تقارير خاصة
طبيب العيون عاشور يوجعه الفقر والإهمال
الخليل- رايــة: طه أبو حسين-
يقال أن العينين مفتاح الإنسان، غير أن الوقوف عندهما لا يكون لأيٍ كان، فبالكاد يستطيع المرء أن يتأمل عيني حبيبه، إلا أنه لا يستطيع التبحر فيهما كيفما يشاء لأمرٍ يرتبط بـ "الحياء" حتى من أقرب المقربين، ولا يستثنى من ذلك إلا واحدًا، له كلّ ما يمنع عن الآخرين، يغرق بتفاصيلهما ويتلمس الفرح والحزن فيهما، إنه "طبيب العيون".
فاروق عيسى عاشور، دكتوراة طب وجراحة العيون، من مدينة الخليل، يتعامل مع مرضاه والمراجعين على أساس قاعدتين "الأولى المريض بحاجة لرعاية صحية من ناحية الكشف الطبي، والثانية الرعاية النفسية، فالمريض بحاجة لابتسامة وكلمة طيبة ومن يسمع له بالتفصيل، فجزء كبير من وقتي قد يذهب في سماع المريض وهذا جزء أساسي أيضا بالتشافي كونه بحاجة لمن يسمعه ويطبطب عليه كونه انسان".
"طب العيون منظار الحياة، نافذة الإنسان للحياة والبيئة من حوله، وهي باب من أبواب المعرفة، بالتالي جزء أساسي من مكونات الحياة، فطب العيون سمفونية كاملة نحافظ عليه من أجل البشرية". قال عاشور الذي أضاف "العيون عنوان للمشاعر والخوف والخجل والسعادة وتقال بكلماتنا الشعبية (شايف الفرحة بعينه)".
بينما كان عاشور في عيادته، دخل عليه زوجين وطفلتهما التي أحضرت لإجراء فحص، فكانت قد امتنعت عن النظر في وجه الطبيب، غير أن خفته وطريقته التي بدأت بالابتسامة ومرّت باصدار أصوات مختلفة كالعصفور ثم تقديم قطعة حلوى صغيرها لها دفعها للامتثال لطلبه راضية.
"سر محبتي للمهنة، أرى فيها الجمال والاناقة والهدوء والبساطة والدقة، فأنا أشعر نفسي داخل سمفونية جميلة تعزف على ألحان رقيقة هادئة، لا أشعر بالوقت خلال عملي لشعوري بالجمال الذي أعيشه، وقد يكون كوني أتعامل مع مريض تنتقل نفسيته بشكل سريع خاصة عندما أستطيع رسم الابتسامة على وجهه التي تساوي بالنسبة لي الدنيا وما فيها" قال عاشور.
في السؤال عن أكثر الأمراض المنتشرة في الخليل والتي تصيب العينين تحديدًا، ردّ عاشور "أكثر الأمراض المنتشرة في الخليل وبنسب أعلى من النسب العالمية بكثير، مرض القرنية المخروطية، وهو مرض يسبب تراجع مستمر في النظر، ويظهر في مرحلة الفتوة من سن العاشرة حتى العشرين تقريبا، وهذا المرض خطير بحاجة لتوقيف، لأنه قد يؤدي لشبه عمى أو فقدان للنظر إذا لم يعالج".
لم يكن مرض القرنية المخروطية وحده المنتشر في الخليل، فعاشور أشار بأن مضاعفات مرض السكري ومضاعفاته على العين بسبب الإهمال في متابعة الطبيب كبيرة. موضحًا "مرض السكري لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، فقط يظهر بالكشف الطبي الدقيق".
أما عن مستوى الطب في فلسطين والخليل على وجه الخصوص خلال السنوات العشر الأخيرة، قال عاشور "عندنا أفضل الأجهزة والمراكز وعدد ممتاز من الأطباء، فنحن نجري تقريبا 99% من عمليات العيون في الخليل دون إنتقال المريض لأي مكان آخر لوجود الكفاءات ونوعية الأجهزة الحديثة".
أما ما يوجع عاشور "يوجعني الفقر وعدم مبالاة المريض. فالفقر عند مئات الحالات يقف حاجز دون العلاج أو السرعة من علاجه. بينما اللامبالاة تؤلمني لأن المريض رغم التشخيص لم يفعل شيئا، بل ازدادت حالته سوء وخسر جزء من بصره ولا يمكن استعادته بعد ذلك".
في كلّ زاوية من زوايا الحياة، منصات فرح، وأكثر ما أفرح عاشور في تطبيبه لعيون مرضاه "أكثر موقف أسعدني في مهنتي شاب عمره 21 عاما، يعاني من ضعف شديد في النظر، وكان على مدار ست شهور لا يرى في عينيه إلا ضباب، أعطيته علاجات معينة، وشخصيا توقعت أن ينتقل من رؤية الضباب الى رؤية أصابع اليد، الحد الأدنى من الرؤية الطبيعية، بواقع 6/60 بنسبة 5%، فوجئت بأنه أصبح يرى بنسبة 6/6، فأنا ذهلت وسعدت جدا".
يرى عاشور أن إهمال الناس وعدم اتخاذهم قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج قد يكون السبب الأبرز الذي يؤدي لعشرات أنواع المضاعفات في العينين.