تقرير إسرائيلي يكشف "كواليس" وقف إطلاق النار في غزة
كشف تقرير "إسرائيلي" عن كواليس وتفاصيل الدور الذي لعبته واشنطن وراء الكواليس للضغط على حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، لوقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
ولفت إلى 8 مكالمات هاتفية أجراها الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، "أدت إلى إنهاء 11 يوما من القتال في قطاع غزة".
ونقل التقرير الذي أورده موقع "واللا" العبري عن مسؤولين في البيت الأبيض، شاركوا في مداولات الإدارة الأميركية في هذا الشأن، أن الرئيس الأميركي استخدم سمعته "كصديق لإسرائيل" للضغط من أجل وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن من خلال ما وصفوه بـ"الدبلوماسية الهادئة".
وذكر التقرير أن مسؤولين في الإدارة الأميركية توقعوا أن يؤدي إلغاء الانتخابات الفلسطينية إلى "تصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين" وحذروا البيت الأبيض من ذلك، ومع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في القدس في نيسان/ أبريل الماضي، واندلاع المواجهات في الشيخ جراح والمسجد الأقصى، "أدركت إدارة بايدن أن هناك مشكلة تحتاج إلى معالجة".
وفي أول اجتماع شخصي لمسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين منذ دخول الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض، بين مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، جيك سوليفان، ونظيره الإسرائيلي مئير بن شبات، نهاية نيسان/ أبريل الماضي، طرحت واشنطن مسألة الأوضاع في القدس، وطالبت إسرائيل باتخاذ خطوات من أجل "خفض التوتر".
ومع استمرار التصعيد الإسرائيلي في القدس، اتصل مستشار الأمن القومي الأميركي بنظيره الإسرائيلي، فيما اتصلت نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، بالمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون أوشبيز، ونقلا رسالة واشنطن إلى تل أبيب التي تتلخص بثلاثة مطالب فورية: الامتناع عن إخلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح، تهدئة الأوضاع في الحرم القدسي، وإلغاء "مسيرة الأعلام" التي نظمتها الجمعيات الاستيطانية واليمين الإسرائيلي المتطرف في البلدة القديمة في القدس.
وأشار التقرير إلى أن نتنياهو، "نفذ جميع المطالب الأميركية؛ إذ طلب من المحكمة تأجيل إصدار قرارها" المتعلق بالالتماس الذي قدمته العائلات المهددة بالتهجير؛ ومنع اقتحام المستوطنين للحرم القدسي في ذكري احتلال المدينة وفق التقويم العبري؛ وغيّر مسار "مسيرة الأعلام" لتجنب مرورها من ساحة باب العامود.
من جهة أخرى، ادعى مسؤولون إسرائيليون في إفادات قدموها للإعلام العبري، أن بن شبات رفض المطالب الأميركية التي عرضها سوليفان، واعتبروا أن تنفيذ هذه المطالب بمثابة "تقديم جائزة للإرهاب"؛ ويضيف التقرير بأنه في هذه المرحلة " كان قد فات الأوان"، مشيرا إلى تنفيذ كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، تهديدها، وأطلقت 7 صواريخ باتجاه مدينة القدس.
بعد استهداف القدس بصواريخ المقاومة الفلسطينية، ذكر التقرير أن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بنظرائهم الأميركيين وأخبروهم أن "هذا الحدث يغيّر قواعد اللعبة. نحن بصدد تنفيذ عملية (عسكرية) واسعة" ضد قطاع غزة؛ لتنطلق سلسلة من المباحثات المكثفة في البيت الأبيض للتعامل مع الموقف. والاقتراحات الفورية التي تم تداولها هي الشروع بالإجراءات المتبعة في السياسة الخارجية الأميركية للتعامل مع مثل هذا التطور، بما يشمل التدخل العلني القوي وإيفاد وزير الخارجية إلى المنطقة؛ "غير أن بايدن قرر عدم اتباع هذا المسار".
