في الأغوار.. يموت الطفل قبل الولادة لانعدام الحياة
راية- محمد مسالمة
يقدّر عدد البدو الذين يعيشون في أماكن متفرقة في الضفة الغربية بـ 40 ألف مواطنٍ، يعيشون في أماكن متفرقة بعدما نزحوا جبراً من أراضيهم في صحراء النقب عام 1967 على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وما أن تمددت أيادي الاحتلال للسيطرة الكاملة على أراضي الدولة الفلسطينية، تتواصل السياسات لإعادة اقتلاعهم من الأراضي المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو وخاصة أراضي "وادي الأردن". ي
شكل وادي الأردن والأغوار شريطاً يمتد من الشمال حيث جبال الشيخ إلى الجنوب وصولاً لخليج العقبة، بطول 420 كيلومتراً، وتصنّف أراضيه في مناطق الضفة الغربية على أنها "ج"، فيما تهدد سلطات الاحتلال الاسرائيلية بضمّه للمستوطنات، ما يعني ذلك إجلاء كافة العائلات البدوية الفلسطينية ومصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، للتدريبات العسكرية وبناء مزيد من المستوطنات.
على دقات الثامنة صباحاً من تشرين الثاني، تحركت حافلة الصحفيين لزيارة تجميع الحديدية البدوي في الأغوار الشمالية بتنظيم من مكتب الاتحاد الأوروبي، فالقافلة تضم 17 صحفياً أوروبياً وصحفيين فلسطينيين، راحوا ينيرون الأضواء الإعلامية حول ظروف الحياة هناك.
تسير الحافلة بناء إلى منطقة أزورها لأول مرة، ولكن استطيع تخيّل مشاهد الحياة، لاسيّما مجيئ جنود الاحتلال، ومحاولتهم قطع الزيارة، كما كانوا يتعمدون ذلك في زيارتنا السنوات الماضية إلى تجمعات "الخان الأحمر" و "سوسيا" و"أم الخير" و "عرب الكعابنة".
وغيرها. وما أن وصلنا جلسنا في خيمة كبيرة، تعود لعائلة بني عودة، حيث بدأت يتحدث محمد (45 عاماً)، وهو أحد أفراد العائلة، يقول إن أكثر مشكلة يواجهونها في المنطقة هدم الخيام وبركسات الأغنام، وإجبارهم على التنقل من منطقة لأخرى، بالاضافة إلى تقليص مساحات الرعي، والسيطرة على عيون المياه.
يمارس الاحتلال الإسرائيلي الضغط على العائلات البدوية من أجل الرحيل، وبحسب محمد يصل سعر المتر المكعب الواحد للمياه 23 شيقلاً، في حين أنه يباع للمواطن بـ 5 شواقل في المدن، ذلك نتيجة سيطرة الاحتلال على عيون المياه ومنع حفر الآبار، مما يجعلهم مضطرون لنقلها بالشاحانات التي يصادرها الجنود أحياناً. الخدمات الصحية يتلقاها المواطن خارج التجمع، بالذهاب إلى طوباس، ويتذكر محمد طفل توفي أثناء الولادة نتيجة لعدم وجود عيادة صحية، وعدم قدرة وصول سيارة الاسعاف لصعوبة التنقل ووعورة الطريق.
ويشير إلى حادثة انزلاق التراكتور الزراعي الذي كان ينقل 7 أطفال في طريقهم للمدرسة. المدارس لا وجود لها وغير مسموح بها، الاطفال يذهوب لمنطقة أخرى للتعليم عبر حافلة تم تزويدهم بها من خلال وزارة التربية والتعليم. لا تتخيلوا أن شيء مسموح هنا.. ولو استطاع الجنود منع الهواء لفعلوا، حين تريد العائلات زراعة الأرض يصادرون لهم الجرارات الزراعية، ويدوسون بتدريباتهم العسكرية المحاصيل ويدمرونها، كذلك المستوطنون لا يحتملون رؤية "العم عمر"، يبلغون الجنود فوراً ويأتون للعم عمر بإخطار عسكري يقتضي منع وصول التلّة التي تشرف على المستوطنة المحاذية.
وسط هذا الحديث ياتي جنود الاحتلال لاقتحام الخيمة، والتحقيق لمعرفة من الذين جاؤوا إلى عائلة بني عودة، فالعمل الصحفي غير مرحب به وغير محبذ بالنسبة للجنود، وقف معهم مجموعة من منسقي الرحلة من مكتب الاتحاد الأوروبي، وبعدها ذهب الجنود، وعادوا مرّة أخرى ومعهم كلاب بوليسية، ورافقوا مجموعة الصحفيين أثناء تجولهم، كما قاموا بتصوير لوحات المركبات والاشخاص، واجراءات أخرى لا ندري ما الهدف الرئيسي منها.
يقول مسؤول ملف الاستيطان في الأغوار الشمالية معتز بشارات إن 23 تجمعاً سكانياً في وادي الأردن لا تعترف سلطات الاحتلال بها، سوى تجمعين "العين البيضاء وقرية بردلة"، في حين تشكّل الأغوار الشمالية ما نسبته 85% من محافظة طوباس. مشيراً إلى أن المستوطنات الحالية في الوادي هي بالفعل أماكن تدريبات عسكرية سابقاً.
وبحسب الاحصاءيات قبل عامين كان هناك 8 مستوطنات و7 معسكرات لتدريب جنود الاحتلال، والآن أصحبت 11 مستوطنة و8 معسكرات للتدريب، بالاضافة لتشديد اجراءات الخروج والدخول عبر الحواجز.
سجّل الصحفيون ملاحظاتهم وأجروا مقابلاتهم مع المؤسسات التي تقدم المساعدات بتمويل الاتحاد الاوروبي رغم كل إجراءات الاحتلال ومنها مؤسسة GVC الايطالية، حيث أكدت المنسقة الميدانية للمؤسسة آسيا خليل في حديث لها إن العمل بدأ في مشاريع الاغاثة عام 2015، ويستهدف النواحي الاجتماعية في غالب الأحيان.
ولدى وصول الصحفيين لمكتب رئيس الوزراء د. محمد اشتية، حيث أكد على أن سياسات حكومته تدعم كافة أراضي الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وخاصة الاراضي المصنفة "ج" ويحتاج فيها المواطن تعزيز الصمود والبقاء.
وأوضح أن وادي الأردن هو السلة الغذائية الوحيدة للفلسطينيين، والتي لا يمكن الاستغناء عنها مهما وعد نتنياهو وغانتس وغيرهم، ومهما قرر وفرض الاحتلال من اجراءات تعسفية قمعية بحق التجمعات. الحكاية تبدأ من جوهر الصراع، وهو الأرض.. وهو ما يحاول الاحتلال انتزاعه من التجمعات البدوية، من خلال السيطرة على مساحات واسعة من الاراضي وتحويلها لمستوطنات وأماكن تدريبات عسكرية، في المقابل تقليص الأراضي المخصصة لمراعيهم ومزروعاتهم ومنع وصول المياه اليهم، وهي تلك مقومات البقاء بالنسبة لهم.