"الحق" تصدر ورقة موقف حول قرار بقانون تعديل الجمعيات والهيئات الأهلية
قالت مؤسسة الحق إن الرئيس محمود عباس أصدر القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وتعديلاته ونُشِر في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بتاريخ 02/03/2021.
وأشارت المؤسسة أن القرار يأتي في إطار سيل القرارات بقوانين المستمرة، بنهج السرية الكاملة، وبعد صدور المرسوم الرئاسي بتاريخ 15/01/2021 بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني.
وأضافت أنه في ظل التدهور الكبير والمتسارع الحاصل في النظام السياسي الفلسطيني ككل، وبعد الاطلاع على السياق العام للتعديل من الناحية الموضوعية والشكلية تبدي الحق موقفها بما يلي:
أولاً: سياق إصدار التعديلات على قانون الجمعيات
كما ويأتي إصدار القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في ظل "حالة الطوارئ" المستمرة منذ عام كامل والتي بدأت منذ تاريخ 5/3/2020 وما زالت مستمرة في عدوان صارخ على القانون الأساسي (مادة 110) التي تؤكد بوضوح على عدم جواز تمديد حالة الطوارئ لمدة تزيد على (30) يوماً إلا بموفقة أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس التشريعي، وهي الأغلبية اللازمة لتعديل القانون الأساسي (الدستور) ذاته. الهدف الرسمي المعلن لاستمرار الطوارئ هو مواجهة فيروس كورونا ومنع تفشيه، لكن الرئاسة التي تسيطر على مقاليد الأمور على الأرض، ومعها الحكومة، لم تقدم أي خطة للناس في كيفية مواجهة الفيروس وآثاره الكارثية المتفاقمة في مختلف المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية منذ بداية الأزمة ولغاية الآن. علاوة على عدم دستورية حالة الطوارئ فإن هدفها غير مبرر لأنه معالج بالكامل وعلى نحو تفصيلي في القوانين العادية وبخاصة قانون الصحة العامة وقانون حماية المستهلك وقانون الدفاع المدني وقانون العقوبات وقانون مكافحة الفساد وغيره، وجديد تشريعات الطوارئ فرض المزيد من القيود على حرية التعبير والحقوق الرقمية على الانترنت وانتهاك الخصوصية، ويبدو أن الانتخابات ستُجرى أيضاً تحت تشريعات الطوارئ.
يعتبر قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 الذي أقره المجلس التشريعي من القوانين الفلسطينية المتطورة، على غرار قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 الذي أقره المجلس التشريعي وهو الأفضل على مستوى التشريعات العربية، وقد نال قانون الجمعيات ما نال قانون السلطة القضائية من تدمير من خلال القرارات بقوانين، وبذات المنهج، وبعد سلسلة محاولات مستمرة على مدار السنوات الماضية نجحت قبيل الانتخابات في الإطاحة بكليهما.
ترى الحق بأن هذا التعديل يهدم ما تبقى من نظام سياسي فلسطينيي يتعلق بقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ذات التاريخ العريق في فلسطين، في ظل هجمة شرسة تتعرض لها المؤسسات الأهلية من قبل إسرائيل السلطة القائمة باحتلال استعماري سواء على المستوى الرسمي أو من خلال المؤسسات الداعمة لاحتلال طويل الأمد غير مشروع بنى نظام فصل عنصري (أبارتهايد) عميق في الأرض الفلسطينية المحتلة، سواءً في الداخل أو الخارج، وبأشكال مختلفة من تهديدات بالقتل ومحاولات النيل من سُمعة العاملين فيها ومحاولات تهديد وتخويف وإرباك المؤسسات التمويلية الشريكة بهدف وقف التمويل عن المؤسسات الفلسطينية وإعاقة قدراتها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في مواجهة الجرائم الدولية الممنهجة التي ينعقد لها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وجهودها في مسار الآليات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية، لكن تلك المحاولات المتكررة فشلت حتى الآن في النيل من عزيمة وثبات العمل الأهلي الفلسطيني ورسالته الحقوقية النبيلة دفاعاً عن الحق.
