تقرير خاص
"ملك الذرة" يتربع على عرش قلوب المواطنين في الخليل
الخليل_ رايــة:
طه أبو حسين
نداءات باعة البسطات بالألوان، كما لو كانت فرقة كورال تنشد الحياة، تتصاعد تارة وفي الأخرى تتساوى والصمت، قبل أن تشتعل بسلّم مغنّى من شأنه استقطاب الزبائن، ووسط تلك اللوحة التشكيلية المليئة بالتناقضات، يخرجُ صوتٌ ينادي دون ملل، ومحاولات فكّ شيفرة ذلك النداء غالبًا تنتهي باللاشيء، غير أن الصورة تتضح عند الوصول لموطن الصوت من صاحبه تامر (الأصمّ الأبكم).
تامر محمد بركات عويوي، (32 عامًا)، يعاني من فقدان القدرة على النطق أو السمع، ويمتاز بطاقته المتوقدة بطلب الرزق والحياة، حتى أن ابتسامته لا تغادره بينما يجني قوته في مركز المدينة التي عرف عن أهلها الشطارة بالتجارة (الخليل).
يوميًا؛ يدفع تامر عربة الذرة خاصته ذات العجلات الثلاث، العربة التي تشبه بتصميمها كوخًا صغيرًا، مغلقة من إتجاهين إثنين، يوضع على أحدهما الكاسات الكرتونية بأحجامها المختلفة، بينما يضع الملح والبهارات المختلفة على الإتجاه الثاني.
في عمق عربة تامر، قدرين متوسطين، أحدهما يحتوي الذرة الجاهزة للأكل، بينما القدر الثاني يحتوي الذرة الغير ناضجة بشكل كامل، غير أن النار تحت كلاهما تبقى حيّة حتى يحافظ على سخونتها ونضجها عند تقديمها للزبائن.
تامر يتحدث بلغة الإشارة، وشقيقه أنس، أخذ دور المترجم بين سؤالنا في (رايـة) وجوابه، فقال أنس مترجمًا حديث إشارة تامر "أشتري الذرة من بئر الحمص، ثم أسلقها، وأقف في شارع وداد ناصر الدين، وأنادي عليها حتى أبيعها كلها".
لغة الإشارة التي يتقنها تامر تحمل تفاصيل كثيرة، أدقها الإبتسامة التي لا تغادره، غير أن هناك أمرًا يزعجه، فقال "أكثر ما يزعجني أن يقف بائع ذرة آخر بجانبي". غير أنه استأنف "الحمد لله البيع ألف ألف، وأنا مبسوط في عملي، وهي مصدر رزقي الوحيد".
بائع الذرة الأبكم الأصم، متزوج وله طفل واحد، يؤمن بأن الإنسان طاقة، وبإمكانه تحقيق نفسه حتى لو حرم من بعض الحواس، كالنطق والسمع، فقد كان يعمل سابقًا بائع قهوة، يوزّعها على المحال التجارية، خاصة أنه يحظى بمحبة واسعة وسط تجار المدينة.
أبو ايهاب (ملك الذرة)، بهذا اللقب عنون تامر عربته، التي باتت عنوانًا واضحًا لمتذوقي وعشاق الذرة، خاصة أنه حظي بزبائن يقصدونه دون غيره، ربما طلبًا للذرة، وربما لتعلم الحياة منه وابتسامته التي لا تغادر محياه رغم الفقدان.