فيديو وصور
"سرايا غزة" مأوى للفقراء يتسع للجميع!
غزة – راية: سامح أبو دية
بما تبقى لها من أغطية وقطع القماش، صنعت عائلات غزية بيوتها الجديدة في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، بعد أن تقطعت بها السبل، لتعيش وأطفالها داخل خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة البسيطة.
مراسل "راية" استوقفه مشهد أكثر من 5 خيام لا تبعد عن بعضها سوى أمتار قليلة، في تلك الساحة التي تحوّلت مؤخرا الى مأوى لمن لم يجد له مأوى، وسط تلك الظروف الاقتصادية القاسية؛ التي لم يشهدها الغزيون في السابق على الإطلاق.
بعض تلك العائلات التي صنعت الخيام وسط أكثر المناطق ازدحاما في القطاع المحاصر؛ لم تكن موجودة في ملاذها الجديد وقت زيارة المراسل (قبل الظهيرة) لعدة أسباب أهمها نظرة المارة وحرارة الجو، إضافة للبحث عن عمل ومأوى آخر، وفق ما ذكره الآخرون.
المواطن نصر الكتناني (47 عاما) كان يستأجر بيتا جنوب شرق مدينة غزة، قبل أن يطرده صاحبه بسبب تراكم الديون عليه وعدم مقدرته على دفع ثمن الايجار، يقول: "لم أجد ملجأ سوى ساحة السرايا لإيواء أسرتي المكونة من 8 أفراد (..) صنعت خيمة هناك ونعيش داخلها".
ويشير الكتناني الى أنه أسير محرر ويعاني من أمراض ولديه نسبة عجز بلغت 70%، الا أنه مستعد للعمل في ظل حالته الصحية تلك، مناشدا جميع الجهات المعنية وأصحاب القلوب الرحيمة إيجاد فرصة عمل لإخراج عائلته من "الشارع".
ورغم حالة اليأس التي تحيط بالكتناني، الا أنه يتوسل لطرفي الانقسام الفلسطيني لإنهاء تلك الحالة وتحقيق المصالحة، حتى تتحسن تلك الظروف، "ومقارعة الاحتلال الذي ينظر شامتا الى الفلسطينيين".
أسرة الكتناني لم تكن تتوقع في يوم ما أن يصل بها الحال هكذا (بين الأرض والسماء)، تقول ربة الأسرة: "لجأنا الى العيش في خيمة لا تصلح للعيش أبدا، حتى أن صاحب المنزل الذي كنا نسكن فيه حجز على الأثاث، ولم نتمكن من احضار الا القليل منه".
بعد أكثر من أسبوع على المسكن الجديد لتلك العائلة، بدأت الآثار الصحية تتكشف على الأطفال، تضيف: "الأمراض تفشت بين أطفالنا، خاصة الرضيع (..) في النهار أشعة الشمس تجلب الحشرات، وفي الليل يجلب البرد أمراضا صحية خاصة في مثل تلك الأوقات من العام".
الطفل يوسف (12 عاما) لم يحضر الى مدرسته منذ أسبوع، وبات يقضي يومه في تشييد المأوى الجديد لأسرته، يغطي الثغرات الظاهرة في خيمته، ويلبي احتياجات أمه وأشقائه ما استطاع.
وعند سؤاله عن سبب امتناعه عن الدراسة، قال يوسف: "بعد أن طردنا من المنزل الذي كنا نستأجره، جئنا لساحة السرايا البعيدة عن مدارسنا، ولم نتمكن انا واخوتي الأربعة من الذهاب للدراسة منذ أسبوع (..) حتى حقائبنا محجوزة لدى صاحب البيت، ووالدي ليس قادرا على توفير مصاريف الدراسة".
تلك الأيام الصعبة من العيش وسط الزحام وفي بيئة غير صالحة، جلعت أطفال عائلة الكتناني تحلم بالنوم تحت سقف اسمنتي أو حتى معدني، والعودة مجددا لمقاعد الدراسة، والعيش كباقي الأطفال، وكلها أمل بإنقاذها قبل الزيارة الثقيلة لفصل الشتاء.
خيمة ثانية تعود لمواطن (50 عاما) رفض ذكر اسمه حرصا منه على مشاعر أبناءه (كما قال)، وكان يبعد قليلا عن خيمته المصنوعة بنفس الطريقة، ويستظل بظل احدى اليافطات الدعائية بجوار مسكنه الجديد.
بعكازه الخشبي، قادنا هذا المواطن ببطيء الى خيمته، ليشرح ما حدث معه، وما دفعه للعيش في "الشارع" كما وصف، يقول: "كنت استأجر أنا وأسرتي منزلا بسيطا الى أن ساءت الأوضاع في قطاع غزة مؤخرا، ولم أتمكن من دفع الايجار، حتى طردنا صاحب المنزل".
أشار المواطن الى علبة الدواء التي لا تفارقه أبدا، وأضاف: "أعاني من عدة أمراض، وأجري فحوصات طبية عديدة، وأناشد الجميع بأن ينظروا الى حالنا هنا (..) في مثل تلك الظروف وفي ظل تدهور حالتي الصحية؛ لا لم تعد صحتي تحتمل كل ذلك".
وناشد الرجل جميع الجهات وجميع الأطراف بإيجاد مأوى له وللحالات المماثلة، مشدد على ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام "حتى تتحسن الأوضاع المادية ولا تلجأ حينها العائلات للمبيت في الشارع"، وفق قوله.
حال تكررت مرات عديدة، في ذات المكان ولكن بقصص وظروف مختلفة لعائلات كثيرة، والسؤال المطروح هنا "الى متى سيواصل الغزيون لجوء اللاجئين الى ساحة السرايا (ملاذ الفقراء)".