الروزنا تقف على ما يحدث في القدس وتوجه رسائل من الدوحة إلى فلسطين
عقدت مجموعة الروزنا الشبابية الفلسطينية في الدوحة يوم الإثنين 10 أيار/ مايو 2021 تظاهرة إلكترونية بثتها على منصتها على فيسبوك للوقوف على أحداث الهبة الشعبية في القدس المحتلة، استضافت فيها نخبة من الأكاديميين والباحثين والناشطين في الدوحة. وقد أدار الجلسة إيهاب محارمة، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات.
تحدث إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، عن ثلاثة أسباب رئيسة وراء انفجار الأحداث في القدس، أولاها، أن هدف الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على حي الشيخ جراح وإخراج أهله منه هو هدفٌ استراتيجي وليس تكتيكي، إذ تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تحقيق هذا الهدف على مدار السنة، فهذا الهدف يشكل أولوية بالنسبة لها. وأضاف "إذا استطاعت حكومة الاحتلال السيطرة على حي الشيخ جراح سيكون هذا مكسب لها، وسيساهم في طمس معالم القدس الشرقية ويبعدنا عن هدفنا".
وعزا فريحات السبب الثاني إلى فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة في إسرائيل بسبب أزمات داخلية مرتبطة بقضايا فساد. وأضاف بأن تفجير الأحداث في القدس هو بمثابة طوق نجاة لنتنياهو، الذي لطالما روّج لنفسه على أنه "رجل الأمن" في إسرائيل. لذلك، يستغل نتنياهو مسألة التصعيد ليروّج لنفسه على أنه الشخص القادر على ضبط الأوضاع وتحقيق الأمن، وهذا سيشكّل رصيدًا انتخابيًا له.
أما السبب الثالث، فهو العلاقة مع الإدارة الأمريكية، إذ يرى فريحات بأنه فعلى الرغم من أن نتنياهو يدرك أن الإدارة الأميركية لم تعد تقدم له هدايا سياسية كالتي كان يقدمها الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، وذلك لأنّ منطقة الشرق الأوسط برمّتها لا تشكّل أولوية بالنسبة للرئيس الأميركي، جو بايدن، إلا أن نتنياهو يدرك في الوقت ذاته أنّ بايدن لن يتحدّاه، ولن يشكل عائقًا له، والدليل عدم نقل سفارة إسرائيل إلى تل أبيب، وعدم إعادة المساعدات المالية للفلسطينيين كما كانت. لذلك، يسعى نتنياهو لتثبيت اعتراف ترامب في القدس من خلال الهجمة المسعورة على حي الشيخ جراح.
من جهته تطرق أستاذ التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، عصام نصّار إلى موقع حي الشيخ جراح وأهميته الإستراتيجية والتاريخية بالنسبة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وقال بأن حي الشيخ جراح نشأ خارج أسوار القدس منذ عام 1948 بسبب الاكتظاظ في المدينة القديمة، وهو واقع شمال البلدة القديمة على الطريق الواصل بين القدس ورام الله ونابلس وشمال فلسطين عمومًا، وقد حاولت سلطات الاحتلال السيطرة عليه، نظرًا لموقعه الاستراتيجي المهم. وفي السياق نفسه، أضاف نصار أن للحي مكانة استراتيجية ورمزية مهمة لأنه يعد موقع لعدد من القنصليات الأجنبية والمقر الرسمي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). أما عن الأهمية التاريخية، أشار نصار إلى اليهود العثمانيين استأجروا بعض الأراضي في المنطقة لمدة 99 عامًا في نهاية القرن التاسع عشر، وفي العام 1948 غادرت هذه العائلات اليهودية مواقعها، ثم اتفقت الأونروا مع الحكومة الأردنية في خمسينيات القرن العشرين على نقل العائلات الفلسطينية إلى حي الشيخ جراح، ولكن بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 حكمت المحاكم الإسرائيلية بأن المنازل أملاك يهودية، وقد تزامن ذلك مع عمليات بناء مستوطنات وتهجير قسري وتغيير ديمغرافي للمنطقة.
