شهيد طفل
فارس مسيرات العودة
غزة – راية: سامح أبو دية
بابتسامة ممزوجة بالكثير من الألم والحسرة والشوق، تستذكر عائلة الشهيد فارس السرساوي آخر أيام طفلها الذي ارتقى برصاصة قناص إسرائيلي اخترقت جسده النحيل، على حدود قطاع غزة الجمعة الـ 28 لمسيرات العودة السلمية.
الطفل فارس (12 عاما) لم يتغب يوما واحدا عن المشاركة في المسيرات الحدودية التي تستخدم أساليب سلمية في وجه آلة القتل والبطش الإسرائيلية، استشهد السرساوي ليضاف الى 34 طفلا ارتكب الاحتلال مجازر قتل بحقهم على مرأى ومسمع من العالم.
اسم على مسمى
مفعما بالحيوية والنشاط كعادته، خرج الطفل فارس عصر يوم الجمعة الماضي، رفقة والده وشقيقه الأصغر، حاملا على أكتافه علم فلسطين، وكله شوق لرؤية بعض أراضٍ من بلدته الأصلية "بئر السبع" ولو من بعيد.
حافظ السرساوي والد الطفل، كان قد أطلق على ابنه الشهيد اسم فارس، تيمنا بابن عمه الشهيد المقاوِم الذي استشهد بقصف إسرائيلي عام 2004 دون أن يتوقع أن يحمل الشهادة أيضا مثل عمه.
يقول الوالد وقد بدى عليه الكثير من الإرهاق والاشتياق: "كان ابن عمي صديقي ورفيقي، وبعد استشهاده ببضع أشهر رزقت بولد فسميته فارس تيمنا به".
يضيف والده: "منذ بدء التظاهرات السلمية يوم 30 ايار/مارس الماضي لم يتغب فارس عن المشاركة فيها، فمنزلنا قريب من مخيمات العودة، وفي يوم استشهاده كنت متواجدا بقربه، الا أنه سرعان ما غاب عن نظري"، مشيرا الى أنه لم يعلم باستشهاد نجله الا عبر وسائل الاعلام.
في المكان المخصص للنساء في بيت عزاء السرساوي، كانت أجواء الحزن والدهشة قد خيّمت بشكل واضح على وجهي والدة فارس وجدته اللتان طالما اعتبرتاه املهما القادم، تقول متسائلة: "الجندي المجرم الذي قتل طفلا أعزلا، اليس لديه إحساس، وهل حقق شيئا بقتله، بماذا أذنب هذا الطفل البريء، أرادوا حرق قلوبنا، ولكن سنواصل الدرب حتى النهاية".
صورة صادمة
صورة فارس وبراءته لحظة اصابته برصاصة اخترقت صدره، شكلت صدمة أمام كل من شاهده، دموع الطفل التي اختلطت بدمائه، تقول والدة السرساوي: "صورة الطفل لحظة اصابته ستبقى وصمة عار في وجه هذا الاحتلال الغاشم المجرم".
والدة فارس، التي كانت تلملم الكلمات التائهة منها، تضيف بصوت نحيب: "لم يكن طموحه صعب المنال، كان يخطط للالتحاق بالتعليم المهني، نظرا الى انه كثير النشاط والحركة".
وتشير الى أن طفلها فارس كان يحب المشاركة في مسيرات العودة؛ إذ كان يستعدّ لها منذ صباح الجمعة بتجهيز "المقلاع والكوشوك"، ويرفع العلم فور انطلاقه من المنزل نحو التظاهرات.
لم تملك هذه الأم الا الدعاء للانتقام من هذا المحتل، ومن الجندي المجرم الذي تعمد إصابة فارس برصاصة قاتلة، تضيف: "أدعو الله أن ينتقم منهم، أتمنى أن يتحسروا على أولادهم كما حسروني على ابني الطفل".
مقعد فارس الدراسي
مدرسة "معاذ بن جبل" شرق مدينة غزة، استيقظت صباح السبت الماضي، على صدمة استشهاد ابنها، أجواء من الصمت والحزن، سيطرت على وجوه زملائه الطلاب حزنا على فقدان صديقهم .
مقعد فارس الدراسي في الفصل الثاني الاعدادي، توسطه إكليل من الورود، ينظر زميل الشهيد الطفل يوسف القيشاوي بألم وحسرة، على المقعد الذي لطالما تقاسمه مع السرساوي، ثم سرعان ما انهمرت دموعه على وجنتيه.
داخل المدرسة، أخذ الطفل القيشاوي يتجول بين الممرات، حاملا صورة الشهيد فارس ليعرف الطلاب به، كما وضع صورة له على بوابة الفصل الذي يدرس فيه، يقول ودموعه لم تتوقف: "أخبرني صديقي فارس أنه ذاهب نحو مخيمات العودة للمشاركة، ولم أكن أتوقع أنه سيعود شهيدا وانه لن يجلس بجواري مجددا".
وكان استشهد 3 مواطنين الجمعة الماضية، بينهم الطفل فارس السرساوي (12 عاما) برصاص الاحتلال، وأصيب 376 آخرون، في حين بلغ عدد الشهداء منذ بدء المسيرات الى 198 شهيدا بينهم (35 طفلا) وما لا يقل عن 21 ألف جريح.