يكسب بها قوت عائلته
عربة "نظام" الخشبية على شارع الخليل
الخليل- رايــة-طه أبو حسين
عربة خشبية، بعجلات ثلاث، ويدين اثنتين، ومرآة واحدة، تظهر عليها علامات الجهد والتعب الكبيرين بعدما مسحت عقود العمل الطويلة عنها قشورها الظاهرة، غير أن القصة لا تدور حولها تمامًا، وإنما حول الستيني الذي يدور بها شوارع مدينة الخليل منذ 30 عامًا، فتطابقت عناصر الكهولة بينهما، ومع ذلك يكابران معًا لتجاوز منشار الحياة والوقوع في مفرمة عوز الآخرين.
عند مفترق باب الزاوية وسط مدينة الخليل، عاكست مرآة عربة الستيني نظام النتشة عيني مع أن الغبار أخفى جزء جيدًا من معالمها كخصال جميلة حجبت بعض محياها، فأحكمت قبضتها على فكرتي حتى سحبتني إلى صاحبها الذي يعمل على عربته الخشبية ذات العجلات الثلاث منذ مطلع صباح كل يوم حتى مغيب الشمس، سعيًا لتحصيل لقمة عيشه وأسرته.
الهواء الشرقي أكل ما أكل من يدي نظام بينما يجرّ عربته لا سيّما في فصل الشتاء وخشونته فترة "المربعانية"، والأوزان الثقيلة للبضاعة التي ينقلها إمتصت سنين عمره وكثير جهده، وكل ذلك لهدف يتيم يلخصه نظام " أعمل وأتحمل التعب حتى لا أمد يدي للغير وآكل وأولادي من عرق جبيني".
النتشة له زبائن من أصحاب محال تجارية ينقل لهم بضاعتهم من المخازن للمعارض، كما أنه ينقل للمواطنين ممن يشتري الخضار والفواكه وغيرها من المواد التموينية، من مكان الى آخر مقابل شواقل معدودة تعينه على سدّ حاجته الى الغير.
عربة نظام، ترخرخت بعض الشيء، وأصابها بعض الترهل، فدعمها صاحبها ببعض الدعائم الخشبية حتى لا تسقط كلّها، فتسقط وسيلة رزقه وأسرته رغم أن العمل غير مجدٍ كما يصفه، لكن قلة الأشغال تدفعه لذلك. أما هو فداعمه خالقه فقط كما يقول الى جانب إرادته الصلبة ورغبته باستكمال مشوار الحياة رغم قسوتها.
العربة كان لها مرآتان، سقطت احداهن منذ زمن لا يدري عنه نظام، وبقيت واحدة يتيمة ترافق صاحبها. "كنت أعمل في مهنة البناء داخل الأراضي المحتلة، واليوم لا نستطيع الدخول، والتهريب نتعرض للضرب، فيذلونا، وأنا لا أقوى على ذلك".
"لا نكهة حلوة للعمل مطلقًا، فقط أعمل حتى لا أمد يدي للغير، فالوجع على القدمين والكتف والجسم ككل كبير، وأنا تعبت جدا" قال نظام.
في رصد انعكاسات الحياة بعيني نظام، ووضعها على كفتي الميزان قال "تعامل الناس معي جيد، لكنهم يفاصلوني كثيرًا بتسعيرة نقل العربة وهذا مزعج جدا".
نظام كان يعمل في الحسبة القديمة التي أكلها الاستيطان كلّها، ويقول أن العمل بها كان أفضل ومثمر أكثر " لأنه لم تكن موجودة عربات الشبك، فهم يحملون بيشقلين ثلاثة، وهذا لا يناسبنا كعربات خشب، فأقلها 7 شواقل نحن. فالحمل يكون بالخسارة، والناس كلها تطلع فقط لمن يأخذ شيقلين حتى لو الحمل كان كبير جدا".