واتفقت آيات حمدان، الباحثة في المركز العربي ودراسات السياسات مع ما انتهى إليه نصّار بشأن عمليات التهجير القسري المستمرة، ووصفتها بأنها تمثل أصل بنية الاحتلال الإسرائيلي، وأنها عمليات يومية ونهج انتهجته إسرائيل لتحقيق غلبة يهودية وتغيير ديموغرافي في القدس، وأوضحت أنّ مدينة القدس تتاخمها 12 مستوطنة يسكنها 200 ألف مستوطن. وأكدت حمدان أنّ الهدف من التغيير الديموغرافي هو التأثير على الوضع القانوني للفلسطينيين في القدس، إذ يحمل المقدسيون بطاقات الإقامة الدائمة، وإسرائيل تعمل بشكل مستمر على سن قوانين لسحب هذه الإقامات، وتابعت بأن إسرائيل تقوم بعمليات ممنهجة لإفراغ المدينة من سكانها العرب والفلسطينيين وهذه جريمة ضد الإنسانية وضد القوانين الدولية.
وقد علقت دانا الكرد، الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأستاذة الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا على هبّة أهالي القدس، بأنها هبّة عفوية بعيدة عن الأحزاب والفصائل، وقالت بأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التأثير على أهل القدس والحدّ من فاعليتهم في مقاومة إسرائيل. وأضافت منذ عام 2014 إلى الآن نرى أنّ الشعب الفلسطيني في القدس يتحرك بشكل عفوي بدون قيادة سياسية، ويقاوم الاحتلال من خلال أساليب فاعلة، ما منحهم دراية بالطريقة الأمثل لمقاومة المحتل.
وأشار خالد الحروب، أستاذ سياسات الشرق الأوسط والدراسات الإعلامية في جامعة نورث ويسترن في قطر، بأن جيل الشباب الفلسطيني الذي ولد بعد "اتفاقية أوسلو" عام 1993، لم يعاصر الثورة الفلسطينية، ولم ينتمِ لحركتي "فتح" أو "حماس"، نجح في فرض نفسه في المشهد السياسي والوطني الفلسطيني في مقاومة إسرائيل، وذلك رغمًا عن احتكار النخبة السياسية الفلسطينية في رام الله وغزة للمشهد السياسي. وأضاف بأن هذه النخبة التي عزلت الشعب الفلسطيني، ولا سيما الشباب، طوال العشرين عامًا الماضية وأخرجته من معادلة مواجهة الاحتلال، لم تنجح في لجم هذا الجيل عن ابتكار أنماط مبدعة وجديدة من المقاومة. وشدّد الحروب على أنّ المقاومة الشعبية التي حدثت في الأيام الماضية أعادت الروح للشعب، فهذه الروح هي مربط الفرس في القضية الفلسطينية، ومكوّن أساس من الهوية الفلسطينية.
وأكد نواف التميمي، أستاذ الصحافة في معهد الدوحة للدراسات العليا أن للإعلام أهمية رئيسة في أدبيات المشروع الصهيوني، فقد اعتمدت عليه لترويج الرواية الصهيونية وتصويرها إلى العالم. وقال التميمي مرّت نكبة 1948 بدون أن يكون هناك رواية فلسطينية في ذلك الزمان لدرجة أنّ القادة الإسرائيليين أنكروا وجود الشعب الفلسطيني في فلسطين من الأساس. وأشار على الرغم من أنّ الفلسطينيين فيما بعد حاولوا تصدير روايتهم إعلاميًا، إلا أنّ إسرائيل اغتالت الشخصيات الإعلامية مثل غسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وآخرون، وهذا مؤشر على مدى خطورة الحضور الإعلامي للرواية الفلسطينية.
وأضاف، في الوقت الذي تسيطر فيه الرواية الإسرائيلية على المشهد في الإعلام التقليدي في كبرى القنوات والصحف، يبرز الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي لتغيّر من هذا الواقع، ففي أحداث القدس حضرت الرواية الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي بقوة، وكسرت هذه المنصات احتكار وسائل الإعلام التقليدي للمعلومة، وأصبح المتلقي، ولا سيما الأجنبي يتلقى الخبر من مصادر فلسطينية شبابية، فهؤلاء الشباب خرجوا من حالة العزلة، وتفاعلوا مع الرأي العام، وأسمعوا صوت نضالهم إلى كل العالم.