وأشارت استنتاجات المباحثات التي عقدت في البيت الأبيض إلى أن السياسية التي اتبعتها الولايات المتحدة للتعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، حولت واشنطن إلى "مركز القصة" وخلقت مقاومة إسرائيلية للإرادة الأميركية، الأمر الذي قلص فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ونقل التقرير عن مصدر مطلع على مباحثات الإدارة الأميركية أن بايدن أوضح لمستشاريه أن "التعامل مع هذه الأزمة سيكون من خلال دبلوماسية هادئة ومكثفة مع إسرائيل ومصر، وليس عبر إطلاق دعوات علنية لوقف إطلاق النار".
واعتمدت السياسة التي وضعها بايدن على "تقديم الدعم العلني لإسرائيل، مقابل إجراء محادثات هادئة ومكثفة مع إسرائيل ومصر لضمان أن تكون العملية العسكرية الإسرائيلية قصيرة قدر الإمكان"، إذ قرر بايدن عدم الدعوة علنا إلى وقف إطلاق النار وعدم السماح بإصدار بيانات أو قرارات عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تدعو إلى ذلك.
نتنياهو تحت الضغوط الأميركية
وفي يوم السبت، بعد قصف الاحتلال مبنى يضم مكاتب "الجزيرة" ووكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في غزة، اتصل بايدن للمرة الثالثة بنتنياهو بعد أن كان قد أكد في اتصالين سابقين على الدعم الأميركي لإسرائيل. وفي هذه المرة، قال بايدن لنتنياهو إن "استهداف المبنى زاد من الضغوطات عليه في البيت الأبيض للعمل على إنهاء القتال".
وفي نفس اليوم، ذكر التقرير أن بايدن تحدث مع الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، وذلك في أول اتصال بينهما منذ توليه المنصب، وأول مكالمة لعباس مع رئيس أميركي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017.
وبحسب مصدر أميركي مطّلع فإن هدف المكالمة كان التأكد من أن "الأزمة في غزة لن تتحول إلى تصعيد عنيف في الضفة الغربية".
ووفقا للتقرير، قال بايدن للرئيس الفلسطيني إنه "يتوقع منه إرسال قوات أمن السلطة الفلسطينية إلى نقاط التظاهر، وعزل المتظاهرين عن الجنود الإسرائيليين لتهدئة الموقف".
اختبار أميركي لفعالية الوساطة المصرية
وخلال نهاية الأسبوع الماضي، تشكل الانطباع لدى المسؤولين في البيت الأبيض، أن المصريين هم الوسيط الفعال الذي يمكنه إنهاء هذه الجولة. كما خلص البيت الأبيض إلى أن وقف إطلاق النار سيكون غير مستقر إذا ما أعلنت عنه إسرائيل من جانب واحد، وبالتالي من الضروري التوصل إلى وقف إطلاق نار متبادل بوساطة مصرية.
وذكر التقرير أن "مصر تمكنت يوم الأحد الماضي، من تحقيق تفاهمات هادئة غير معلنة مع حماس بالتوقف عن إطلاق صواريخ بعيدة المدى باتجاه تل أبيب. لمدة 18 ساعة، لم تطلق حماس صواريخ على وسط البلاد. ما شكل دليلا لبايدن على أن المصريين قادرون على لعب دور فعّال".
توجه أميركي لوقف إطلاق النار
وبعد وقف إطلاق الصواريخ على منطقة تل أبيب الكبرى لهذه المدة، اتصل بايدن بنتنياهو يوم الإثنين الماضي وأوضح له أنه يدعم وقف إطلاق النار. وكان الرد الإسرائيلي من نتنياهو ووزير أمنه، بني غانتس، هو أنه "لن نتوقف حتى نقضي على قدرات حماس العسكرية".
وصباح يوم الأربعاء الماضي، جاء في جلسة تقييم للوضع عقد في البيت الأبيض أن "وقف إطلاق النار يمكن أن يتحقق في القريب العاجل".
وذكر مطلع على المباحثات الأميركية أن "هذا الانطباع تشكل بعد تلقي رسائل من قيادات في الجيش الإسرائيلي تحدثوا إلى نظرائهم الأميركيين تشير إلى أن العملية العسكرية الإسرائيلية حققت أهدافها". وقرر بايدن في هذه المرحلة الاتصال وزيادة الضغط على نتنياهو، للموافقة على وقف إطلاق النار.
