المرصد لوزير الزراعة: استثمروا في الثوم والتمور والحمضيات
نشر مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد) ورقة سياسات جديدة ضمن سلسلة أوراق يعدها حول الإنتاج المحلي والانفكاك عن الاقتصاد "الإسرائيلي"، وكان المرصد قد نشر ثلاثة أوراق سابقة تناولت الإنتاج المحلي وقطاعات إنتاجية مختلفة مثل صناعة الأدوية والأعلاف، لتكون هذه الورقة الرابعة والتي تحمل عنوان "الزراعة النباتية الطازجة في فلسطين".
وأشارت الورقة الجديدة إلى أن قطاع الزراعة قد تراجع بشكل ملموس، وأن الأراضي الزراعية تتآكل بفعل سياسات الاحتلال، فمساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي كانت 36% في سبعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى 3% فقط في العام 2017. مما يشير إلى تراجع خطير في منظومة الزراعة والإنتاج المتعلق بها، ومما يعني بالضرورة أن على الحكومة مراجعة مجمل سياساتها وممارساتها تجاه قطاع الزراعة في فلسطين.
وقالت ورقة المرصد أن كأكموسمية التخطيط لتنمية الزراعة الفلسطينية، وعدم الديمومة فيه لمراكمة وتحقيق انجازات على المدى البعيد، ينعكس في تذبذب وعدم ثبات مستويات الإنتاج وتحقيق الأهداف التي يطمح لها هذا القطاع الهام، والمتمثلة في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن بعض المنتجات المستوردة خاصة من الكيان الصهيوني، والتي بالإمكان إنتاجها محلياً. فمثلاً، يتم استيراد ما قيمته 8.2 مليون دولار من الثوم الناشف، وبمعدل سعر صرف 3.6 شيقل للدولار تكون القيمة بالشيقل 29.5 مليون شيقل. وحسب بيانات الاحصاء الفلسطيني للعام 2017 فإن معدل سعر كيلو الثوم الجاف حوالي 12 شيقل، وتكوّن الكمية المستوردة من الثوم حوالي 2458 طن، وهذا المنتج بالإمكان إنتاج جزء منه محلياً إن لم يكن جميعه، إذ بالإمكان الاستيراد من مصادر بديلة غير دولة الكيان، هذا يتضمن استثمار للأراضي وتشغيل للأيدي العاملة وتعزيز للقطاع الزراعي.
ويرى المرصد أن هذا التحليل ينسحب على كافة المحاصيل التي بالإمكان إنتاجها محلياً، مثل الحمضيات واللوز والبرقوق والخوخ والمشمش والموز وغيرها، ولكن هذه العمليات يجب ألا تعتمد ذات الأساليب الحالية في الزراعة، وإنما إدخال التقنيات الحديثة لرفع الجدوى الاقتصادية، كذلك جمع المزارعين في تكتلات على شكل تعاونيات زراعية للاستفادة من الزراعة بمساحات كبيرة والاستفادة من وفورات الحجم عند الإنتاج بمثل هذا التوجه الممنهج والمخطط له مسبقاً.
وأكد المرصد أن غياب سياسات تطوير الزراعة المستدامة يتمثل في غياب استهداف محاصيل كانت فلسطين رائدة في انتاجها وأصبحت تستوردها بكميات كبيرة مثل الثوم والموز والتمور والحمضيات واللوزيات (برقوق ودراق ومشمش وغيرها)، ففي عام 2017 تم استيراد بما يقارب 16.6 مليون دولار من التمور، و11.9 مليون دولار برقوق، و12.7 مليون دولار من الموز، وبحوالي 8.2 مليون دولار من الثوم الناشف، وبحوالي 1.7 مليون دولار من الرمان، و15.6 مليون دولار حمضيات، جميع هذه الأصناف بالإمكان الاستثمار فيها وإنتاجها فلسطينياً.
ويرى المرصد أن هنالك فجوة كبيرة بين الواردات والصادرات الفلسطينية الزراعية من وإلى دولة الاحتلال الصهيوني، حيث تشكل الواردات حوالي ستة أضعاف الصادرات الزراعية، بعجز يبلغ حوالي 298.1 مليون دولار. وبعبارة أخرى أن الطلب المحلي على السلع الزراعية يفوق المعروض منها من الإنتاج المحلي بدرجة كبيرة، هذا العجز يمكن تقسيمه إلى نوعين: الأول منتجات يصعب إنتاجها محلياً نظراً لعدم ملائمة الأراضي المتاحة والظروف الجوية الملائمة والموارد المتاحة وارتفاع تكليفها مثل الذرة والافوكادو والتفاح، والنوع الثاني منتجات بالإمكان التوسع في إنتاجها محلياً مثل الثوم والتمر والموز والحمضيات بأنواعها والبرقوق والدراق والرمان، هذه أمثلة على أهم السلع الزراعية.
