41 عاما على اغتيال علي حسن سلامة
في تمام الساعة الثالثة و37 دقيقة من بعد ظهر الاثنين 22-1-1979، هز انفجار هائل بيروت، وكان الهدف القيادي الفلسطيني الشهيد علي حسن سلامة "أبو حسن".
استشهد سلامة مع أربعة من مرافقيه، بعد أن قالت رئيسة وزراء الاحتلال آنذاك غولدا مائير: "اعثروا على هذا الوحش واقتلوه".
وفي تفاصيل الاغتيال، وصل مرافقو سلامة حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر في سيارتين، ليصعد إحداها "أبو حسن" إلى جوار السائق، ثم يتبعه في المقعد الخلفي مرافقان آخران.. في حين صعد المرافقون الأربعة في سيارة المرافقة، تحرك الموكب، عبر شارع فردان وسط زحمة سير شبه مربكة.. كانت على جانب الرصيف سيارة الموت تنتظر.. لم يكن وجودها بجانب الرصيف مثيراً لأي شبهة، فهي كغيرها من عشرات السيارات مصفوفة على جانب الرصيف، لقد كانت محشوة بكمية كبيرة من المتفجرات "50 كلغم" تكفي في حال انفجارها بتذكير المحيطين بنيران جهنم.. وما أن وصلت مركبة "ابو حسن" حتى دوى الانفجار الهائل.
تم تفجيرها بإشارة لاسلكية من قبل إحدى مجندات الموساد، سبق أن استأجرت شقة مطلة على شارع فردان بعد أن وصلت إلى بيروت تحت اسم "أريكا ماري تشامبرز" بجواز سفر بريطاني صادر عام 1975.
يقول محمود الناطور "أبو الطيب" في مذكراته مع علي سلامة: عَلِمَ علي أن إسرائيل ستقوم بتنفيذ عملية لاغتياله خلال عشرة أيام. جرى بعد ذلك نقاش حول الخطط التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل لتنفيذ عملية الاغتيال، فاستقر الرأي أنها ستلجأ إلى زرع عبوات ناسفة على الطريق التي يسلكها الموكب، ما جعل "أبو حسن" يقر بتركين السيارات أسفل البناية "ويا ليته التزم بذلك"!! فقد كان أبو حسن "قدرياً" يؤمن بقضاء الله وقدره بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، فكثيرا ما كنت أذهب وإياه لشراء ملابس، وكنا نشتريها من محلات "جورج" أسفل سينما السارولا، وأثناء رجوعنا من رحلة الشراء كان يقول لي: يا أبا الطيب هل تعتقد أننا سنظل أحياء لنشهد أولادنا عندما يكبرون ونذهب برفقتهم لشراء الملابس؟؟ ثم يجيب هو على السؤال قائلاً: لا أعتقد.. لا أعتقد فنحن مشروع شهادة يا أبا الطيب.. ولهذا لم يفكر "أبو حسن" يوما في شراء منزل، لقد كانت حياته يوما بيوم.. وعندما كان أحدهم ينتقده لعفويته وتعامله اليومي مع الحياة كان يقول لزوجته: اتركيني أتمتع بهذه الأيام القليلة الباقية لي!
وبحسب المذكرات، كانت أريكا التي كان يعرفها جيرانها باسم "PENELOPE" تجلس يوميا على شرفتها العالية تزاول هواية الرسم الزيتي، ولكن في حقيقة الأمر كانت تراقب العمارة التي كان يسكنها علي حسن سلامة لكي ترصد أوقات خروجه منها ودخوله إليها مع مجموعة الحراسة الأمنية التي كانت ترافقه دوما، فلاحظت الروتين الذي كان يداوم عليه علي سلامة بعد خروجه من العمارة التي كان يسكن فيها مع زوجته الثانية، وزيارته العمارة القريبة التي كانت تسكنها زوجته الأولى مع ولديه حسن وأسامة، وهكذا قررت أريكا وضع السيارة المفخخة على الطريق بين العمارتين لتنفيذ خطة الاغتيال.
أما من أدار العملية واستأجر تلك السيارة اللعينة فهو عميل الموساد الإسرائيلي الذي دخل إلى لبنان عن طريق المطار تحت اسم "بيتر سكرايفر" بجواز سفر بريطاني مزور رقم (260896) ونزل بفندق ميدترينيان في غرب بيروت، أما باقي أفراد مجموعة الاغتيال فقد وصلوا إلى بيروت يحملون جوازات سفر إنجليزية وجواز سفر كندياً وهذا الجواز كان باسم "Ronald Kolberg"، وكان طالبا جامعيا يدرس في تل أبيب، لقد سرق الموساد جواز سفره واستعمله في عملية الاغتيال، هذه المجموعة أقامت في فنادق متفرقة في بيروت، وهم الذين استأجروا السيارة التي كانوا قد خططوا لتفجيرها أثناء مرور موكبه خلال خروجه من سكن زوجته الثانية والذهاب لزيارة زوجته الأولى وأولاده.
