حمام الشط.. عندما لاحقت إسرائيل المقاومة الفلسطينية داخل تونس
في الاول من تشرين الأول عام 1985، دخلت طائرات إسرائيلية إلى الأجواء التونسية وقصفت مدينة حمام الشط التونسية لتستهدف قادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، مُخلفة وراءها 50 شهيدا فلسطينيا و18 شهيدا تونسيا و100 جريح، وخسائر مادية قُدرت بـ8.5 مليون دولار.
كانت هناك العديد من المقار التابعة للمنظمة: مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبيته الخاص، مقر الحرس الرئاسي، والإدارة العسكرية التي تحتفظ بأرشيف مقاتلي الثورة الفلسطينية، والإدارة المالية، وبعض بيوت مرافقي أبو عمار والموظفين في مؤسسات المنظمة، جميعها سُويت بالأرض خلال أقل من عشر دقائق، مستهدفة بشكل رئيسي ابو عمار، والذي نجا بعد مغادرته المكان قبل القصف بنصف ساعة.
وقالت رواية أخرى: وصل أبو عمار إلى مطار تونس - قرطاج في العاصمة تونس، وافدا من المغرب، في ليلة المجزرة. كان في استقباله وزيرٌ تونسيّ وعدد من كوادر منظمة التحرير، رصدت عناصر الموساد موكبه يتحرك نحو مقر قيادة المنظمة في حمام الشطّ. وإلى جانبه جلس حكم بلعاوي في السيارة، وهو السفير الفلسطيني في تونس آنذاك، وأخبره بأن ضيفا عربيا هاما ينتظره في مقر إقامة السفير، في ضاحية مرسى النسيم شمال العاصمة تونس. فورا، أمر أبو عمار سائقه بالخروج عن سرب السيارات الطويل، والانزواء يميناً نحو مرسى النسيم، بينما واصل الموكب طريقه العاديّ نحو حمام الشطّ. لم ينتبه عملاء الموساد لهذا التغيير المفاجئ. في مقر إقامة حكم بلعاوي، اجتمع عرفات مع ضيفه العربيّ وتواصل اللقاء حتى ساعة متأخرة من الليل، فقرر في أعقابه المبيت هناك.
أبو عمار خرج بعد الغارة مباشرة ومن فوق الدمار، أعلن للعالم عبر وكالات الأنباء والاذاعات والتلفزة أنه حي يرزق. وذلك في الوقت الذي كان فيه ضباط مخابرات الاحتلال وقادة الأجهزة الأمنية فرحون بمقتله وعدد كبير من قادة منظمة التحرير في عملية القصف التي أطلق عليها اسم "الساق الخشبية"، لكن الحس الأمني للمقاومة الفلسطينية كسر تلك الساق.
علم الاحتلال عبر جواسيسه أن القيادة الفلسطينية على موعد مع اجتماع كبير ومهم في مربعها الأمني بحمام الشط عند التاسعة والنصف من صباح الثلاثاء الأول من أكتوبر 1985، فأعد عدته للهجوم على الاجتماع وكسر ما لم يستطع كسره في احتلاله ومحاصرته لبيروت طيلة 88 يوما في صيف عام 1982.
دعت القيادة ضباطها وقادتها في الجزائر وتونس واليمن للالتحاق بالاجتماع، وفي صباح يوم الاجتماع كان ياسر عرفات يتمشى على شاطئ البحر، وعند الساعة التاسعة أبلغه مدير مكتبه العسكري بتأجيل الاجتماع لأن عددا من كبار الضباط لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية ما حتم تأجيل الاجتماع للمساء.
في عدد من التقارير الإخبارية المنشورة مؤخرا من قبل شبكات إعلامية تونسية وعربية، بدا واضحا اختفاء آثار القصف الاسرائيلي على حمام الشط، رغم مطالبات بإبقائه شاهدا حيا على الجريمة الاسرائيلية. ولم يتبق من المكان سوى مقبرة الشهداء وساحة ينتصب فيها تمثال الشهداء والذكرى.
في حمام الشط التصق اللحم باللحم، وتداخلت الأعضاء الجسدية للشهداء الفلسطينيين والتونسيين، وعرف من الشهداء الفلسطينيين، الذين دفنوا في مقبرة شهداء فلسطين: عبد العزيز إبراهيم، ومحمد أحمد حجازي، وعزيز صالح زعيني، وفيصل محمود شريدي، ومحمد محمود عواد، ونجيب موسى، ومنيرة الحصري، وزياد نعساني، وعلي أبو خضرا، ومحمد شهاب، ومحمد سعيد العيساوي، وصالح عوض، ويوسف الداية، وهدى شعلان، ونبيل قشعم، وأحمد عيد هلال، وجهاد مقاري، ومحمود موعد، ومحمود المدني، وعبد الناصر صليبي، وحامد أبو حمص، وأحمد عمر عوض جابر، ومجدي شفيق الأنصاري، وسعد محمد بدوي، وفؤاد مصطفى أبو الفتح، ومحمد الغول، وجورج مريبع، وعلى جوهر، وعبد الحليم جرار، ومعتصم عبد اللطيف هواري، ونعيم يوسف عازم، وعبد الكريم عارف عبد الخالق، وجميل أبو النور، وبسام سليم حرور، وخضر داود الطيراوي، ومحمد عبد الله أبو عياش، وخالد أبو الغول، وخالد أبو الغول، وعرفات شاهين، وطه عبيد، وتيسير الشهابي، وسمير إسماعيل، وعلي أزموز، ورياض طه، ومحمود ضاهر، وسامي البعاج، وعلي عيسى الخطيب، وفادي أبو وائل.