الرئيس: لنْ ننتظرَ إلى الأبد فلا شيءَ أغلى منْ فلسطين
قال الرئيس محمود عباس، إن صُنَّاعُ نكبتنِا أرداوا أنْ تكونَ فلسطينُ أرضا بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرض، وراهنوا أنَّ اسمَ فلسطينَ سيُمحى منْ سجلاتِ التاريخ، ومارسوا منْ أجلِ ذلكَ أبشعَ المؤامراتِ والضغوطِ والمجازرِ والمشاريعِ التصفوية، التي كان آخرُها ما يسمى "صفقة القرن"، لكنَّ كلَ ذلكَ تَكسَّرَ بفضلِ اللهِ على صخرةِ هذا الشعبِ الفلسطينيِ العظيم، الذي تَجذَّرَ في أرضهِ.
وأضاف الرئيس عباس، في كلمته مساء اليوم الأربعاء، لمناسبة الذكرى الـ72 للنكبة، "أننا رغمِ كلِ العقبات، ورغمِ كلِ السياساتِ والإجراءاتِ والانتهاكاتِ الاحتلاليةِ العدوانية، نسيرُ بخطىً واثقة، نحو استعادةِ حقوقِنا كاملة، وإزالةِ هذا الاحتلالِ البغيضِ عنْ أرضِنا المباركة.
وأكد أن "مسيرتُنا المباركةُ هذِه لن تتوقف حتى نرفعَ راياتِ فلسطينَ فوقَ المسجدِ الأقصى المباركِ وكنيسةِ القيامةِ في القدسِ عاصمتِنا الأبدية".
وتابع الرئيس: "لقدْ مدَدَنْا أيديَنا لسلامٍ عادلٍ وشاملٍ على أساسِ قراراتِ الشرعيةِ الدولية، ولا يزالُ يحدونا الأملُ بتحقيقِ ذلك، لكننا لنْ ننتظرَ إلى الأبد، فلا شيءَ أغلى عندنا منْ فلسطين، ولا شيءَ أكرمُ عندنا منْ شعبِنا وحقوقِه الوطنية".
وأكد "أننا سنعيدُ النظرَ في موقفِنا منْ كلِ الاتفاقاتِ والتفاهمات، سواءً معَ دولةِ الاحتلالِ الإسرائيلي، أو معَ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ نفسِها، وسنكونُ في حِلٍّ منْ كلِ تلكِ الاتفاقاتِ والتفاهماتِ إذا أعلنتْ الحكومةُ الإسرائيليةُ عنْ ضمِ أيِ جزءِ منْ أراضينا المحتلة، وسُنُحمّلُ الحكومتينِ الأميركيةَ والإسرائيليةَ كلَّ ما يترتبُ على ذلكِ منْ آثارٍ أو تداعياتٍ خطيرة".
وقال الرئيس إن "الإنسانُ الفلسطينيُ هو أغلى ما نملك، ولذلكَ نعملُ بكلِ طاقاتِنا وإمكاناتِنا، حتى ولو كانتْ قليلةً ومتواضعة، منْ أجلِ حمايته، ولعلَّ ما قُمنا بهِ خلالَ هذه الأزمةِ الكونيةِ التي يواجهُها العالمُ أجمعُ جراءَ تفشي فيروس كورونا، هو مثالٌ واضحٌ على أنَّ دولةَ فلسطينَ تضعُ الإنسانَ وحياتَه فوقَ كلِ اعتبار، حيثُ كنا السباقينَ في ذلك".
وفيما يلي كلمة رئيس دولة فلسطين محمود عباس بمناسبة ذكرى النكبة الـ"72":
بـسم الله الرحمن الرحيم
"يُريدونَ أنْ يطفئوا نورَ اللهِ بأفواهِهِمْ ويأبى اللهُ إلا أنْ يُتِمَّ نُورَه ولو كَرِهَ الكافرون"
صدق الله العظيم
يا أبناَء شعبِنا الفلسطينيِ العظيم
أيها المرابطونَ في بيتِ المقدس وأكنافِ بيتِ المقدس
أيها الفلسطينيونَ في كلِ مكان
أتحدثُ إليكُم اليومَ في الذكرى الثانيةِ والسبعينَ للنكبةِ التي حَلَّتْ بشعبِنا في العامِ 1948، وأبدأُ حديثي بالتحيةِ والتقديرِ لكم؛ لكلِ واحدٍ وواحدةٍ منكم؛ في القدسِ عاصمتِنا الأبدية، وفي كلِ شبرٍ منْ أرضِ وطنِنا المبارك، كما في مخيماتِ اللجوءِ الرابضةِ أمامَ حدودِ هذا الوطنِ التليد، وفي كلِ مكانٍ منْ هذهِ المعمورة، وأنتمْ تكتبونَ على مدى ما يزيدُ عنْ سبعةِ عقودٍ خَلَت، ملحمةَ كفاحٍ وطنيٍ عَزَّ نَظيُرها، أَثْبتُّمْ مِنْ خلالِها جَدارتَكمْ بذلكَ الوصفِ البَهيّ الذي وصفكمْ بهِ نبينُا المصطفى صلى الله عليه وسلـم إذْ قال: "لا تزالُ طائفةٌ منْ أُمتي على الحقِ ظاهرينَ ولعدوهمْ قاهرين، لا يَضرُّهمْ مَنْ خَذَلَهم"، وحينَ سُئلَ عنْ وطنهمْ أجاب: "في بيتِ المقدسِ وفي أكنافِ بيتِ المقدس".