ويأتي أيضاً في ظل الظروف بالغة التعقيد التي تعمل فيها المؤسسات الأهلية الفلسطينية في رصد ومتابعة الجرائم والانتهاكات المرتكبة من سلطات الاحتلال، والانتهاكات المتصاعدة على المستوى الفلسطيني، والمتغيرات في منطقة الشرق الأوسط التي أدت لشح التمويل اللازم لانتظام أو استدامة أهداف وبرامج المؤسسات الأهلية في ظل النزاعات المسلحة والضحايا والتحولات الكبرى في الخريطة والأولويات التمويلية. وكذلك، في ظل اشتراطات تمويلية مجحفة تنتهك الدستور الفلسطيني وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية الفلسطيني وقواعد القانون الدولي أدت إلى المزيد من الحصار التمويلي المالي على المؤسسات الفلسطينية الشحيح أساساً. وبالنتيجة النهائية تهديد استدامة العمل الأهلي في فلسطين.
ثانياً: قرار بقانون الجمعيات والإطاحة بالعمل الأهلي
بعد الاطلاع على القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 وتعديلاته، الذي أصدره الرئيس محمود عباس بتاريخ 28/02/2021 بناءً على تنسيب مجلس الوزراء برئاسة د. محمد اشتيه بتاريخ 11/01/2021، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 02/03/2021، يتضح حجم الانتهاكات الصارخة للقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطيني بدون تحفظات ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعايير الدولية ذات الصلة بالحق الأساسي في حرية تكوين الجمعيات، وانتهاك أُسس ومرتكزات الشفافية والانفتاح على المجتمع المدني التي أكدت عليها أجندة السياسات الوطنية (2017 – 2022) ومتطلبات الحكم الصالح، والإصرار على السير على نهج السرية المطلقة في القرارات بقوانين التي أطاحت بالنظام السياسي,
وفيما يلي أبرز ملاحظات الحق على القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات:
1. يأتي هذا القرار بقانون في سياق النهج السائد منذ نشوء السلطة الفلسطينية في التعامل مع المؤسسات الأهلية بنظرة الشك والريبة، وليس من منظور الشريك والرقيب على حالة حقوق الإنسان بهدف تعزيز الحقوق والحريات ومرتكزات الشفافية والحكم الصالح. والانهيار المتسارع الحاصل في النظام السياسي وبخاصة في السنتين الأخيرتين. والتنكر للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين واستحقاقاتها. ويدلل، بذات الوقت، على أن المرسوم الصادر عن الرئيس بتاريخ 20/02/2021 بتعزيز الحريات العامة المستند بدوره لتشريعات الطوارئ حاله كحال الاتفاقيات لا رصيد له على أرض الواقع، ولا يعدو كونه استخفاف بعقول الناس وبالقانون الأساسي وبالحقوق الطبيعية المُصانة بموجب أحكام الدستور.
2. هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 الذي أقره المجلس التشريعي، تمكنت محاولات السلطة التنفيذية خلال السنوات السابقة من إحداث التشويه في القانون وفشلة محاولات أخرى، وصولاً إلى تلك التعديلات الخطيرة التي أطاحت بقانون الجمعيات. فقد سبق وأن أصدر الرئيس محمود عباس القرار الرئاسي رقم (8) لسنة 2007 بالاستناد إلى مرسوم إعلان حالة الطوارئ بتاريخ 14/06/2007 ونص على تكليف وتفويض وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الجمعيات التي تُمارس نشاطات مخلة بالقانون وبشكل فوري، ووردت تلك العبارات على نحو واسع وفضفاض ودون أية معايير أو ضوابط، كما ومنح القرار وزير الداخلية تفويضاً مفتوحاً لوقف تلك الجمعيات والهيئات الأهلية. ورفع تقرير أسبوعي بهذا الخصوص إلى مجلس الوزراء. وقد أدى هذا القرار الرئاسي إلى حل ما يزيد على (100) مؤسسة أهلية ولا تزال مُنحلة ولم يتم إنصاف تلك المؤسسات لغاية الآن. ما يُنذر بحل المزيد من المؤسسات الأهلية.
