الخليلي بائع الهندي
الخليل- رايـة: طه أبو حسين
في الوقت الذي يهرب الجميع من "شمس تموز" التي لها سطوة خاصة حتى تجعل الماء تغلي في "الكوز" أو كما ورد في الأمثال الشعبية، ترى الثلاثيني راضي معبد يغزو أوساط دائرتها ويستوطن مركزية عمودها في شوارع الخليل حاملًا على ظهره دلّة شامية تزن حوالي 50 كيلو غرامًا، وينادي بلهجة خليلية أصيلة تتضمن المدود بألوانها وأنواعها " عصير بارد، تمر هندي بارد".
راضي معبد، صاحب البشرة السمراء التي خلّفتها أشعة الشمس عندما تعانقت مع حبات عرقه بينما يبيع العصير في حضرتها. " لما ألبس البدلة الشامية يعطيني الله عزيمة عظيمة للعمل، فأكبر متعة عندي عندما يكون الجميع في الظل وأنا أمشي بالشارع تحت أشعة الشمس الحارقة، فأنا لا أحب مهنتي فقط، أنا أعشقها، وأموت فيها وبتعبها".
بين كلّ جملة وأختها يكرر راضي عبارة بأنه عاشق بيع العصير، ويجد بها متعة لا توصف، والصيف مساحته الوحيدة لرفقة معشوقته (الدلة الشامية) التي يعزّها كولد من أولاده وربّما أكثر، "عندما أترك العمل بالشتاء أمرض".
قصة الحبّ بدأت قبل 13 عامًا أو يزيد، فراضي كان عاملًا، ثم تزوج، ومسؤولياته تزايدت، ولم يعد راتبه يسدّ احتياجاته، فاضطر للبحث عن عمل جديد، وأخذته لقمة العيش من الخليل لرام الله بحثًا عن قوته وزوجته، فتعثر بخليلي يبيع العصير، فعمل عنده على مدار سنتين حتى وجد نفسه واقعًا بحبّها، فمنحه القدر فرصة شراء دلّة شامية خاصة بالعصير، فاشتراها وبدأت حكاية الحياة تتجسد معهما حتى اليوم.
"الدلة فارغة وزنها 20 كيلو، ممتلئة تزن 49 كيلو، وهي ثقيلة ومتعبة، لكن أنا أحب التعب، وأحب مغادرة عملي الى فراشي مباشرة ولا أستيقظ إلا ثاني يوم، فالعصير حياتي ومستقبل أبنائي" قال راضي، ثم استأنف بينما كان يمسح العرق عن جبينه "الوزن الثقيل أثّر عليّ، ومعي بداية (غضروف) في الظهر، وحاليا أعمل مساجات بسببه، مع ذلك، لا أستطيع أن أعمل بمهنة غيرها، فهي عشقي".
بانسياب عالٍ، ينحني راضي بينما يحمل الدلة على ظهره، فتميل معه حيث يمسك (الكاسة) فيسكب عصير التمر الهندي فيها بسرعة وخفة عاليتين، ثم يقدّمها للزبون مع ابتسامة لا تفارق محياه، كونه آمن أنها مفتاح الحبّ واستقطاب المشتري زبونًا دائمًا.
رغم أن الابتسامة عنوان راضي إلا أن بعض المواقف تستفزه "يستفزني بعض الناس من أصحاب رؤوس الأموال، يقود سيارة (عجلها) يؤمن مستقبلي، ثم (يحلبك) يفاصلك على نصف شيقل". ثم تابع راضي باستياء عمًا يستفزه، فقال واصفا بعض الزبائن المزعجين الذين ينادونه مع حركة اصبع السبابة بالقدوم إليهم "يناديني ويقول لي تعال يا بارد، تشعر أن قصده الإساءة".
راضي شاب مثابر، يبيع التمر الهندي في الشوارع، واللوز والليمون والنعنع والتمر الطبيعي في المناسبات، لكنه يصارحنا " عصير الدلّة ليس طبيعيا بشكل كامل، نص نص".
"الناس لا تحب أن تدفع ويهمها اللون والطعم لكن لا يهمها الجودة، وذات مرّة جربت وعملت عصير تمر طبيعي لأبيعه، لكن لم أبع أكثر من عشرة كاسات، فالناس لا تريد الفائدة" قال راضي.
بائع التمر الهندي، أب لبنت واحدة وولدين اثنين، يعمل على تحقيق حلمٍ لا يراه مستحيلًا "لدي طموح بأن أكون رمزًا في مجال عملي وأصبح من أصحاب رؤوس الأموال".