"المنسق" يبتلع مهام "الشؤون المدنية" ويبيع الوهم للفلسطينيين
خاص – راية
خلال السنوات الأخيرة عززت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من توجهاتها لتسلم الدور الإداري والمدني في الضفة الغربية، لتحل محل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
وبات ما يعرف بالمنسق الإسرائيلي لشؤون المناطق يروج لعودة ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية، مع تهميش دور وحضور هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية التي يفترض أن تضطلع بدور الجهة التي تعنى باحتياجات الفلسطينيين المتعلقة مع الجانب الإسرائيلي.
ووفق تعريف هيئة الشؤون المدنية الذي جاء في موقعها، فإنها تأسست بعد اتفاق السلام كمؤسسة تهتم بكافة القضايا المدنية الفلسطينية التي لها علاقة أو تخضع لسيطرة الجانب الإسرائيلي، لكن بعد 25 عام من اتفاقية أوسلو ما يحدث الان هو التعامل المباشر بين المواطن الفلسطيني والإدارة المدنية الإسرائيلية، واقع يضع دور الجهات الفلسطينية محط تساؤل بارز.
انتقاء الخطاب والجهات المستهدفة
في ظل توجه سلطات الاحتلال لاستخدام مواقع التواصل في التأثير على الرأي العام سواء الفلسطيني او العربي، ظهرت صفحة "المنسق" التي تنشر منشورات يومية باللغة العربية وتركز على الطابع الخدماتي وتصاريح العمل والعمال والبنية التحتية، مستهدفة بشكل أساسي فئة واسعة من المجتمع الفلسطيني.
ويبدو من خلال المنشورات التي بغلب عليها طابع التودد للمواطن الفلسطيني، أن الإدارة المدنية الإسرائيلية هي التي تدير زمام الأمور في الضفة.
في آخر منشورات الصفحة جاء التالي: "في اطار تطوير الزراعة الفلسطينية واستعمال المياه المكررة للزراعة قام سمير معدي منسق شؤون الزراعة في الادارة المدنية، بزيارة ولقاء مع ادارة المحطة لتنقية المياه العادمة في نابلس وبلدية نابلس بمشاركة مدير عام صندوق التعاون الاقتصادي (ECF) وطاقمه والدكتور عادي ناعلي مدير مجلس الزيتون في اسرائيل".
مثل هذه الإعلانات وغيرها الكثير تنشر باستمرار من قبل "المنسق"، للحصول على ثقة المواطن الفلسطيني عبر استغلال هامش التنسيق مع الجانب الفلسطيني، في حين يشوب التضليل غالب إعلانته، كونها مجرد دعاية لا أكثر.
وما يحدث فعليًا هو تهميش الدور الفلسطيني المنوط بهيئة الشؤون المدنية وإبراز الدور الإسرائيلي.
يقول مدير عام الإعلام والعلاقات العامة في هيئة الشؤون المدنية وليد وهدان إن الهيئة العامة للشؤون المدنية تعنى اساسا بتنظيم وترتيب العلاقة مع الجانب الإسرائيلي.
ويضيف وهدان لـ"رايــة"، إن عمل الهيئة يمتد الى كافة مجالات الحياة، الاقتصادية، الصحية، البنية التحتية، القطاع الخاص، وليست مقتصرة فقط على التصاريح.
لكن، تدخل الإدارة المدنية الإسرائيلية وما يعرف بالمنسق يصل لأمور خدماتية وجزئيات خاصة بالمواطنين الفلسطيني دون التطرق لذكر هيئة الشؤون المدنية، وعلى سبيل المثال، جاء في صفحة المنسق خلال الاسبوع الفائت، عديد المنشورات التي تتعلق بالخدمات من بينها، "تكللت خلال يوم السبت الماضي أعمال إصلاح خط المياه الذي يخدم سكان قرية زعترة بنجاح".
"إن الإدارة المدنية تعمل بأقصى سرعة ممكنة على إيجاد حل لمشاكل تزويد السكان بالمياه في #يهودا_والسامرة، قال في هذا السياق منسق شؤون المياه، روعي أساياغ"، وفقا لما جاء في المنشور بالنص الحرفي.
ويقول نشطاء ومراقبون أن حضور المنسق طاغ في مسائل مدنية فلسطينية.
في المقابل تشهد شبكات التواصل غياب شبه تام لهيئة الشؤون المدنية الفلسطينية التي تنشر عشرات المكاتب في مدن وقرى الضفة، وعند متابعة صفحة الهيئة على فيسبوك، تجد أنها تنشر كل اسبوع مرة، وغالب منشوراتها لا تتعلق بأمور خدمية للفلسطينيين، بل تقتصر على لقاءات الوزير وزياراته.
بعكس صفحة المنسق التي تعد واجهة الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تنشر باستمرار وعلى مدار الساعة في مواقع التواصل وتروج لتقديمها خدمات هي في الغالب تضليلية، لكن ذلك لا يعني أنها تكسب مزيدا من الثقة، مستغلة عدم إدارك المواطنين أحيانا.
فمثلا، عندما تعلن الصفحة عن "حملة لرفع المنع الأمني" عن العمال، تتهافت التعليقات بينها تعليقات شكر ومطالب من المنسق، وعندما يتوجه العمال لمكتب الارتباط الاسرائيلي يجري التعامل معهم بشكل مباشر من قبل ضباط مخابرات الاحتلال، إلا أنهم يكتشفوا بعد فترة أن المنع الامني قائم والإعلان عن الرفع كان كاذبًا.
ويُرجع مواطنون توجههم لمكاتب الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى حاجتهم الماسة لبعض المعاملات، خاصة التصاريح.
أين دور هيئة الشؤون المدنية؟
قد يتسائل مواطنون حول الدور الفعلي لهيئة الشؤون المدنية، خاصة وأن قسم منهم يتوجه بشكل شخصي لمكاتب الارتباط الاسرائيلي لبعض المعاملات والخدمات.
يقول وهدان: "ليس لدينا القوة لمنع المواطنين من التوجه للإدارة المدنية الاسرائيلية، لكن هناك جهات لها الدور في التعامل مع من يروج للتعامل مع الإسرائيليين".
ويشير إلى أن مكاتب الهيئة تتوزع في كافة محافظات الوطن في الضفة وقطاع غزة، كما توجد لها مكاتب داخل بعض القرى مثل بدو وابو ديس والعيزرية لتعزيز العمل وتكثيفه.
لكن عشرات المكاتب المنتشرة يبدو أنها لا تنجح في إبعاد المواطن الفلسطيني عن التوجه إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وعما إذا كان المنسق الإسرائيلي يطرح نفسه بديلا شيئا فشيئا، عن الهيئة، يقول وهدان: "نلمس من فترة ليست قصيرة أن هنالك محاولة من قبل الاسرائييليين لإعادة ما يسمى بالإدارة المدنية، وهذا بدأ منذ فترة وجود يواف مردخاي".
ويضيف: نلمس ذلك على شكل دعوات للمواطنين للتوجه إلى مكاتب الإدارة المدنية الاسرائيلية.
"نحن نحذر المواطنين من مخاطر ذلك، وكل ما يقال على صفحة المنسق هو أكاذيب"، قال وهدان.
ويلفت إلى ان هناك اتفاقا موقعا، يحدد العلاقة مع الاحتلال في الأمور المدنية من خلال الارتباط الفلسطيني لكن اسرائيل تخرق الاتفاقيات.