3. أصدر الرئيس محمود عباس القرار بقانون رقم (6) لسنة 2011 بعديل قانون الجمعيات عدَّل بموجبه نص المادة (39) من القانون بهدف السيطرة على أموال الجمعيات المنقولة وغير المنقولة التي يتم حلها وإحالتها إلى "الخزينة العامة". حيث كان النص الوارد في القانون الأصلي الذي أقره المجلس التشريعي (المادة 39) يؤكد صراحة على أنه إذا حُلّت الجمعية يُعين لها "مُصفّ بأجر" يقوم بجرد أموالها ومحتوياتها ويجري التصرف فيها طبقاً لما هو مذكور في نظامها الأساسي، وإذا لم يذكر النظام الأساسي للجمعية كيفية التصرف بأموالها بعد حلها يتم تحويل أموالها إلى جمعيات ذات غاية مماثلة. التعديل الأخير بالقرار بقانون 2021 زاد من تغول السلطة التنفيذية على الجمعيات حيث أجرى تعديلاً للمرة الثانية على المادة (39) من قانون الجمعيات ونص على أن تقوم الدائرة المختصة في وزارة الداخلية "بنفسها" بإجراءات تصفية الجمعيات وجرد أموالها بعد حلها ورفع تقرير بالتصفية إلى وزير الداخلية لإحالة أموالها المنقولة وغير المنقولة من خلاله (وزير الداخلية) إلى الخزينة العامة. يبدو أن الإصرار على "التنكيل" بهذا النص تحديداً يوحى بنية مبيته لحل أعداد جديدة من المؤسسات الأهلية من خلال وزارة الداخلية وتصفيتها وجرد أموالها من خلال وزارة الداخلية وتحويلها إلى الخزينة العامة. نحن أمام عملية مصادرة لأموال الجمعيات والمؤسسات التمويلية الشريكة وانتهاك صارخ للقانون الأساسي الذي أكد صراحة في المادة (21) فقرة (4) بأنه "لا مصادرة إلا بحكم قضائي" وانتهاك للمعايير الدولية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات.
4. أصدر مجلس الوزراء نظاماً بتاريخ 07/07/2015 بشأن الشركات غير الربحية، التي تُمارس ذات الأهداف والغايات التي تقوم بها الجمعيات بموجب قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، كون الفارق بينهما يكمن في إجراءات التسجيل التي هي وزارة الداخلية بالنسبة للجمعيات ووزارة الاقتصاد الوطني بالنسبة للشركات غير الربحية. نظام مجلس الوزراء سار على ذات "النهج" في التغول على الشركات غير الربحية ومصادرها المالية. وقد نص النظام المذكور على إخضاع مصادر التمويل المالي للشركات غير الربحية للرقابة والموافقة المُسبقة من الحكومة "كشرط للحصول على التمويل" وبيان الغاية من ورائه. وهذا يتقاطع أيضاً مع التعديلات الأخيرة (2021) على قانون الجمعيات كما سنرى. عملياً، تقوم الشركات غير الربحية بتعبئة نموذج لدى وزارة الاقتصاد الوطني للحصول على التمويل ومن ثم يُرفع الطلب من خلال مُسجّل الشركات في الوزارة إلى جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة، وفي حالة موافقة الجهازين الأمنيين معاً على الطلب يتم إحالته إلى مجلس الوزراء لمناقشته والنظر في عملية إقراره. بما يدلل على حجم الانتهاكات الصارخة للدستور والمعايير الدولية.
5. رغم تأكيد السلطة التنفيذية مراراً وتكراراً بأنها لا تسعى إلى تعديل قانون الجمعيات، فقد جرت عدة محاولات للتغول على الجمعيات والسيطرة على أموالها والمؤسسات التمويلية الشريكة في السنوات السابقة، ففي أيار 2015 صدر قرار عن الرئيس محمود عباس بتشكيل لجنة استشارية لشؤون الجمعيات تتبع الرئيس ونص القرار الرئاسي على أن تقوم اللجنة بإعداد "تقرير تفصيلي شامل" عن المؤسسات الأهلية في فلسطين وأية مهام تُكلف بها من قبل الرئيس، ونص القرار على أن تُقدم هذه اللجنة تقارير عن نتائج أعمالها إلى الرئيس فقط، وكأن النتائج سرية ولا تخص المؤسسات الأهلية ذاتها. هذا القرار الرئاسي مخالف لقانون الجمعيات والقانون الأساسي والمعايير الدولية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات.
