صناعة الأمل عن طريق الابتكار
رشا الخضراء-
"الحاجة أم الاختراع" قد تكون حاجة الفرد نفسه أو حاجة المجتمع ككل ، قد تمسك أنت كفرد ضائقة معينة فتبحث عن الحل و تجده رغم المستحيل و قد تكون المشكلة هي أكبر بكثير من الهم الشخصي، إنها الانشغال عن حاجة الفرد إلى هم المجتمعات التي تعيش كوارث و حروب. و كلما كانت الحلول نابعة عن المجتمع نفسه كانت النتائج أكثر واقعية في التطبيق حيث أن أهل مكة أدرى بشعابها، و هذا ما ينطبق مع مبدأ السيد كريس هوستون مدير "الابتكار الإنساني" في مبادرة "صناعة الأمل، التحدي الإنساني الكبير" و هي مبادرة أطلقتها المنظمة الكندية "جراند تشالنجز " تهدف لدعم ابتكارات توفر حلولاً لتيسير المعيشة داخل مناطق النزاع و بين ضحايا الحروب أو الكوارث، و ذلك بالتعاون مع كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وإدارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، والحكومة الهولندية ، حيث يصعب الوصول إلى هؤلاء الأشخاص المتضررين في المناطق غير الآمنة و بات تقديم المساعدة الإنسانية وتحسين معيشة العالقين في النزاع من أصعب التحديات كما هي الحال في اليمن و بعض المناطق السورية و الليبية .
و تقوم هذه المبادرة بالدعم و الاستثمار في الابتكارات التي تسمح للمجتمعات بأن تستجيب للأمور الطارئة وأن تأخذ خطوات تنعكس على نوعية حياة الأفراد العالقين ، حيث يقوم خبراء الشؤون الإنسانية و المبتكرين بالمساعدة على التغلب على التحديات وإيجاد الحلول.
من تاريخ 9 إلى 13 ديسمبر من هذا العام 2019 في ميونخ ، استضاف فريق تسريع الابتكار التابع لبرنامج الغذاء العالمي بالتعاون مع منظمة جراند تشالنج كندا و مشروع "التحدي الأنساني الكبير" حدث "أسبوع تسريع الابتكار" للمبتكرين المختارين من الجولة الأولى للمشروع الذين قدموا أفكارهم في عام 2018.
لهم لابد أن تكون الابتكارات المطلوبة في المجالات التالية
1 ـ مجالات الطاقة،
2ـ المياه النقية و الصرف الصحي
3. البيانات اللازمة للإنقاذ
4. الإمدادات الصحية و الخدمات اللازمة لمساعدة المتضررين من النزاعات.
وكان على كل من المبتكرين بتاريخ 12.12.2019 تقديم عرض سريع لا يتجاوز الثلاثة دقائق للتعريف عن ابتكاره و ترغيب الممولين و المانحين في الاستثمار في تطبيقه. و كان من المبتكرين بعض الأشخاص السوريين و سيدة يمنية ، و قمت بالحديث مع بعض منهم أثناء تغطيتي لهذا الحدث في ميونخ المدينة الألمانية.
و كانت فكرة ابتكار الطبيب نبيل قرا من حمص هي علم الجراثيم عن بعد (تيلي ميكرو بيولوجي) ، حيث انطلق من فكرة النقص الحاد في وجود الأطباء و الأخصائيين في التشخيص الجرثومي عند حصول أزمة حروب أو كوارث طبيعية كنتيجة لرحيل العديد منهم من بين الراحلين ،و بما أن الوضع كارثي في المناطق السورية الشمالية وفقا لما أدلى به الدكتور نبيل ،و لهذا لابد من استغلال من بقي من الكوادر الطبية ذلك لتقديم المساعدة و لو عن بعد. فقام بإنشاء مخبر عن بعد يعتمد على وجود أطباء أو فنيين في أماكن الكوارث أو النزاعات ، يقومون بأخذ عينات المجهر و تحضيرها و استخدام الحواضن ، و في حال عدم توفر ذلك ممكن تدريب مساعدين و رفع قدراتهم ليتمكنوا من إيصال النتائج و يقوم الاستشاريون في الدول الامنة بتقديم التشخيص.
كيف يتم ذلك ؟ ليتمكن المتدرب أو الطبيب من ارسال النتائج يتم تزويدهم بمعدات المخبر الجرثومي مزودة بكاميرات دقيقة لارسال الصور المجهرية عبر الانترنت للأطباء الاستشاريين في الدول الغربية لقراءة النتائج و من ثم ، و في حال الضرورة ممكن التحدث هاتفيا و نقل الصورة كاملة و يعطى التشخيص و العلاج. كما يتم العمل على تطوير المشروع مستقبلاً ليستبدل الاستشاريون بروبوت متوفر بشكل دائم يتم تدريبه على قراءة النتائج و إعطاء التشخيص و يحصر دور الاستشاريين بضبط الجودة و دقة النتائج . الدكتور نبيل هو طبيب سوري لديه ماجستير و دكتوراة في علم الجراثيم الطبية يسكن في أوروبا من حوالى الثلاثة عشر أعوام.
