قصة تحدٍ
الكفيف محمد وجدله جدائل الحياة بالخيزران
الخليل- رايــة: طه أبو حسين
آيات الإعجاز أكثر من محاولة حصرها بعدد يكتب أو يلفظ، وأعجزها تلك التي نراها ولا ندرك أنها كذلك، كالعشريني محمد أبو داود الذي حُجِبَ عنه البصر ورُزِقَ ببصيرة أحسن تطويعها كما أحسن تطويع حبال الخيزران وجدلها كجدائل فتاة شقراء تتنطنط فرحًا بجديلتها التي تطير ورقصتها حياة.
في ورشة متواضعة، تعجّ بعصيّ الخيزران وحباله، يقف الكفيف محمد أبو داود "22 عاما"، يتحرك بحرية في مساحة يدرك تفاصيلها كما لو يراها، يربط طرف حبال الخيزران في ماسورة حديدية، ثم يبدأ بجدلها بين أصابع يديه بسرعة واتقان كبيرين، قبل أن يدفع بها إلى زملائه ليجدل أخرى.
"أعمل منذ عام 2017 في مشغل الأقصى للخيزران، تطور عملي، فأنا أعمل على تجديل الحبال، نحضر تسع أحبال ونشبكهم ببعض، ثلاثة فوق ثلاثة، أو على ستة؛ اثنين فوق اثنين، ومن ثم أسلمه لزملائي لاستخدامه في تزيين المقاعد والطاولات وغرف النوم وغيرها" قال محمد.
"أعمل فقط على الجدلة، وجميعها مرتبة وتأتي على مسطرة واحدة دون أي عوج" قال محمد بينما كان يجدل جديلة الخيزران بين يديه والإبتسامة لا تفارق محياه، ثم استأنف " كل عملي يدوي، فلا يحتاج للنظر، فأنا أعتمد على يدي وبصيرتي لفقدان بصري".
لعلّ الشغف سرّ إتقان محمد جدل الخيزران كما يقول " أحب عملي، لأنها مهنة فنية، وهي مصدر رزقي ومن خلالها أسست حياتي وسأبني مستقبلي وأسرتي".
محمد رزق بطفلة حديثة الولادة، سمّاها (روند)، يعمل في مهنة الخيزران منذ عامين أو يزيد في ورشة (حاتم حريز) الذي يعمل في هذه الحرفة منذ أكثر من عشرين عامًا.
حاتم حريز، (47 عامًا)، صاحب ورشة الخيزران، يقول "ورشة تصنيع الخيزران، فنية مهنية يدوية، فيها 6 أشخاص يعملون، بعضهم يعاني من إعاقة بصرية، فالمهنة لا تحتاج لأدوات، فقط يلزمنا النار، حتى يلين الخيزران ويتم تطويعه للشكل المطلوب".
الخيزران يعني القوة والمتانة والمرونة والتحمل كما يقول حاتم الذي شبّه نفسه بالنبتة التي زرعت في أرض هذه المهنة ولا يقوى على تركها. "الخيزران يساعد الغير مبصرين للعمل فيه، فبعضهم يشتغل بالتجديل مثل محمد والبعض في أمور معقدة أكثر".
"محمد وضعه ممتاز، فلم أتوقع أن ينجح بهذا النجاح، توقعت أن يأخذ مدى زمني أطول في التعلم، ففي البداية وجد صعوبة كبيرة، لكن سرعان ما أبدع وتميز في عمله وتحديدا التجديل الذي يعتبر تخصصه في الورشة" قال حاتم صاحب الورشة التي تنتج (المقعد، سرير الأطفال، الكرسي الهزاز، غرف النوم، طاولات السفرة ومقاعدها وغيرها).