6. أعدت السلطة التنفيذية أيضاً مشروع قرار بقانون معدل لقانون الجمعيات في العام 2018 سعى إلى الإطاحة بقانون الجمعيات 2000 الذي أقره المجلس التشريعي، والتغول على الجمعيات والتحكم بها وبأنشطتها ومصادرها المالية والمؤسسات التمويلية الشريكة، بذات النهج في السرية، وقد تمكنت المؤسسات الأهلية في ذلك الوقت من رصده، وقد نص هذا المشروع الخطير، من بين أمور أخرى، على وجوب استغلال الأموال غير المنقولة للمؤسسات الأهلية خلال ثلاث سنوات من تاريخ التملك وبغير ذلك يُصار إلى بيعها في المزاد العلني من قبل السلطة التنفيذية، ومنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة للتدخل في شؤون الجمعيات بتحديد ولاية مجالس إدارتها بأربع سنوات ووجوب إشراف وزارة الداخلية على انتخابات مجالس الإدارة وعلى توزيع المناصب أيضاً، ومنح وزارة الداخلية (وزير الداخلية) صلاحيات هائلة تخوله عزل مجالس إدارة المنظمات الأهلية وتعيين لجان مؤقته لإدارتها في حال مخالفة أي حكم من أحكام قانون الجمعيات وتعديلاته أو اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الصادرة عن مجلس الوزراء أو القرارات والتعليمات الصادرة عن السلطة التنفيذية. كما ونصت التعديلات على المزيد من القيود على تلقي الجمعيات للتبرعات والمنح المالية باستبدال عبارة "إشعار وزارة الاختصاص" بقيام المؤسسات الأهلية بجمع التبرعات من الجمهور أو من خلال إقامة الحفلات والأسواق الخيرية أو المباريات الرياضية أي مجرد إعلام وزارة الاختصاص كما ينص القانون الأصلي (مادة 33) بعبارة "موافقة وزارة الاختصاص". وجاء القرار بقانون 2021 بتعديل قانون الجمعيات ليحكم سيطرته على التبرعات والمنح المالية، وبصورة أشد مما ورد في مشروع القرار بقانون 2018، بأن نص على أن "يُصدر مجلس الوزراء نظاماً كاملاً يحدد فيه شروط وأحكام المساعدات غير المشروطة وجمع التبرعات" ما يعني المزيد من التغول القادم على المصادر المالية للجمعيات من خلال "الأنظمة" القادمة.
7. بالرجوع إلى أسانيد إصدار قرار بقانون 2021 بشأن تعديل قانون الجمعيات الواردة في مقدمته يُلاحظ أنه جاء بناءً على تنسيب مجلس الوزراء بتاريخ 11/01/2021 وصدر عن الرئيس بتاريخ 28/02/2021 أي أن هناك مدة زمنية تزيد على شهر ونصف بين إقراره من مجلس الوزراء وتنسيبه وبين إصداره من قبل الرئيس. ولم يصدر أيّ تصريح عن رئيس الوزراء ووزير الداخلية د. اشتية ولا عن الحكومة يشير أو يوحي بوجود هذا القرار بقانون الذي بقي طي السرية التامة لغاية إصداره ونشره في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بتاريخ 02/03/2021. وترى الحق بأن يدلل على وجود نية واضحة ومبيته من قبل السلطة التنفيذية (الرئاسة والحكومة) باستهداف المؤسسات الأهلية والإجهاز على ما تبقى من نظام سياسي في ظل أجواء مرحلة انشغال الناس بالعملية الانتخابية ومجرياتها بعد صدور مرسوم الدعوة لإجراء الانتخابات العامة.