فهنيئًا لكمْ أيها الأبطالُ ما أنتمْ فيهِ منْ شرف الرباطِ والجهاد، انتظارًا ليومِ النصرِ الموعودِ حينَ يأذنُ اللهُ بوعدِ الآخرة، الذي سندخلُ فيه مسجدَنا الأقصى المباركَ كما دخلَه أسلافُنا الأماجدُ أولَ مرة.
لقدْ مضتْ اثنتانِ وسبعونَ سنةً منذُ أنْ تداعتْ علينا قوى الشرِ والبغيِ والعدوان، لتصنعَ نكبةَ شعبِنا، وتقتلعَ ما يقاربُ مليون إنسانٍ منْ أبناءِ شعبِنا منْ مدنهمْ وقراهم، وهو ما يزيدُ عنْ نصفِ الشعبِ الفلسطينيِ في ذلكَ الوقت، وتجعل منهمْ لاجئينَ في مخيماتِ اللجوء، إنْ في داخلِ الوطنِ تحتَ الاحتلالِ الإسرائيلي، أو في منافي اللجوءِ والشتاتِ البعيدةِ والقريبة.
لكنْ برغمِ كلِ هذه السنينِ العجاف، وبرغمِ كلِ ما تعرَّضَ له شعبُنا من مآسٍ ومؤامرات، بدءًا بخطيئةِ وعدِ بلفورِ المشؤومِ التي مهدتْ للنكبة، ومرورًا بمجازرِ ديرْ ياسين وقِبية والطنطورة وبلدِ الشيخ وكفرِ قاسم وخانيونس وصبرا وشاتيلا ومذبحةِ المسجدِ الإبراهيمي ومذبحةِ المسجدِ الأقصى ومخيمِ جنين، وأخيرًا مؤامرةِ صفقةِ القرنِ ومخططاتِ الضمِ الإسرائيلية، إلا أنْ شعبَنا العظيمَ لمْ ينكسرْ ولمْ يستسلم، بل صَمَدَ وصبَرَ وصابرَ وَلَملَمَ جراحَه، ثمَّ فَجَّرَ ثورتَه المجيدةَ في العام 1965، وقاومَ الاحتلالَ ببسالةٍ وإيمان، وانطلَقَ بخطىً ثابتةٍ نحوَ انتزاعِ الاعترافِ بحقوقهِ في الحريةِ والاستقلالِ والعودةِ تحتَ مظلةِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينية، الممثلِ الشرعيِ والوحيدِ لشعبِنا الفلسطيني، وحَقَّقَ عديدًا منَ الإنجازاتِ على طريقِ تجسيدِ دولةِ فلسطينَ الحرة، التي نجحتْ بعد 72 عاما ً منَ النضالِ والصبرِ والصمودِ، في انتزاعِ اعترافِ العالمِ بها، لتصبحَ عضواً مراقباً في الأممِ المتحدة، وعضوًا كاملَ العضويةِ في أكثر منْ 120 منظمةٍ ومعاهدةٍ دولية، فضلًا عن اعترافِ 140 دولةٍ حولَ العالمِ بها.
أيتها الأخوات أيها الأخوة
لقد أرادَ صُنَّاعُ نكبتنِا أنْ تكونَ فلسطينُ أرضًا بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرض، وأرادوا أنْ يموتَ الآباءُ والأجدادُ وينسى الأبناءُ والأحفاد، وراهنوا أنَّ اسمَ فلسطينَ سيُمحى منْ سجلاتِ التاريخ، ومارسوا منْ أجلِ ذلكَ أبشعَ المؤامراتِ والضغوطِ والمجازرِ والمشاريعِ التصفوية، التي كان آخرُها كما قُلنا ما يسمى "صفقة القرن"، لكنَّ كلَ ذلكَ تَكسَّرَ بفضلِ اللهِ على صخرةِ هذا الشعبِ الفلسطينيِ العظيم، الذي تَجذَّرَ في أرضهِ التي لمْ تكنْ يومًا أرضًا بلا شعب، وعلى مدى ستة آلافِ عامٍ خَلَت، ولمْ ينسَ الأبناءُ والأحفادُ وصيةَ الآباءِ والأجداد، وها نحنُ وبرغمِ كلِ العقبات، وبرغمِ كلِ السياساتِ والإجراءاتِ والانتهاكاتِ الاحتلاليةِ العدوانية، نسيرُ بخطىً واثقة، نحو استعادةِ حقوقِنا كاملة، وإزالةِ هذا الاحتلالِ البغيضِ عنْ أرضِنا المباركة، متمسكينَ بثوابتِنا التي أقرتْها مجالسُنا الوطنية، وبقراراتِ الشرعيةِ الدولية، ولنْ تتوقفَ مسيرتُنا المباركةُ هذِه حتى نرفعَ راياتِ فلسطينَ فوقَ المسجدِ الأقصى المباركِ وكنيسةِ القيامةِ في القدسِ عاصمتِنا الأبدية.
