في زمن الكورونا:
وسائل الاعلام المستقلة مهددة بالانهيار...القطاع الخاص أدار ظهره لها والحكومة تتحمل المسؤولية
راية - نقلا عن وطن- وفاء عاروري: قال المدير التنفيذي لشبكة أجيال الإذاعية، وليد نصار، إن الرسالة الصحفية الفلسطينية اليوم باتت في خطر، في ظل جائحة كورونا وما خلفته من آثار وأبعاد اقتصادية على فلسطين، فالكثير من وسائل الاعلام تفكر بالإغلاق أو تسريح موظفين أو إنهاء الرسالة وتغيير العمل، نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بها.
جاء ذلك خلال حلقة خاصة من برنامج شد حيلك يا وطن الذي تنتجه وتبثه شبكة وطن الإعلامية، وتقدمه ريم العمري، حيث سلطت وطن الضوء خلالها على وسائل الاعلام المستقلة المهددة بالانهيار في زمن كورونا، نتيجة وقف الكثير من شركات القطاع الخاص إعلاناتها لديها، والتحديات التي تواجه وسائل الاعلام المستقل إثر ذلك.
وأوضح نصار أن وسائل الاعلام عملت في ظل جائحة كورونا بشكل مضاعف، فالجهاز الإعلامي إلى جانب الجهاز الأمني والصحي لم يتوقف عن العمل بالمطلق، بل على العكس زاد عمله نتيجة حاجة الجمهور إلى معرفة مجريات الاحداث.
وقال نصار: "كورونا كانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير، فنحن في أزمة مالية بدأت قبل كورونا، وفي كل أزمة أو حدث طارئ يمر علينا، تلجأ الشركات فورا إلى سحب إعلاناتها لدينا، مشيرا إلى أن المال بالنسبة للمؤسسات الإعلامية ليس غاية وإنما وسيلة للبقاء والاستمرار، فهي ليست مؤسسات ربحية.
وأضاف: نقول للشركات أيضا أن المؤسسات الإعلامية ليست حصّالة تلجأ لاستخدامها عندما تمر في أي أزمة! فمن المفترض أن يكون لديك ثقافة وطنية بالمحافظة على الوسائل الإعلامية الخاصة والمحافظة على مشهد التعددية الإعلامية الفلسطينية، التي تبدأ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى جانب الاعلام الخاص والاعلام الرسمي، مشيرا إلى أن هذه هوية فلسطينية إعلامية يجب الحفاظ عليها.
وتابع: على شركاتنا أن تنظر إلى الدول الأخرى كيف ضاعفت من إعلاناتها في ظل جائحة كورونا بإدراكها أنّ الجمهور في البيت يتابع الأخبار، فمن المفترض انتهاز هذه الفرصة للتواصل مع الجمهور وفي نفس الوقت دعم وسائل الإعلام والمحافظة على التعددية الإعلامية.
وأكد نصار أن هذه الازمة أثّرت على وسائل الإعلام وأضرت بها، كما أضرت بباقي القطاعات، ولكن المشكلة أن وسائل الإعلام لم تكن في البيت وانما كانت مستمرة في العمل، بل بالعكس فقد تضاعف عملها في ظل الجائحة لأن المواطنين بحاجة إلى المعلومة.
من جهتها بينت هبة وزني، مدير عام شبكة راية الإعلامية، أن هذه المشكلة تعاني منها كل المؤسسات الإعلامية الخاصة، فالكل اليوم أصبح في دائرة الخطر، مؤكدة أن راية خسرت نحو 55% من إيراداتها حتى الآن نتيجة الجائحة.
وقالت: عادة ما تجدد الشركات عقودها معنا في آذار من كل عام، ولسوء حظنا فقد جاء التجديد هذا العام مرافقا لكابوس كورونا، ما دعا الكثير من شركات القطاع الخاص إلى وقف إعلاناتها وعدم تجديد العقود.
وأضافت: لجأنا إلى الاقتراض من البنوك من أجل دفع نصف رواتب الأشهر الماضية ونحن اليوم مدينون للموظفين بأنصاف رواتب لا نعرف كيف سنقوم بتسديدها في ظل وقف الكثير من الشركات الكبيرة والبنوك لإعلاناتها.
وأكدت أن هذا الإجراء يهدد استمرارية راية، رغم كل الجهد التي بذلتها لنقل الحقائق والمعلومات إلى الجمهور في ظل الأزمة، مشيرة إلى أن كادرها استمر بالعمل بشكل كامل سواء من الميدان أو البيت، حتى أن بعض الموظفين كان يصطحب أطفاله معه إلى المكتب خلال الأزمة، ولم يتوقف عن العمل.