8. ينتهك القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية الأساس الدستوري الذي بُني عليه ألا وهو المادة (43) تلك التي بقيت من القانون الأساسي (الدستور) بعد الإطاحة به، لعدم توفر الشروط الواردة بالمادة (43) اللازمة لصحته من الناحية الدستورية، كما هو الحال في عشرات القرارات بقوانين التي صدرت ونُشرت في الجريدة الرسمية، بسبب انتفاء “الضرورة التي لا تحتمل التأخير" كشرط دستوري لازم لإصداره وبخاصة في ظل وجود قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 الذي أصدره المجلس التشريعي، وصدور هذا القرار بقانون بعد صدور مرسوم الدعوة لانتخابات المجلس التشريعي صاحب الصلاحيات الدستورية في التشريع بتاريخ 22/05/2021. وبالتالي فإن هذا القرار بقانون يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الأساسي وللصلاحيات الدستورية للمجلس التشريعي في التشريع وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعايير الدولية للحق في حرية تكوين الجمعيات، ويتوجب إلغاؤه.
9. نص المادة (2) من القرار بقانون استهدف تعديل المادة (13) من القانون الأصلي الواردة بشأن التقريرين الإداري والمالي المصدّق الذي تقدمه الجمعيات إلى وزارة الاختصاص في موعد لا يتعدى أربعة شهور من نهاية السنة المالية، بأنْ أضاف بنداً جديداً على النص يُلزم الجمعيات بأن تقدم إلى وزارة الاختصاص "خطة عمل سنوية وموازنة تقديرية للسنة المالية الجديدة منسجمة مع خطة الوزارة المختصة". ما يعني أن المؤسسات الأهلية ستعمل حسب خطة وزارة الاختصاص وليس وفقاً لرؤيتها ورسالتها وأهدافها وبرامجها، أي التعامل مع المؤسسات الأهلية وكأنها إدارات حكومية تتبع وزارة الاختصاص وتأتمر بأوامرها، بل وعليها أن تُبرمج عملية التخطيط ورصد الموازنات المالية على خطة وزارة الاختصاص، رغم أن الأخيرة ليس لديها أي خطة منشورة ولم يسبق لها أن ناقشت المؤسسات بأية خطة لديها بهذا الخصوص، كما ولا يوجد سقف زمني في النص لتقديم الخطط والموازنات التقديرية للمؤسسات الأهلية لوزارة الاختصاص خلال السنة المالية الجديدة. ما يعني بالنتيجة أن العملية برمتها ستخضع لأهواء وأمزجة السلطة التنفيذية بما يؤدي لإجهاض استقلالية المؤسسات.
10. لم يكتفِ التعديل الذي استهدف المادة (13) من قانون الجمعيات بذلك، وإنما أوجب أيضاً أن يشتمل التقرير المصدق من قبل مدقق حسابات قانوني الذي ينص عليه القانون الأصلي على "بيانات تفصيلية ومؤشرات حول الأثر الناتج عن مشاريع ونشاطات السنة المالية" أي السنة المالية المنصرمة. وبذلك تُصبح وزارة الاختصاص (السلطة التنفيذية) المرجعية القانونية للحكم نتائج مشاريع وأنشطة المؤسسات الأهلية وأثرها على الأرض ودون أية أسس أو معايير، ما يؤكد سعي السلطة التنفيذية من خلال هذا القرار بقانون للتعامل مع المؤسسات الأهلية على أنها مجرد إدارات حكومية تابعة لها، ويهدم مهنية واستقلالية وحرية النشاط الأهلي ودوره الرقابي على أداء السلطة التنفيذية والسعي للمحاسبة على انتهاكاتها.
11. أضافت المادة (3) من القرار بقانون بنداً جديداً يحمل الرقم (3) على قانون الجمعيات الأصلي وقد نص على أنه "لا يجوز أن تزيد رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية في الجمعية أو الهيئة عن 25% من إجمالي الميزانية السنوية". ما يعني أن السلطة التنفيذية باتت تتحكم بالموازنات المالية للمؤسسات الأهلية وبنودها وكيفية توزيعها وسقوفها ومقدار رواتب الموظفين في المؤسسات الأهلية من إجمالي الموازنة ومقدار المصاريف التشغيلية بل ودون أية أسس أو معايير لهذا التغول الفج على الموازنات المالية للمؤسسات والنسب المئوية المطروحة وبمعزل عن طبيعة الأنشطة ومَن ينفذها في المؤسسات بل ودون التشاور معها، وكأن المؤسسات لا علاقة لها ولا علاقة للشركاء الممولين بموازنات المؤسسات الأهلية. مع الأخذ بالاعتبار أن المؤسسات الأهلية التي تستثمر في موظفيها منذ سنوات لتنفيذ أنشطتها ومشاريعها ستتعثر حتماً. وترى الحق بأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى جعل العمل الأهلي أشبه بالمقاولات والمشاريع التجارية وإلى تفريغه من جوهره الحقوقي والوطني.