وبحسب المصادر، فإن المحادثة التي أجراها بايدن مع نتنياهو يوم الأربعاء، كانت أكثر حزمًا مما كانت عليه في المحادثات الثلاث السابقة، وأشارت إلى أن المحادثات التي دارت بين بايدن ونتنياهو في البداية، لم تجر في أجواء متوترة أو عدوانية، نظرا للمعرفة الشخصية بينهما.
والأربعاء، سأل بايدن نتنياهو: "إلى أين تتجه هذه العملية؟ متى ستنهيها؟"؛ أجاب نتنياهو أنه يحتاج إلى بضعة أيام أخرى، لكن بايدن كان يعلم بالفعل أن العملية قد استنفدت بالنسبة للجيش الإسرائيلي، فرد على نتنياهو بالقول: "يمكنك الاستمرار لبضعة أيام أخرى لكنك لا تتحكم في الأحداث"؛ وأضاف "كل يوم تواصل فيه شيئًا ما يمكن أن يحدث عن طريق الخطأ ما سيؤدي إلى تدهور الوضع. مصر لديها عرض معقول وأعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء ذلك"؛ وبحسب التقرير، قدم نتنياهو التزاما بإنهاء العملية بعد 24 ساعة.
تفهم أسباب نتنياهو الشخصية
رغم ذلك، أعلن نتنياهو متحدثا للرأي العام الإسرائيلي أن العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ستستمر طالما "تستدعي الحاجة ذلك"، ورفض تحديد مدة زمنية لوقف إطلاق النار. "قرر البيت الأبيض عدم التعليق على تصريحات نتنياهو لأنه أدرك بالفعل أن نتنياهو يتوجه لوقف إطلاق النار، لكنه أدرك أيضًا أنه وفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن 70% من الإسرائيليين يرفضون وقف إطلاق النار. لذلك، لم يغضب بايدن من تصريحات نتنياهو وأدرك أنه بحاجة إلى تصريح كهذا لأسباب سياسية داخلية".
وفي يوم الخميس، اتصل الرئيس الأميركي بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وطلب تأكيدات بأن مصر تستطيع ضمان وقف إطلاق الصواريخ من غزة إذا وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار.
وتعهد الرئيس المصري بذلك، فنقل البيت الأبيض رسالة الرئيس المصري إلى إسرائيل قبل انعقاد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، مساء الخميس الماضي.
وذكر التقرير أن نتنياهو اتصل في بايدن بعد انتهاء اجتماع الكابنيت وأطلعه على القرار بوقف إطلاق النار، لكن نتنياهو هدد بأنه "إذا أطلقت حماس رشقة صاروخية تنهي من خلالها المعركة في غضون الساعتين ونصف ساعة المتبقية حتى دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فإن إسرائيل سترد بشكل عنيف، مما قد يؤدي إلى انهيار لإجراءات التهدئة".
وأشار التقرير إلى أن الأميركيين سارعوا إلى الاتصال بمصر والتأكد ثانية من أن حماس لن تطلق رشقة صاروخية بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنقيذ. بعد نصف ساعة، في جوالي الساعة الواحدة ليل الخميس الجمعة الماضي، اتصل نتنياهو ببايدان مرة أخرى وقال إنه تلقى رسالة من مصر مفادها بأن حماس لن تطلق وابلًا ناريًا. عندها فقط خرج بايدن إلى وسائل الإعلام وأعلن وقف إطلاق النار".
وقبل إعلان بايدن وقف إطلاق النار، قال المتحدث العسكري باسم كتائب "القسام"، أبو عبيدة، في بيان رسمي: "نقول وبشكل واضح بأننا قد أعددنا ضربة تغطي كل فلسطين من حيفا حتى رامون، ولكننا استجبنا لوقف إطلاق النار لنراقب سلوك العدو حتى الساعة 2 من فجر الجمعة".