وقالت: في وطننا، الاستثمار في الإعلام هو أسوأ أنواع الاستثمار، ولكن نحن لدينا رسالة نريد أن نؤديها، وهناك بيوت مفتوحة من عملنا، ونشغل موظفين، فراية حلم جميلة لكن اليوم مهدد بالإغلاق والانهيار.
وأكدت وزني أن الأزمة المالية باتت تهدد وسائل الإعلام المستقل، ولذلك من الضروري أيضا أن تلتف كل وسائل الإعلام حول بعضها البعض وان تقف إلى جانب بعضها البعض وتطلق المبادرات كي تستطيع الصمود، مقدمةً الشكر لـوطن على هذه المبادرة وغيرها من المبادرات التي تهدف إلى إيجاد حلول للأزمة.
وقالت: نأمل أن تثمر هذه المبادرات عن حلول خلاقة مع القطاع الخاص وتؤخذ التوصيات التي قدمت للنقابة على محمل الجد، كي تنجو وسائل الإعلام الخاصة من الانهيار.
وحول لجوء بعض وسائل الإعلام إلى تسريح موظفين نتيجة الأزمة، أكدت وزني أن راية لن تلجأ لهذا الخيار بالمطلق، ولن تستغني عن موظفين يعملون لديها منذ سنوات، وكادر مدرّب بذلت جهودا كي يصبحوا قادرين على العمل الجيد ضمن طاقمها.
وطالبت وزني الحكومة بتحمل جزء من المسؤولية تجاه قطاع الإعلام، مطالبة بتقليص الضرائب التي تدفعها وسائل الإعلام الخاصة على انتاجاتها الإعلامية منذ سنوات طويلة، أو إلغائها لفترة زمنية كافية لتستطيع وسائل الاعلام الوقوف على قدميها مرة أخرى.
وقالت: المعلنون في فلسطين يدفعون حوالي 250 مليون دولار للإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك وغيره، واليوم الإعلام المحلي أولى بهذه الأموال من شركات أجنبية تعاقب المحتوى الفلسطيني.
من جهته طالب رائد عثمان مدير عام شبكة معاً الإخبارية، عبر وطن، الحكومة بأن يكون هناك تعويضا من طرفها لوسائل الإعلام التي تضررت هي الأخرى من الجائحة، وقال: على الأقل بقيمة الضرائب التي دفعناها على مدار سنوات عن موظفينا أو إعلاناتنا.
وأضاف: نحن ندفع ضريبة للدولة منذ اليوم الأول الذي بدأنا العمل فيه حتى يومنا هذا، ندفع ضريبة دخل كموظفين، والمؤسسة تدفع ضريبة دخل ومبيعات أيضا، بالتالي نحن أحق الناس بأن يكون لنا بند واضح وصريح لاسترجاع جزء من هذه الضرائب، كي نستطيع الاستمرار بعملنا.
من ناحية أخرى أكد عثمان أن الكثير من الشركات أوقفت إعلاناتها لدى "معاً" وما زالت تطالبها بنشر إخبارها، في حين توجهوا لمواقع التواصل لعرض الإعلانات عليها بشكل مدفوع، كي يصلوا إلى أكبر عدد من الجمهور.
وقال: القطاع الخاص تبرع لصندوق وقفة عز على حساب ميزانية الاعلام، ونحن توجهنا لعدد من الشركات وقالوا لنا أنهم دفعوا أموالهم لصندوق وقفة عز، لذلك لا يريدون المساهمة ونشر إعلانات لدينا.
وأضاف: القطاع الخاص خان الثقة بينه وبين الإعلام وتوجه لوقف الإعلانات بدل أن يعززها، وفاءً منه لوسائل الإعلام التي ضاعفت من جهودها في ظل الأزمة.
وأكد عثمان انه حتى الشركات التي لم تتضرر، وزادت مبيعاتها في ظل الجائحة أوقفت إعلاناتها، خاصة شركات الأغذية، لأنها صرفت كل ما أنتجه خلال الفترة الماضية، لافتا إلى أن الموضوع في غاية الخطورة ويهدد استمرارية وسائل الإعلام.
وقال: نحن طالبنا كوادرنا بمضاعفة العمل في ظل الجائحة، والأصل أن نقدم لهم مكافئات وليس أن نسرّحهم من وظائفهم أو لا نتمكن من دفع الرواتب لهم، ولكن تخاذل القطاع الخاص ووقف إعلاناته أوصلنا لمرحلة صعبة جدا، فكل القطاع الإعلامي اليوم مدين وضعه المالي سيىء للغاية وعليه التزامات للموظفين وغيرهم.
ولفت عثمان إلى أن المؤسسات الإعلامية أول من قاطعت المنتجات الإسرائيلية ورفضت عمل إعلانات لها، رغم أن الكثير من الشركات الكبرى الاسرائيلية حاولت اختراق هذا المجال والإعلان لديها بمبالغ ضخمة، ولكن المؤسسات الإعلامية رفضت ذلك قطعيا.
وأكد عثمان أن هناك مؤسسات إعلامية ستنهار وجزء منها ستغلق أبوابها، لصالح فيسبوك وغيرها من مواقع التوصل الاجتماعي التي توجهت الشركات الفلسطينية للإعلان لديها، متناسين القيود الكبيرة التي تفرضها هذه الشركات على المحتوى الفلسطيني، ومتناسين الوضع السياسي السيىء المقدمين عليه، مذكرا أن تقييد فيسبوك للمحتوى الذي ينشره الفلسطينيون دون وجود منابر إعلامية مضادة، سيساهم في غياب حقيقة ما يجري في فلسطين عن العالم، وانتشار الرواية الإسرائيلية بشكل واسع.
من جهته أشار وليد نصار إلى أن الاعلام الفلسطيني مر بأزمات كثيرة ونجا منها، منها أزمة حرب غزة عام 2008 وعام 2014، وأزمة المقاصة التي جاءت مع استلام حكومة اشتيه مهامها، واليوم أزمة كورونا التي باتت تهدد مستقبل وسائل الإعلام الخاصة في فلسطين.
ووجه نصار رسالة عبر وطن لكل المعلنين بألا يسمحوا للشركات الأجنبية كفيسبوك وغيرها بأن تسرق فضاء الانترنت الفلسطيني دون دفع أي مقابل، وبأن تقضي على مستقبل الإعلام الخاص المستقل.
وقال: نحن بصدد إطلاق حملة كبيرة مؤسساتية جماهيرية شعبية فلسطينية من وسائل الإعلام، وحشد كل خبراء القانون والاقتصاد وهندسة الآي تي، كي تجبر هذه المواقع على دفع الضرائب للحكومة الفلسطينية، مشيرا إلى العدد الكبير من شركات الإعلانات والمطابع التي أغلقت وحلت مكانها مواقع التواصل.
وأضاف: هذا الموضوع لن يمر، فهذه أموال الشعب الفلسطيني، وليس من العدل أن يسرقها مارك وغيره، ويجب أن تتحمل هذه الشركات المسؤولية القانونية عن ذلك.
وحول تقديم منح من الحكومة لوسائل الإعلام، على شكل إعفاءات او استردادات ضريبية قال نصار: يجب الاهتمام بأبعاد هذه القضية وأن يكون هذا الأمر بوعي كبير من وسائل الإعلام وألّا يكون منة من الحكومة، كي نحافظ على استقلاليتنا ورسالتنا التي نشأنا من أجلها.
وقال: نعم نحن ندفع ضرائب كبيرة للحكومة، عن الدخل والمبيعات، إلى جانب رسوم كبيرة تدفعها الإذاعات تحديدا عن الطيف الترددي، متسائلا: لماذا لا يتم اعفاؤنا منها إلى حين الانتهاء تماما من آثار هذه الأزمة؟
وأضاف: نحن في وسائل الاعلام الخاصة لدينا كوادر تكافح في الميدان، وليست بحاجة لأكثر من الصنارة كي تتمكن من صيد السمك، مشيرا أنه لا يجب أن يسقط الإعلام من المشهد وأن يتم تناسي ما قدمه للاقتصاد الفلسطيني على مر السنوات.
يشار إلى أن المركز الفلسيطيني للتنمية والحريات الاعلامية "مدى" أصدر تقريرا قبل أيام بعنوان: " هل ستنجو الصحافة الفلسطينية من كورونا" والذي يعرض فيه أبرز الآثار الاقتصادية والمادية والمهنية التي باتت تواجهها وسائل الاعلام، بعد الجائحة، وفرصها في النجاة والاستمرار في العمل والقيام بادوارها، ومصير مئات الاعلاميين والاعلاميات، وتداعيات وآثار كل ذلك على المهنة ودور الصحافة.