقد حصلت في عهده محاكمات كثيرة حظيت بإضاءة واسعة من وسائل الإعلام، بحق مسؤولين بارزين على خلفية تهم بالفساد. وطالت الإجراءات قضاة أيضا يشتبه بضلوعهم في ملفات مماثلة، وهو أمر لم يكن معهودا سابقا في إيران.
ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية غير حكومية، باستمرار بين رئيسي، وحملة الإعدامات التي طالت سجناء ماركسيين ويساريين عام 1988، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران. وكان هذا الملف من الأسباب التي أوردتها وزارة الخزانة الأميركية لدى إعلانها فرض عقوبات عليه في 2019.
وردا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 على خلفية تلك الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات، لكنه أبدى تقديره لـ"الأمر" الذي أصدره الإمام الراحل، الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لتنفيذ الإجراءات بحق هؤلاء الموقوفين.
وكان رئيسي من المؤيدين للشدة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع احتجاجات "الحركة الخضراء" التي تلت إعادة الانتخاب المثيرة للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009.
وقال في تلك الفترة "من يتحدث إلينا عن ‘التعاطف الإسلامي والسماح‘، نجيبه: سنواصل مواجهة مثيري الشغب حتى النهاية وسنقتلع جذور الفتنة".