رشيد بونمجيل من منظمة "أكشن إيد" البريطانية يعمل ضمن منظمات في الأردن لدعم حقوق النساء ،يتمحور عمل السيد رشيد حول تمكين النساء في مختلف المناطق و دعم فكر النسوية ، و عندما سألته عن تقبل المجتمعات الشرقية لهذا الطرح أخبرني أنه في العادة لا يتم طرح المواضيع بهذه المباشرة و إنما يتم التركيز على تعليم النساء و رفع الوعي لديهن فيما يتعلق بحقوقهن كبشر ضمن المجتمعات المغلقة. قام السيد رشيد بشرح فكرة عمله مع المنظمة حاليا بالشراكة مع فريقهم في الأردن و منظمات أردنية و شركة أورانج للهواتف المحمولة مع السيدات السوريات و الأردنيات على تطوير منصة على الهاتفالمحمول توفر المعلومات و الدعم في حال التعرض للاعتداء على النساء في الطرق العامة أو في حالات العنف المنزلي. حيث تتعرض النساء بشكل متكرر للتحرش الجنسي و اللفظي في مختلف المناطق الحضرية ، أضف إلى ذلك العنف المنزلي و الاضطهاد ، و تكون النساء مضطرة في أغلب الحالات إلى الصمت خوفاً من إلقاء اللوم عليها و تعرضها للملاحقة المجتمعية . فكانت الفكرة خلق شبكة للمعلومات و التواصل و طلب النجدة الفورية في حال احتاجت السيدة بالإضافة إلى إعلامها عن الأماكن التي يمكن أن تكون فيها نسبة عالية من التحرش لتأخذ حذرها.
كما أخبرني علي محمد علي عن فكرته المبنية على التكامل بين الطاقة الشمسية و النقل للمساعدة في منظومة الإسعاف و اللقاح إضافة إلى موضوع الطبابة عن بعد لتعزيز منظومة طبية في سوريا و أخبرني عن طموحه في تطوير منصة عالمية تستخدم من قبل الأفراد بأي دولة تعاني من صراعات أو كوارث طبيعية. علي مهندس بيئة سوري يعمل على تطوير الفكرة من خلاله عمله في منظمة أوسم في تركيا .
و قد انطلقوا سابقا في عام 2017 بتطوير و تنفيذ منظومة طبية لأكبر مشافي في منطقة إدلب السورية حسب الحاجة ، حيث كان الاعتماد كبير على الديزل سابقاً الأمر الذي أدى إلى الحد من وجود الدعم الطبي فقدمت هذه المنظومة بدائل تعتمد على الطاقة الشمسية نتيجة حاجة المنشآت الطبية للدعم . و قد تم تنظيم استبيان عن عدد سيارات الإسعاف بالتعاون مع الأطباء الموجودين على الأرض فتم تحديد أفضل السيارات الموجودة بالاعتماد على البارامترات الأساسية لسيارات الإسعاف و اللقاح للاتقاق مع شركات السيارات العالمية للبحث عن السبارات المطابقة و التي يمكن استخدامها هناك و متوقع استلام السيارات بأول ستة أشهر من عام 2020. جدير بالذكر أن هذا جزء فقط من النشاطات و المشاريع التي يتم و سيتم تطبيقها في مناطق الشمال السوري لدعم القطاع الطبي.
الدكتورة عائشة جمعان من اليمن مؤسسة و رئيسة المنظمة اليمنية للإغاثة و الإعمار أخبرتني عن وضع اليمن أثناء الحرب المستمرة من خمس سنوات و عن العقوبات المفروضة على اليمن . حيث تحتاج اليمن إلى استيراد 90% من الأساسيات لاستمرار الحياة كالنفط و الغذاء و الدواء و على سبيل المثال في سنة 2019 استطاعت اليمن الحصول على 25% فقط من حاجياتها من النفط ، مما نتج عنه نقص شديد و حاد في النفط و الديزل الأمر الذي أثر على الخدمات الصحية و توافر المياه فاضطر الناس إلى شرب المياه الملوثة و تعرضت اليمن إلى أكبر جائحة كوليرا في العالم حيث يقدر عدد المصابين بمليونين حالة كوليرا .
كنتيجة لذلك قامت بتقديم فكرة مشروع هام لتوفير نظام يقوم بتوفير المياه الصالحة للشرب في مدينة الحديدة حيث ينقيها من المكروبات و يقوم بتحليتها دون الحاجة للبترول و الديزل و انما يستعمل الطاقة الشمسية. سيتم تنفيذ الابتكار في 3 مستشفيات في مدينة الحديدة الأكثر تأثرا بجائحة الكوليرا و ذلك كمرحلة أولى و ذلك بعد أخذ الموافقة من الحكومة في عدن و في صنعاء ، حيث تندرج الحديدة تحت حكم حكومة صنعاء ، و ذلك لوجود حكومتين مختلفتين تحكمان اليمن . تجلى دعم الحكومة بعدم فرض ضرائب على الأجهزة. و ذلك على أمل أن يتم التطبيق لاحقا في مناطق أوسع . و قد أكدت لي أن الهدف النهائي للمشروع هو تمكين المجتمع من هذه التقنية بحيث يتم تدريبهم على استعمال الجهاز و لربما يكون مصدر دخل للنساء اليمنيات.
أنجز مشروع صناعة الأمل في النزاعات مرتين و قد أًغلق النداء الثاني للابتكارات في يوليو 2019 بعد أن استقبل أكثر من 648 طلب من ثمانين دولة مختلفة.
و سيتم الاعلان عن موعد النداء الثالث لتقديم الابتكارات في 2020 ، فإذا كنت مهتم بالمشاركة في صناعة الأمل في المناطق ذات النزاعات ، ارسل فكرتك و قدم الطلب لربما تحصل على فرصة الدعم و التمويل لتحويل الفكرة إلى حقيقة.
للاطلاع على باقي الاختراعات
https://humanitariangrandchallenge.org/innovators/?page=2&per_page=9