بيتر سكرايفر، بدأ مهمته باستئجار سيارة من مكتب "رينت كار" وعن طريق عملاء للموساد كانوا قد سبقوه، ثم تأمين كمية المتفجرات التي زرعت فيها وقادها بهدوء ليركنها في المكان المخصص على طريق ذهاب وإياب القائد الشهيد "أبو حسن" إلى شقته التي أصبحت لأول مرة عنوانا ثابتا.
وتحدد يوم الاغتيال بتاريخ 22/1/1979، وكانت تشامبرز المطلة من شرفتها على سيارة الموت المركونة على جانب الطريق، هي من أطلقت زر التفجير أثناء مرور موكب علي سلامه وهو في طريقه إلى شقة زوجته الثانية، وكان نوع المتفجرات من مادةHEXAGANE" ".
كان يقول دائما (إذا طال الزمن وبقي علي حي يرزق –يقصد نفسه- وفي نهاية عمره يتمنى أن تكون له مزرعة ليعيش بها). هكذا كانت أمنيته، لكنه على أرض الواقع كان يقاتل احتلالا لا يعرف إلا الدم والجبن.
ولد علي حسن سلامه "أبو حسن" في العراق بتاريخ 1/4/1941، ثم انتقل الى القاهرة لإكمال تعليمه هناك، وفي عام 1964 انتقل إلى الكويت حيث التحق بحركة فتح عن طريق خالد الحسن "أبو السعيد" وأدار دائرة التنظيم الشعبي في مكتب (م.ت.ف)، ثم اختير عام 1968 ضمن مجموعة من عشرة أشخاص لدورة أمنية في القاهرة، وبعد عودته عمل نائبا لمفوض الرصد المركزي لحركة فتح صلاح خلف واستقر في العاصمة الأردنية ممارسا لمهماته النضالية حتى خرج إثر معارك أيلول برفقة ياسر عرفات، ومنذ ذلك الخروج أصبح ظلا لأبي عمار ومكلفاً بحمايته، وهو أول من تم تعيينه قائدا لقوات الـ17.
كان سلامة يعشق البحر وحبه لهذه الأشياء كان لها تأثير كبير في تكوين شخصيته، وقد ظهرت بوادر هذه القوة الجسدية وقوة العضلات الجسمية في مراحل الشباب ووجدت منطلقها في ممارسة شتى أنواع الرياضة. أذكر يوما أن مسؤول الإدارة في العمليات المركزية قد دفع قيمة فاتورة التلفون لعامل السنترال نقداً كي يذهب ويسددها، وبدلاً من تسديد الفاتورة قام بدفع أجرة منزله، على أمل أن تصرف له مساعدة كان قد طلبها مسبقاً فيعيد المبلغ، إلا أن كتاب المساعدة تأخر وهاتف العمليات انقطع، وانكشف عامل السنترال، فقام مسؤول الإدارة بتحويله إلى السجن. وعندما علم أبو حسن بالقصة دفع المبلغ من جيبه الخاص موبخاً مسؤول الإدارة بغضب قائلاً: إن عامل السنترال ليس سارقاً، لقد كان بحاجة لسداد أجرة منزله.
في العام 1965 تولى منصب مدير دائرة التنظيم الشعبي التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الكويت وترأس اتحاد طلبة فلسطين هناك. وفي يوليو 1968 عمل في قيادة جهاز الرصد الثوري لحركة فتح وهو اسم فرع المخابرات التابع للحركة في الأردن. وفي عام 1970 تولى قيادة العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم من لبنان، ويرتبط اسمه بالعديد من العمليات النوعية مثل إرسال الطرود الناسفة من أمستردام إلى العديد من عملاء الموساد في أوروبا، ومن الذين قتلوا بالطرود ضابط الموساد في لندن أمير شيشوري. وعملية ميونخ التي قامت بها منظمة أيلول الأسود التي خطفت عددًا من الرياضيين الإسرائيليين وقتلت بعضهم. لقبته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بلقب الأمير الأحمر.
قبل اغتياله، نجا سلامة أكثر من مرة من الاغتيال، كان أشهرها، المحاولة الفاشلة في تموز 1973، فبعد أشهر من البحث والتعقب في أوروبا، وصلت خلية الموساد المكلفة باغتيال القيادي ورجل الاستخبارات الفلسطيني سلامة إلى مدينة ليلهامر في النرويج، واستعدت لاقتناص الهدف الثمين.
وبعد تأكد الخلية من هدفها، اعترضت طريقه في الشارع، وصوبت لجسده 14 رصاصة، إلا أن الشخص الذي قتل بجانب زوجته الحامل لم يكن سوى المهاجر المغربي أحمد البوشيخي الذي وقع ضحية وجود شبه بينه وبين سلامة.