الازدحام المروري.. أسبابه وطرق الحل "تكنولوجيا وابداعيا"
الازدحام هو أسوأ ما يواجه السائقين في حياتهم اليومية، سواء من حيث التأخير في الاختناقات المرورية صباحاً عند الذهاب إلى العمل أو بما تسببه من إزعاج عند اكتظاظ الطرق بالسيارات في الأعياد والعطل الرسمية.
وتعتبر الازدحامات المرورية ظاهرة عالمية قلّ أن تخلو منها عاصمة من العواصم أو بلد من البلدان، وتسعى الدول دوماً إلى معالجتها بمختلف أنواع الحلول.
أضرار الازدحامات المرورية
تساهم الازدحامات المرورية في تلوث الهواء بنسبة كبيرة ما ينعكس سلباً على المناخ وعلى صحة الأفراد، فكما أشارت دراسات الباحثين في مركز "تحليل المخاطر" التابع لجامعة (هارفرد) ، فإن الاختناقات المرورية في أكبر 83 مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن ما يزيد على 2,200 حالة وفاة مبكرة في عام 2010 ، وتضيف عبئاً يقارب 18 مليار دولار على ميزانية الصحة العامة.
وهنالك أيضاً الأثر الاقتصادي المتمثل في كلفة الساعات الضائعة (سواء للعمل أو لوقت الفراغ) وفي تأخير وصول البضائع المشحونة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن السائق العادي يمضي 42 ساعة سنوياً في الازدحامات المرورية سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني إضاعة أكثر من 121 مليار دولار من الوقت والوقود الضائع.
أسباب الازدحامات المرورية
يُصر العديد من الناس على قيادة سياراتهم بأنفسهم بدلاً من مشاركة الآخرين أو استخدام وسائل النقل العام ، فيما تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من ثلث السائقين على الطرق يبحثون عن مكان ليركنوا فيه سياراتهم، وبالتأكيد فإن ازدياد أعداد السيارات وضيق الطرق من الأسباب الواضحة ، إلا أن بعض الازدحامات المرورية قد تظهر نتيجة للخطأ البشري ، وبصراحة فمعظمنا ليس سائقاً مثالياً ولا بد أن البعض يرتكب عدداً من الأخطاء أثناء القيادة كالتجاوز الخاطئ على سبيل المثال ما يؤدي إلى إرباك حركة المرور.
وفي دراسة أجرتها مؤسسة جورجيا التكنولوجية، ألقى الباحثون باللائمة على نوعين من السائقين، النوع الأول هو السائقون العدوانيون الذين يسيرون بسرعة أكبر من اللازم ويقتربون كثيراً من السيارات أمامهم ، والنوع الثاني السائقون “الخجولون” أو الكسالى الذين يتركون مسافة كبيرة بينهم وبين السيارة في الأمام ، حيث يتسبب كلا النوعين في مفاجأة السائقين ويجبرونهم على استخدام المكابح ما يزيد من الإرتباك المروري ويؤدي إلى توقف حركة السير.
حلول الازدحامات المرورية
وبالطبع فإن الازدحامات المرورية ليست بالأمر الجديد ، فخلال ازدهار صناعة السيارات في الستينيات حاول مخططو المدن معالجة هذه الظاهرة من خلال حل وحيد، وهو بناء المزيد من الطرق وتوسعتها ، إلا أن الأمر لم يلاق النجاح المتوقع ، فكلما شُقت المزيد من الطرق جذبت الطرق الجديدة المزيد من السيارات، فعلى سبيل المثال، أظهرت نتائج دراسة أجريت في ولاية كاليفورنيا الأمريكية عام 1997 أن السيارات ستملأ أكثر من 90% من أي توسعة إضافية على حجم الطرق في أقل من 5 سنوات.
الحلول التكنولوجية
وبما أن عدداً كبيراً من السائقين على الطريق يبحثون عن أماكن للاصطفاف، تحاول بعض المدن التخلص من الازدحامات المرورية من خلال أنظمة تستخدم مستشعرات إلكترونية لتخبر السائق ما إذا كان مكان الاصطفاف الذي يحاول ركن سيارته فيه شاغراً أو مشغولاً بسيارة أخرى، وعند ربط هذه المستشعرات الذكية بنظام يُرشد السائقين إلى أماكن اصطفاف فارغة فمن المرجح أن يساهم هذا الاختراع في حل الأزمات المرورية.
وقد بدأ استخدام هذه المستشعرات للمرة الأولى في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية تلتها مدينة لوس أنجلوس، فيما قررت روسيا استخدام نظام أماكن الاصطفاف الذكية قبل عامين لتوفر ما يزيد على 20 ألف مكان اصطفاف يمكن لهذا النظام إرشاد السائقين إليه ، ولتكون بذلك أكبر مدينة توفر أماكن اصطفاف ذكية في العالم.
وفي نفس الوقت عمدت بعض المدن إلى استخدام تكنولوجيا أكثر تطوراً ، تعتمد على التواصل اللاسلكي بين السيارات ، بحيث يمكن للسيارات التواصل فيما بينها أوتوماتيكياً لتنسيق حركة السير ، وتكمن أهمية هذه الطريقة في تجاوزها لمسألة الخطأ البشري ، بينما يرى البعض أن الحل الوحيد للتخلص من الازدحامات المرورية هو التحول إلى القيادة الآلية بالكامل بحيث تقود السيارة نفسها بنفسها دون أي تدخل من السائق، وقد شاهدنا الكثير من السيارات ذاتية القيادة مؤخراً عزيزي القارئ، كسيارة جوجل المبتسمة و سيارات أودي و مرسيدس.
حلول إبداعية
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها هذه الوسائل إلا أن حل الأزمات والازدحامات المرورية قد يحتاج إلى معالجة من نوع مختلف تعتمد على مقاربة سيكولوجية لنفسية السائقين، وهنا لا يفوتنا أن نذكر ما نجحت مدينة ستوكهولم في تنفيذه من خلال نظام يفرض رسوماً مالية على استخدام الطرق، فبعد فرض رسوم بمقدار 2 يورو فقط انخفض عدد السيارات بنسبة 20% في ساعة الذروة.
قد لا يبدو العدد كبيراً، ولكنه كان كافياً لإحداث فرق ملموس في حركة السير ، وكما يوضح (جوناس إلياسون) أحد مصممي برنامج التسعير الشهير، فإن فلسفة هذا النظام تقوم على توفير حافز للسائقين للابتعاد عن الطرق المزدحمة دون أي تدخل في التفاصيل، حيث يتمثل الحافز في تجنب دفع الرسوم المالية، وكما يظهر في الصور يبدو أن هذا الأسلوب النفسي آتي أكله بالفعل؛ حيث تعرض الصورة على اليسار أحد الطرق في مدينة ستوكهولم قبل يوم من فرض الرسوم المالية ، بينما تُظهر الصورة نفس الطريق في اليوم الأول لفرض الرسوم
وفي الحقيقة، فإن أساليب معالجة الازدحامات المرورية في المدن قد تحتاج إلى وقت طويل – على الأرجح – قبل أن تأتي بنتائج ملموسة ودائمة، ولكن ما حققته هذه التجارب والمحاولات السابقة يدفعنا إلى التفاؤل بإمكانية التوصل إلى حل جذري لهذه الظاهرة المزعجة في المستقبل القريب، أو على الأقل تخفيف حدتها لتكون أقل إزعاجاً.