حمام النعيم.. قوس قزح الخليل!
الخليل- رايــة: طه أبو حسين
في الخليل العتيقة، مرورًا من حارة القزازين باتجاه خان شاهين الملاصق لشارع الشهداء المغلق عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي، نمر عبر ممر معماري قديم ضيّق معتم لا يتجاوز عرضه المتر الواحد، بينما طوله أكثر من عشرة أمتار، يأخذنا لسلم حجري فيه أكثر من عشر درجات على آخره بوابة حديدية تفضي لقبب يتداخل بها الزجاج الملون، إنها قبب حمام النعيم.
حمام النعيم، ذو الطراز التركي، كان يعمل حتى عام 2000 تقريبًا، وأغلق بشكل كامل عام 2003، لأسباب تتعدد، أبرزها الإحتلال ومستوطنيه واعتداءاتهم المتكررة، واغلاق بوابته الرئيسة المتواجدة على شارع الشهداء الذي أغلق في تسعينيات القرن الماضي ولم يعد للفلسطينيين قدرة على المشي فيه بأوامر عسكرية احتلالية.
تلك الأسباب لم تكن وحدها، لكن قبل الخوض بها وبتفاصيلها، نعود لتاريخ الحمام مع صاحبه سمير القصراوي "حمام النعيم بني عام 1720، بناه الأجداد وتناقلته الأجيال حتى أصبحت مسؤولًا عنه عام 1985 بعدما تسلمته من أبي، واستمريت بالعمل فيه حتى عام 2000 عند إندلاع إنتفاضة الأقصى الثانية".
"كان هناك عدة محاولات لتخريبه وتدميره، وحاولت المحافظة عليه وبقاءه مفتوحًا أمام الناس، لكن لم أستطع مواصلة صيانته فأغلق عام 2003" قال سمير.
سمير، بعد سنوات إغلاقه التي تجاوز العقد ونصف العقد، لملم شتات قوته وعزيمته وقرر العودة لإعادة صيانة وترميم الحمام لأسباب تتعلق بتاريخ عائلته وبلده "الحمام أنشأه جدي ووصل لنا وهذا تاريخ محافظ عليه رغم كل المغريات والضغوطات المطروحة من الإحتلال، ورغم كل ذلك نحن محافظين على كل حجر في هذا الحمام".
في العودة لهيكلية حمام النعيم، الذي يحتوي على أربع قبب كبيرة، وأخرة صغيرة متساوية مع السقف تقريبًا، جميعها من الباطون القديم، فيها فتحات دائرية متساوية _منارات_ مغلق بصحون زجاج ملونة، من شأنها أن تدخل أشعة الشمس لداخل الحمام بألوان ملونة، وبصيغة أدق (قوس قزح).
لماذا بدأنا من سقف الحمام؟ لأن الإحتلال يمنعنا من دخوله عبر بوابته الرئيسة على شارع الشهداء، فبعد السقف مباشرة، هناك بوابة خشبية تأخذ لممر ضيّق يكاد لا يتجاوز نصف المتر الواحد، ثم سلالم حجرية وبعدها ممرات أخرى صغيرة وصولًا لعمق الحمام.
الحمام يحتوي على بلاط النار، وغرف صغيرة جميلة، وجرون الماء القديم المنحوت بالصخر لغرض وضع الماء الساخن فيه، وغيرها من التفاصيل التي تعكس الطراز المعماري التركي، وبينما كنّا داخله عاد سمير بذاكرته لعقود طويلة مضت"كل كبار البلد كانوا يستحمون فيه، منهم الشيح محمد على الجعبري والجيش الأردني، أسبوعيًا كانت تأتي كتيبة وتستحم فيه".
"الزجاج الموجود بالسقف يدخل إنارة للحماح ويحفظ الحرارة عن طريق الشمس، وهذه هندسة تركية، كما يقوم بإدخال قوس قزح للداخل، فتكون الألوان مندمجة داخل الحمام لإعطائك راحة نفسية داخله". قال سمير.
مؤخرًا عاد سمير لصيانة وترميم الحمام بنفسه ودون مساعدة من أحد "أخرجت الطمم منه، وركبت الزجاج المخلع، وأنظف حاليا في بئر الماء الخاص به، وكل ذلك بمجهود شخصي، فهذا الحمام يعني ابراهيم الخليل، ويعني تاريحنا".