خاص
"أم محمد" تودع شهيد كل ثماني سنوات
غزة – راية: سامح أبو دية
تحاول السيدة الفلسطينية انشراح الدغمة، استيعاب فراق الشهيد عبد الله الدغمة الذي أعدمه جنود الاحتلال بدم بارد خلال مشاركته في مسيرات العودة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، بزعم محاولته خطف جندي اسرائيلي.
"ام محمد" أو كما بات يطلق عليها "خنساء خانيونس"، ودعت هذا الأسبوع شهيدها الثالث عبد الله (26 عاما)، ليلتحق بشقيقيه سليمان وبسام الدغمة، ودعته بنار قلبها، ودموع اخترقت قلوب جميع الحاضرين "تعال شوف امك يا عبد الله، يما حرقوني، حرقني عبدالله".
موكب الشهيد سار كما أوصى به، وضعوه على سريره في غرفته المتواضعة التي بناها بيديه إلى جانب منزلهم بجوار أشجاره التي كان يرعاها، قبل أن يلفوه بعلم فلسطين، وينثروا الورد على جثمانه، وتلقي عليه والدته نظرة الوداع، في أكثر المشاهد حزنا.
الشهداء الثلاثة
خلال حديثها مع مراسل "راية"، تقول أم محمد والدة الشهيد بصوتها (المبحوح) الذي بالكاد يخرج من حنجرتها: "عبد الله كان شاب جميل وهادئ جدا ولا يتدخل في شؤون أحد، لا يشبهه أحد".
والدة الشهداء الثلاثة، ودعت أولهم "سليمان" الذي ارتقى بعد تنفيذ عملية ضد جيش الاحتلال عام 2002، وبعد 8 سنوات ودعت شهيدها الثاني "بسام" بعد أن نفذ عملية أخرى عام 2010، الى أن التحق بهما "عبد الله" الجمعة الماضية بتاريخ 12/10/2018، أي بعد 8 سنوات أخرى.
على غير عادته، لم يتجه عبد الله إلى مخيم العودة المقام شرق خانيونس، بل توجه مع أصدقائه إلى مخيم العودة شرق البريج وسط القطاع، تضيف والدته: "طالما حذرته من الذهاب نحو الحدود خشية استهدافه، الا أن إصراره كان دائما يغلب على تحذيراتي"، مشيرة الى أنه كان غامضا "وسره عميق" حتى في طموحاته المستقبلية، كما تصف والدته.
قلب الأم
أشقاء وأقارب الشهيد عبد الله الدغمة، حاولوا تخفيف خبر استشهاده وايصاله لوالدته على مرحلتين، بان يذكر لها انه مصاب ثم اخبارها باستشهاده، الا أنهم لم يفلحوا، فكما تصف الأم، فقد تلقى قلبها الخبر منذ البداية، تقول: "لم يكن قلبي مرتاحا، ولم استطع النوم منذ ساعات، الى أن جاء شقيقه الأصغر بشكل غير طبيعي، حينها قرأت الخبر من عيونه".
وعن توديعها لابن شهيد كل ثماني سنوات، اعتبرت الدغمة أن هذا هو نصيبها في هذه الدنيا، تضيف: "الحمد لله، ابنائي شهداء، فالله يبتلي الصابرين، وأنا صابرة"، داعية الى تحقيق المصالحة "حتى تقف مسيرات العودة وحقن الدماء".
أبو الشهداء
والد الشهداء برهم الدغمة (66 عاما)، يصف شخصية شهيده الأخير عبدالله، بأنه "مطيع ولا يخالف والديه، وهو محبوب، والجلوس معه لا يُمل أبدا"، معبرا عن فخره بلقب (أبو الشهداء) الذين ارتقوا في عمليات مختلفة ضد جيش الاحتلال.
وأشار الى أنه حاول منعه من الخروج نحو المسيرات الحدودية، ونجح في ذلك لمدة أسابيع واحد، حتى أن أمه هددته بالذهاب للمسيرات في حال خروجه، مؤكدا أنه تحوّل الى منطقة البريج في محاولة منه للتخفي هناك.
عائلة "الدغمة" منذ عام 2002 ودعت ثلاثة شهداء، ليبقى 5 أشقاء ذكور بالإضافة الى شقيقة واحدة، بينهم اثنان أصيبا خلال إحدى الاجتياحات الإسرائيلية لبلدة عبسان الجديدة.
كرة القدم
في حالة بين الحزن والشوق والفخر معا، تحدث إبراهيم الدغمة (33 عاما) شقيق الشهيد، عن حياة عبد الله الذي كان كثير الأصدقاء، يقول: "في غرفته التي شيدها بيديه بجانب المنزل، كان أصدقاؤه يزورونه يوميا، كانوا متعلقين به ومحبوب بينهم لدرجة كبيرة".
ويضيف: "كان يحب مشاهدة مباريات كرة القدم رفقة أصحابه، ذهب عبد الله عند ربه شهيدا، وكلنا فخر به"، معتبرا أن أرضنا الفلسطينية مقدسة "وسنبقى في رباط الى يوم الدين، واخوتي ليسوا أول أو آخر الشهداء، موكب الشهداء سائر الى أن يزال الاحتلال".
"أنس" صديق ورفيق الشهيد الدغمة، تحدث عن اللقاء والحوار الأخير الذي دار بينهما، حيث قال له عبدالله "انا حاسس أنو في واحد فينا رح يستشهد اليوم"، مشيرا الى أنه توضأ وأدى صلاة العصر، وخرج نحو المسيرات، ليعود شهيدا، كما كان يشعر.