وشدد، سامي هرمز أستاذ علم الأنثروبولوجيا في جامعة نورث ويسترن في قطر، على أهمية المقاطعة العربية لإسرائيل، بوصفها سلوك يساهم في عزل إسرائيل عن محيطها، وأشار أنّه على الرغم من أهمية الإعلام، إلا أنّنا يجب أن نتجاوز "النشاط الهاشتاغي"، وقال التغريدة لوحدها لا تكفي في عصرنا الحالي، والمقاومة الفعلية تكون بالمقاطعة، والضغط من أجل كسر علاقات التطبيع مع إسرائيل.
وفي السياق نفسه، أشارت هيا الشهواني، عضو شباب قطر ضد التطبيع إلى أهمية المقاطعة العربية لإسرائيل، وشددت على ضرورة وقوف الشعوب العربية ضد كل من يسخف فعل المقاطعة كونه سلوك يحتاج إلى نفس طويل. وأضافت بأن أحداث القدس فرصة للتأكيد على أن المقاطعة تساهم في الحفاظ على الوعي بالقضية، وأنها توجه ضربة موجعة لسلطات الاحتلال، فهذا النوع من المقاومة ناجع بالفعل، ولو لم يكن كذلك لما رأينا الاحتلال الإسرائيلي يلاحق حركة BDS ويحاول تصنيفها على أنها حركة لاسامية.
وأشار محمود دودين، أستاذ القانون في جامعة قطر، إلى أنّ المقاومة في القدس تُصنف في القانون الدولي على أنها دفاع عن النفس، ودفاع عن الحق بتقرير المصير، والحق في حماية التراث الإنساني والحضاري الذي يجب على المستعمر الحفاظ عليها. وقال "أهالي الشيخ جراح يملكون منازلهم بصكوك ملكية قانونية بموجب اتفاقية بين الأونروا والأردن، وبعد حرب 1967 آلت الملكية لهم حكمًا، ولذلك لا يجوز للاحتلال السيطرة عليها قانونيًا، فالممارسات الاستيطانية في الشيخ جراح انتهاك فاضح لاتفاقية جنيف 1949 ولاهاي 1907. وأضاف "على الرغم من أنّ الدول العظمى تسعى للحد من فاعلية القانون الدولي، ولكن ما زال بإمكاننا تفعيل خيار اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، وخلق حالة من الضجيج، وتفعيل المواجهة الشعبية لتعود قضية فلسطين أولوية على أجندة السياسات الدولية." وشدّد دودين على ضرورة تجاوز السلطة الفلسطينية لأنها "مكبّلة باتفاقيات مهينة مع الاحتلال."
اختتمت التظاهرة بمجموعة من الرسائل وجهها الحاضرون من الدوحة إلى فلسطين، وجهت الطالبة زين عساف من جامعة نورث ويسترن في قطر رسالة دعم لأهالي القدس وفلسطين، وقالت "ما يحدث الآن ليس بجديد، فالنكبة مستمرة منذ عام 1948، ولا يمكن لأي أحد إنكار ما يحدث، ومسؤوليتنا أن لا يكون تضامننا ردة فعل مؤقتة بل يستمر حتى التحرير". وأضافت نحن مع الفلسطينيين دومًا، وسنسعى بكل جهدنا للمساعدة في إيصال صوتكم للعالم كله.
ووجه علي القواسمي من رابطة شباب لأجل القدس، تحية لأهل القدس، وقال يجب أن نجعل هذه القضية وقود يومي وخبز يومي من خلال عمل مشاريع متنوعة تؤكد على أهمية الحفاظ على زيادة الوعي عن القضية الفلسطينية.
ويُذكر أن مجموعة الروزنا الشبابية هي مجموعة تطوعية مستقلة أسسها مجموعة من الباحثين والناشطين الشباب في مدينة الدوحة عام 2015، وتعمل على إثبات حضورها في المشهد الثقافي الفلسطيني خارج الأرض المحتلة، وتحرص على دعم ارتباط الشباب الفلسطيني والعربي خارج فلسطين بالقضية الفلسطينية.