سلسلة "ذاكرة"
زهرات طمون يجمعن روايات شفوية ناطقة
جمعت زهرات طمون شهادات شفوية من أجدادهن، وأعدن عجلة التاريخ إلى القرن الماضي، ورسمن صورة بلدتهن قبل عقود.
وسردت الحلقة الثانية من سلسلة (ذاكرة) الخاصة بمبادرة (مؤرخات صغيرات)، التي أطلقتها وزارة الإعلام، وهيئة التوجيه السياسي والوطني، بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم، نهاية الخريف الفائت، عدة روايات شفهية، وثقّها فريق "بنات طمون الثانوية".
ووفق رحيق بني عودة، فإن جدتها السبعينية شهيرة، آثرت تقنين مستلزمات عرسها، حتى يتمكن زوجها من شراء دابة لحراثة الأرض في الأغوار وسهول طمون.
وتابعت على لسان الجدة: كان مهري 50 جنيهًا، وأحضرت ملابسي في صندوق خشبي، وساعدت زوجي عبد الكريم في الحصاد والأرض، وحين وقعت النكسة، تركني 3 سنوات، ورحل إلى الأردن، ثم عاد.
ونقلت رماح بني عودة عن جدتها صبحية محمود عيسى: لما وقعت النكبة، كنت ابنة 8 سنوات، وعملت في الحصاد، وبعت الماء الذي كنت أحضره من بئر النفقين.
وتابعت رماح: كانت جدتي تضع الملاّت المثقوبة من منتصفها (الجزء من الجنيه) في عقد تتباهى به أمام بنات جيلاها. وحين وقعت النكبة، التقت بأناس أجبروا على ترك قراهم قرب حيفا ويافا وبيسان، وأقاموا خيامًا في محيط طمون.
وأضافت: تختزن جدتي الهتافات التي أطلقت في مسيرات أعقب رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، عام 1970، ومنها التي دعت إلى الإضراب العام، وقالت: "سكّر يا قليل الدين..راحت منك فلسطين".
واقتبست سلوى بشارات عن جدتها رسمية الصادق، 85 عامًا: كانت طمون بلا ماء ولا كهرباء، وكنا نذهب إلى لجمع المياه، ونحملها على رؤوسنا في جرة فُخّار من مسافات بعيدة.
ومما روته الجدة: سيرة أحمد المحمود (أبو جلدة) الذي اعتبر بطلًا قاوم الإنجليز، ودخل إلى الأغاني الشعبية كحال" قال أبو جـلـدة وأنا الطموني ... كـل الأعادي ما بهموني". وأضافت: كانت أي سيدة تريد تخويف ابنها، تهدده بإخبار أبو جلدة عنه، فيسكت.
وجمعت سلوى عن جدتها، ما حفظته من أغنية شعبية قالت: "من كل الدول ماني مهمومة، واجت عسكر مع الحكومة، حسن أفندي وما زقطوني".
وحسب شهد بني عودة، فإن جدتها الثمانينية سعيدة، لا تكف عن ترديد قصة النكسة، حين وقف زوجها سليمان، ومنعها من الهجرة، وأصر على إعادة كل من يراه، وهو يحاول اجتياز الشريعة (نهر الأردن).
وقالت سرين بني عودة إن جدتها ندى، 85 عامًا، لا زالت متمسكة برواية القصص الشعبية لأحفادها، فتحكي لهم "نص إنصيص والغولة"، و"سيرة أبو جلدة"، و"النكسة"، ومحطات انتفاضة عام 1987، ولحظات اعتقال جيش الاحتلال لأبنائها.
ووثقت هيام بشارات رواية جدتها نوفا، حول الأفراح ومشاركة كل نساء البلدة فيها، وتتبعت أغانيها الشعبية، وذكريات الحصاد والعونة، ومشاركة الأقارب والجيران في زوادة العمل.
ونقلت خولة بني عودة، عن جدتها التي تحمل الاسم نفسه: في يوم العرس كانت كل 5 نساء يتغطين بعباءة واحدة، فيما يركب العريس على حصان أبيض، وخلال صمدة العروس، كانوا يسلقون لها بيضتين وتأكلهما؛ حتى تبقى بيضاء في وجه زوجها.
وجمعت رغد ونورا ورمام بني عودة حكايات جدتهن الثمانينية نعمة، التي تحدثت عن زواج البدل، وزفة العريس، والأغاني الدارجة خلال الحصاد، والزي الشعبي السائد من ثوب وحزام وقبعة.
وذكر المفوض السياسي والوطني، العقيد محمد العابد أن السلسلة تساهم في إنعاش الذاكرة، وتعيد بناء القصة الوطنية بتفاصيلها الدقيقة، وتشجع الصغيرات على الاهتمام بجمع الأحداث الماضية، من الشهود عليها، كما تتوقف عند محطات تاريخية لافتة.
وأشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار، عبد الباسط خلف، إلى أن" مؤرخات صغيرات" يستهدف إضافة إلى طمون، عين البيضاء في الأغوار الشمالية، ومخيم الفارعة، ويتقاطع مع سلسلة "ذاكرة لا تصدأ"، الذي تنفذه الوزارة منذ ست سنوات، وشهد توثيق قصص القرى المدمرة عام 1948، وتفاصيل الحياة فيها كمواسم الزراعة، ورمضان، والأعياد، والأفراح، والمهن، والمدارس والكتاتيب، والتجارة، ولحظة الاقتلاع المرة.
وقالت المعلمة المشرفة سماح بني عودة إن البرنامج يسعى إلى صون الإرث القديم، وينقل للأجيال الجديدة صورة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية الماضية، ويسلّط الضوء على العادات والتقاليد التي انقلبت رأسًا على عقب.