يا أبناءَ شعبنا الفلسطيني العظيم
لقدْ مدَدَنْا أيديَنا لسلامٍ عادلٍ وشاملٍ على أساسِ قراراتِ الشرعيةِ الدولية، ولا يزالُ يحدونا الأملُ بتحقيقِ ذلك، لكننا لنْ ننتظرَ إلى الأبد، فلا شيءَ أغلى عندنا منْ فلسطين، ولا شيءَ أكرمُ عندنا منْ شعبِنا وحقوقِه الوطنية.
وأقولُ لكمُ اليومَ وبكلِ صراحة، وأمامَ الانتهاكاتِ المستمرةِ التي تمارسُها حكومةُ الاحتلالِ الإسرائيلي، ومواصلتِها للجرائمِ الاستيطانية، التي هي جرائمُ حربٍ بحسبِ القانونِ الدولي، وَتَنكُّرها للاتفاقياتِ الموقعةِ معها، وبتشجيعٍ منَ الإدارةِ الأمريكية، وأمامَ خُططِها المعلنةِ المتواصلةِ لضمِ أرضِ دولةِ فلسطينَ المحتلة، وبخاصةٍ في القدسِ الشرقيةِ والأغوار، فإننا سوفَ نعيدُ النظرَ في موقفِنا منْ كلِ الاتفاقاتِ والتفاهمات، سواءً معَ دولةِ الاحتلالِ الإسرائيلي، أو معَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ نفسِها، وسوفَ نكونُ في حِلٍّ منْ كلِ تلكِ الاتفاقاتِ والتفاهماتِ إذا أعلنتْ الحكومةُ الإسرائيليةُ عنْ ضمِ أيِ جزءِ منْ أراضينا المحتلة، وسُنُحمّلُ الحكومتينِ الأمريكيةَ والإسرائيليةَ كلَّ ما يترتبُ على ذلكِ منْ آثارٍ أو تداعياتٍ خطيرة، وقدْ أَبلغْنا ذلكَ لكلِ الجهاتِ الدوليةِ والإقليميةِ والعربيةِ ذاتِ الصلة.
أيتها الأخوات .. أيها الأخوة
أيها الفلسطينيون في كل مكان
أنتمْ أغلى ما عندنا؛ نَعَمْ الإنسانُ الفلسطينيُ هو أغلى ما نملك، ولذلكَ نعملُ بكلِ طاقاتِنا وإمكاناتِنا، حتى ولو كانتْ قليلةً ومتواضعة، منْ أجلِ حمايةِ هذا الإنسانِ العظيمِ المرابطِ الصامدِ في أرضِه، المدافعِ عنْ حقِهِ ووطنِهِ ومقدساتِه، ولعلَّ ما قُمنا بهِ خلالَ هذه الأزمةِ الكونيةِ التي يواجهُها العالمُ أجمعُ جراءَ تفشي فيروس كورونا، هو مثالٌ واضحٌ على أنَّ دولةَ فلسطينَ تضعُ الإنسانَ وحياتَه فوقَ كلِ اعتبار، حيثُ كنا السباقينَ في ذلك.
وأنتهزُ هذه الفرصةَ، لأُحيّي جماهيرَ شعبِنا على وَعيهمْ وتَحلِّيهمْ بأعلى درجاتِ المسؤوليةِ في مواجهةِ هذا الوباء، كما أُحيّي أجهزتَنا الطبيةَ وقوانا الأمنيةَ ومؤسساتِنا كافةً وكلَّ أبناءِ شعبِنا على دورهم المسؤولِ في هذا الجُهدِ الوطنيِ العظيم، الذي أصبحَ موضِع َإعجابِ وتقديرِ واقتداءِ العالمِ كلهِ والحمدُ لله.
وأختم أيها الفلسطينيون الأوفياء بالقول: إنَّ كفاحَنا وصمودَنا على أرضِنا ووحدةَ موقفِنا، وإصرارَنا على التمسكِ بحقوقِنا الوطنية، ومقاومتَنا الشعبيةَ السلمية، سوفَ يقودُنا حتماً إلى الحريةِ والاستقلالِ والدولةِ المستقلةِ بإذنِ الله.
تحيةً لكلِ الصامدينَ الصابرينَ في فلسطين الحبيبةِ وفي أماكنِ اللجوءِ كافة.
تحيةً لشهدائِنا الأبرارِ وأسرانا البواسلِ وجرحانا الأبطال، الذينَ لولا تضحياتِهم لما استطعنا أن نُغيَّر المصيرَ الذي خَطَّطَ له صُنَّاعُ نكبتنا.
وموعدُنا الحريةُ والدولةُ والقدس.
بـسم الله الرحمن الرحيم
"إنَّ الذي فَرَضَ عليكَ القرآنَ لَرادُّكَ إلى مَعاد"
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته