فنون الرقص في فلسطين تشكو قلة المسارح المؤهلة
يعد الرقص من أرقى أنواع الفن، والذي يختلف باختلاف ثقافات العالم وعاداته وتقاليده فهو أحد وسائل التعبير عن النّفس، وذلك من خلال حركاتٍ جسديةٍ متناغمةٍ مع موسيقى معينة تهدف لتتعبير عن قضايا مختلفة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية.
في فلسطين، يوجد العديد من فرق الرقص، بعضها متخصصة في الدبكة الشعبية الفلسطينية، وقليل منها متخصص في أنواع رقص عالمية. لكن الرقص في فلسطين يعاني من العديد من الضغوطات من نواح مختلفة أهمها النقص الكبير في المسارح المخصصة للعروض الفنية الراقصة وتقصير المؤسسات المحلية في تقديم الدعم الكافي لهذه العروض.
في مقابلة مع المدرب والراقص الفلسطيني حنا طمس والمتخصص في ادارة المسارح والتصميم، أكد أن المسارح الفلسطينية تعاني من العديد من النقوصات سواء من ناحية تقنية أو من ناحية فكرية، فالراقص في فلسطين يحصر في قاعة التمرين فقط لأنه يعيش في مجتمع ينظر الى الرقص على أنه موهبة وليس وظيفة فنية يستطيع من خلالها أن يكسب عيشه. والمشكلة الأساسية تكمن في التكاليف الباهظة التي يحتاجها الراقص أو فرقة الرقص لانشاء هذا العرض، والتي تكمن في استئجار المسرح من أجل التدرب فيه قبل العرض، لأنه لا يجوز أن يتم القيام بالعرض دون اجراء أكثر من بروفا واحدة. اضافة الى ذلك، هناك نقص كبير في عدد المسارح الموجودة في فلسطين، فعلى على سبيل المثال، يوجد في القدس مسرحين فقط، المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي، ومسرح مركز يابوس الثقافي، والاثنين يعانيان من مشاكل كصغر مساحة المنصة اضافة الى صغر الكواليس والذي يصعب الأمر على الراقصين أثناء العرض.
وفي السياق ذاته، قال مسؤول تنسيق القاعات في مسرح يابوس في مدينة القدس نديم مازن، أن المسرح مؤهل لأنواع رقص معينة قد لا تحتاج الى مساحة كبيرة ومتطلبات تقنية متطورة كرقص الدبكة، أما بالنسبة للرقص المعاصر ورقص الباليه فيحتاج الى مساجة واسعة وهي غير متاحة في مسرح يابوس، اضافة الى متطلبات اخرى كشاشات العرض خلف الراقصين وهي ضرورية في بعض العروض.
وفي سياق أخر، أكدت الراقصة الفلسطينية منى أبو سير، التي تدربت الرقص المعاصر في مصر بعدما تركت فرقة أوف الاستعراضية للدبكة الشعبية بحكم اكمال دراستها خارج البلاد، أن المشكلة لا تكمن في المسارح فقط، انما في قلة المؤسسات التي تدعم الرقص في فلسطين عامة وفي القدس خاصة. فهناك قمع من قبل الاحتلال للمؤسسات التي تحاول أن تقدم دعم للفرق التي تعرض الدبكة الشعبية الفلسطينية، فنجد أن الفرقة تتدرب لسنة أو سنتين ثم تضطر للانتهاء من ذلك بسبب الضغوطات المادية وقلة الدعم الكافي لها. وبالطبع، الأمر ذاته ينطبق على فرق الرقص المعاصر، فالمسارح والمؤسسات ترفض أن تقدم الدعم لهذه الفرق بسبب الخوف من الجمهور ومن قلة توافده، ففي مجتمعنا هناك رفض كبير لأنواع الرقص الجديدة والمعاصرة بسبب حركات الرقص أو حتى الملابس المخصصة لذلك.
الجمهور المشاهد له وجهة نظر أيضا، فالراقص السابق في فرقة الفنون الشعبية وناقد الرقص في المسارح داوود عودة أكد أنه لا يوجد أي مسرح فلسطيني واحد مؤهل للعروض القنية الراقصة. فعروض الدبكة الشعبية بشكل خاص لها جمهور كبير، فهي جزء أساسي من التراث الفلسطيني، لكن المسارح المحلية لا تستوعب هذا العدد الهائل من الجمهور، وبالتالي سيضطر الراقصون لأن يقوموا بالعرض لأكثر من مرة في أكثر من مسرح وفي أكثر من مدينة، حتى يتسنى لجميع الراغبين في مشاهدته القيام بذلك.
ومن جانب أخر، أكد أن على المؤسسات الفلسطينية أن تتحمل جزء من هذه المسؤولية الاجتماعية تجاه الفرق، لأن عدم وجود تمويل ومساحات مناسبة للتدريب وللعروض سوف يمنع الفرق من الترويج لانتاجاتها وأفكارها. وأشار الى واجب الفرق بالتأقلم مع ما هو متاح من مسارح في البلاد، فيجب أن يتم مراعاة اهتمامات الناس جميعا، لأنه ليست كل الجماهير مهتمة في الرقص، فهناك من يهتم في لسينما أو السيرك أو الغناء أو غيرها.
اختلفت الأراء ووجهات النظر حول مدى تناسب المسارح المحلية مع احتياجات الراقصين، لكن ما أكد عليه الجميع أن المسارح المحلية بحاجة الى تطوير كبير لتصبح مؤهلة للرقص، ووجودها سيساعد عى ترسيخ الرقص كفن تعبيري يؤدي الى النهوض بالثقافة ورفع مستوى التفكير لدى شعبنا الفلسطيني.
مايا أبو هاني