وفي ذات الإطار، قدم مرصد السياسات عدداً من التوصيات للحكومة الفلسطينية لضرورة وأهمية تنمية القطاع الزراعي، وكانت على الشكل الآتي:
- توفير تخطيط شامل للمساحات وأنواع المزروعات وكيفية التسويق، بإشراف فعال من الوزارات ذات الاختصاص، وليس شكلياً كما هو معمول به حالياُ، وإنما ضمن استراتيجية تغيير طويلة الأمد وبرنامج شامل.
- إعادة النظر في البرامج الحالية لمؤسسات الإقراض لقطاع الزراعة، وتوجيهها لتخدم تطوير هذا القطاع بشكل أكثر فاعلية ويتضمن الديمومة.
- المنح والمساعدات لهذا القطاع لا بد من اعادة تقييمها لأنها لم تحدث أثراً ملموساً في تطوير هذا القطاع.
- تشجيع زراعة الأراضي غير المزروعة والقابلة للزراعة خاصة البعلية منها في المناطق الجبلية وتشجيرها بحيث تساهم في الأمن الغذائي من ناحية وتحسين دخل الأسر الفلسطينية من ناحية أخرى.
- حماية المنتجات الزراعية الفلسطينية من منافسة المنتجات "الإسرائيلية" المحمية، وأيضاً من المنتجات الأجنبية، وحل مشكلة التسويق للعديد من المنتجات الزراعية من خلال: تنظيم عملية الإنتاج (كماً ونوعاً) بما يتناسب ومتطلبات السوق المحلي، وإقامة مشاريع تصنيع زراعي، التدخل في مجال الرسوم الجمركية، ودراسة إمكانية خفضها، تشجيع التعاونيات الزراعية الصغيرة وتحويلها إلى تكتلات، دون احتكارها من قبل المستثمرين وكبرى الشركات للاستفادة من وفورات الحجم.
- لا بد من تطوير بدائل لمصدر الواردات للسلع الزراعية بالتدريج من الدول المجاورة مثل الأردن أو عبرها، وهناك تجارب في هذا المجال لبعض الأصناف.
- لا بد من تطوير تقنيات الزراعة المستخدمة بإدخال تقنيات حديثة في عملية الزراعة، وتوسيع الاستثمار في مجال البيوت البلاستيكية المروية ضمن النشاط الزراعي النباتي، حيث تشير الدراسات إلى أنها تعطي أكثر من عشري ضعف الزراعة الخارجية لنفس المساحة من الأرض، نظراً لما توفره من ظروف ملائمة للإنتاج على مدار العام متجاوزة الموسمية للعديد من المحاصيل، مثل الخيار والبندورة وغيرها، وتطيل الفترة الانتاجية للمزروعات مقارنة مع الزراعة المكشوفة.
- لا بد من الاعتماد على التكامل بين الزراعة والصناعة بحيث لا يؤثر التوسع في إنتاج سلعة زراعية معينة على المزارعين من حيث الأسعار وبالتالي خروجهم من الأسواق، هذا يتطلب قيام صناعات تعتمد السلع الزراعية التي يمكن إنتاجها بكميات تفوق الطلب المحلي مثل المربى والعصائر والمجففات والمبردات.
- التوسع الرسمي في دعم استصلاح الاراضي ضمن المناطق المهمشة وزراعتها بأصناف تلائم طبيعتها بهدف زيادة الانتاج من جهة وحمايتها من الاحتلال من جهة اخرى.
- انتهاج سياسة استهداف زيادة حصة المنتج الزراعي المحلي في الأسواق المحلية وفي الصادرات الفلسطينية، لما لهذه السياسة من أثار إيجابية في رفع نسبة التشغيل وتحقيق نوع من الاستقرار في السلع الزراعية الأساسية.
- تذليل العقبة المتمثلة بمياه الري واعتماد الزراعة المروية لما لها من مردود كبير في عملية الإنتاج، وهذا يتطلب تطوير في تقنيات الري لتفادي الهدر من خلال استخدام طرق الري البدائية الحالية.
- التوسع في الصادرات من السلع الرائدة حالياً والبحث عن شركاء غير دولة الكيان الصهيوني، فمثلاً الخيار صدر منه في العام 2017 إلى الاحتلال حوالي 31 مليون دولار، لتقوم عليه صناعة المخللات التي تستحوذ على قيمة مضافة عالية، يعاد تصدير جزء منها إلى الاسواق الفلسطينية كمنتج صناعي بأسعار مرتفعة.
- يجب محاربة تحويل الإنتاج الزراعي الفلسطيني كخادم للصناعات "الإسرائيلية"، مصدر لتوفير المدخلات ومود الخام والعمالة الرخيصة.