12. ينبغي قراءة هذا التغول الواسع للسلطة التنفيذية على خطط وأنشطة وأثر وموازنات المؤسسات الأهلية وتوزيعها التي جاء بها القرار بقانون، الذي ينتهك الدستور والمعايير الدولية، في ضوء ما تكشف عنه نصوص القرار بقانون من سعي واضح للسلطة التنفيذية للاستقواء على المؤسسات الأهلية وحلها وتولي وزارة الداخلية نفسها إجراءات تصفية المؤسسات بعد حلها وجرد أموالها المنقولة وغير المنقولة ومحتوياتها وإحالتها إلى "الخزينة العامة" في عمليات مصادرة غير دستورية.
13. ينبغي قراءة التغول الواسع للسلطة التنفيذية على المؤسسات الأهلية في ضوء الانهيار الواسع في السلطة القضائية، وسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء؛ وبخاصة بعد القرارات بقوانين الأخيرة التي أطاحت بالقضاء وخلقت أجواء بوليسية وحالة من الرعب في نفوس القضاة بفعل أشكال العزل المتعددة للقضاة الواردة فيها وإحالة العشرات من القضاة للعزل، ما يعني أن دور القضاء في حماية الحق المكفول في الدستور والمعايير الدولية في حرية الجمعيات هو بعيد المنال.
14. تنص المادة (4) من القرار بقانون التي استهدفت تعديل المادة (33) من قانون الجمعيات الأصلي الذي أقره المجلس التشريعي على أنه "يحق للجمعية أو الهيئة، جمع التبرعات من الجمهور أو من خلال إقامة الحفلات أو الأسواق الخيرية أو المباريات الرياضية أو أي من وسائل جمع الأموال الأخرى للأغراض الاجتماعية التي أنشئت من أجلها، وفقاً لنظام يصدر عن مجلس الوزراء يحدد فيه شروط وأحكام المساعدات غير المشروطة وجمع التبرعات". وتؤكد الحق بأن هذا النص يندرج في سياق المغزى من هذا القرار بقانون (قديم حديث) المتمثل في التحكم والسيطرة على أموال المؤسسات الأهلية إلى جانب خططها ومشاريعها والتعامل معها كما لو أنها إدارات حكومية تتبع السلطة التنفيذية وتأتمر بأوامرها وتُنفذ تعليماتها.
15. تنص المادة (5) من القرار بقانون التي عدّلت المادة (39) من القانون الأصلي على إجراءات حل المؤسسات الأهلية وقيام وزارة الداخلية بتولي إجراءات التصفية وجرد الأموال المنقولة وغير المنقولة ورفع تقرير بشأنها إلى وزير الداخلية الذي يقوم بإحالة أموال المؤسسات المنقولة وغير المنقولة إلى الخزينة العامة، باستثناء معاشات ومكافآت وحقوق الموظفين. وقد سبق القول إنَّ هذا النص يٌنذر بحل العديد من المؤسسات الأهلية وإحالة أموالها "للخزينة العامة" وبالتالي حرمان العديد من المدافعين/ات عن حقوق الإنسان من عملهم في المؤسسات الأهلية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا.
16. أضافت المادة (6) من القرار بقانون التي عدّلت المادة (40) من قانون الجمعيات بنداً جديداً يحمل الرقم (2) نص على أن "يُصدر مجلس الوزراء نظاماً يحدد فيه الرسوم التي يجب أن تدفعها الجمعية أو الهيئة الأهلية عن أي طلبات جديدة تقدمها للوزارة (وزارة الداخلية)، إذا لم تكن مشمولة بالرسوم المبينة في القانون". هذا التعديل مخالف أيضاً للقانون الأساسي (الدستور) وتحديداً المادة (88) التي تنص على أن "فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاؤها، لا يكون إلاّ بقانون ...". وبالتالي فإنه لا يجوز دستورياً جباية رسوم من المؤسسات الأهلية من خلال نظام يصدر عن مجلس الوزراء.
17. بالمجمل تؤكد الحق على أن القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (مادة 20) والعهد الدولي الخاص بالقوق المدنية والسياسية (مادة 22) التي أكدت على الحق الأساسي في حرية تكوين الجمعيات واستقلالية أنشطتها ومصادرها المالية، والعديد من القرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومن بينها القرار رقم (22/6) بتاريخ 21/03/2013 الذي دعا فيه الدول بأن لا تعرقل الاستقلال الوظيفي للجمعيات وألا تفرض على نحو تمييزي قيوداً على المصادر المحتملة للتمويل. وتناول المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات مسألة التمويل المالي للجمعيات، التي اعتبرها من أهم القضايا التي تدخل في إطار ولايته، وذلك في تقريره المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 13/04/2013 وشدد في تقريره على أن "التشريعات التي تعمل على تقييد التمويل المالي للجمعيات تنتهك المعايير والمقاييس الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بحرية تكوين الجمعيات". ويرى المقرر الخاص أنه " من المفارقات أن البعض من الدول التي تَصِمُ الجمعيات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً، هي بحد ذاتها تتلقى تمويلاً أجنبياً على شكل قروض ومساعدات مالية وبمبالغ أكبر بكثير من المبالغ التي تتلقاها منظمات المجتمع المدني في بلدانها". ويوصي المقرر الخاص "بإنشاء بيئة تُمكّن، قانوناً وممارسة، من التمتع بالحق الكامل في حرية تكوين الجمعيات، والحفاظ على هذه البيئة، ومساءلة المتورطين بانتهاك هذا الحق مساءلة كاملة".
ثالثاً: حرية تكوين الجمعيات وممارسة العمل الأهلي
الحق في حرية تكوين الجمعيات والنشاط الأهلي على الأرض الفلسطينية المحتلة، حقٌ أساسيٌ من حقوق الإنسان مكفول في القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) وقانون الجمعيات الذي أقره المجلس التشريعي والمعايير الدولية، وبناء على ما تقدم فإن الحق تؤكد على ما يلي:
أولاً: إلغاء القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لما يشكله من عدوان صارخ على القانون الأساسي وقانون الجمعيات والاتفاقيات والمعايير الدولية التي كفلت الحق في حرية تكوين الجمعيات.
ثانياً: إلغاء القرارات بقانون رقم (39) و (40) و (41) التي أطاحت بالسلطة القضائية وتشكيل مجلس قضاء موحَّد طبقاً للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية الذي أقره المجلس التشريعي عام 2002 حماية للحقوق والحريات الدستورية.
ثالثاً: إلغاء قرارات تشكيل المحكمة الدستورية لمخالفة تشكيلها واليمين القانونية لأعضائها أحكام القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية، وتولي المحكمة العليا مهامها مؤقتاً طبقاً لأحكام القانون الأساسي (مادة 104) إلى حين إعادة تشكيلها بما يكفل معايير الاستقلالية والحياد والكفاءة والمهنية والقدرة على حراسة الدستور وحماية الحقوق والحريات الدستورية.
رابعاً: وقف حالة الطوارئ المستمرة منذ عام كامل لما تشكله من اعتداء صارخ على القانون الأساسي والحقوق والحريات الدستورية، واحترام الصلاحيات الدستورية للمجلس التشريعي وبخاصة بعد صدور مرسوم الدعوة للانتخابات العامة.
خامساً: العمل الحقوقي المشترك على إرسال نداءات عاجلة مشتركة للمقررين الخاصين في الأمم المتحدة وبخاصة المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين وغيرهم كون الانهيار والانتهاكات الخطيرة المستمرة في السلطة القضائية والعمل الأهلي في فلسطين تدخل في إطار ولايتهم.
سادساً: إرسال رسائل عاجلة لكافة الشركاء الممولين بالمستجدات الخطيرة التي تمثلت بإصدار ونشر القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، والدعوة لعقد اجتماع قريب معهم لبحثها كونهم شركاء في الأنشطة والتمويل.