ما الحل مع إدمان الأطفال للإلكترونيات؟
ميل الأطفال إلى الألعاب الالكترونية لم يعد اليوم مسألة يمكن التهرب منها أو منعهم عنها. هو أمر واقع لا يمكن التهرب منه، لا بل ليس أمامنا إلا تقبّله بأفضل شكل ممكن.
في المقابل، الخطوة الإيجابية التي يمكن القيام بها، هي السعي إلى السيطرة على الوضع وضبطه وإدارته بشكل أفضل كأهل للحدّ من تداعياته على صحة الطفل النفسية والجسدية والاجتماعية وقدراته الفكرية نظراً لما قد ينجم عن هذا الفخ الذي يمكن أن يقع فيه الأطفال من آثار سلبية.
ومن الواضح أن الآفة الأكثر خطورةً اليوم للأطفال هي أيضاً الألعاب التي تدعو إلى تكوّن مجموعات كبيرة حيث يستمر اللعب لساعات طويلة من دون دراية الأهل وبعيداً من أي سيطرة.
المعالِجة النفسانية شارلوت خليل تشدد على وجوب عدم حرمان الطفل اليوم من اللعب بهذه الألعاب الالكترونية، فيما تبرز الحاجة إلى الإحاطة بالموضوع وإدارته بحرص شديد وبتأنٍ.
- هل يسهُل على الأهل اليوم حرمان أطفالهم من الألعاب الالكترونية؟
في أيامنا هذه، باتت الألعاب الالكترونية تشكل جزءاً لا يتجزأ من عالم الأطفال، بحيث لا يمكن حرمانهم منها ولا إبعادهم عنها. فهذا العالم يحيط بهم من كل صوب. فكيف يمكن حرمان طفل من هذه الألعاب فيما رفاقه جميعاً يستمتعون باللعب بها، فيجد نفسه بعيداً عنها عاجزاً عن تبادل الأحاديث معهم حول التفاصيل المتعلقة بها.
واللافت اليوم أن هذه الألعاب تدخل عالم الطفل في سنّ مبكرة جداً، أو حتى بين أيدي الأهل أنفسهم، بمختلف أشكالها سواء كـIPad أو هاتف أو ألعاب Nintendo أو غيرها... وقد تطورت هذه الألعاب بحيث أصبح من الممكن أن تتشارك فيها مجموعات كبيرة، مما قد يزيد من خطورة تداعياتها. وفي المقابل، باتت لها أبعاد ثقافية وتربوية، إضافة إلى جانب التسلية بحيث لم يعد ممكناً إبعاد الأطفال عنها، وإلاّ سيشعرون بالعزلة حكماً.
- ماذا عن الآثار السلبية لهذه الألعاب على النواحي الجسدية؟
من الواضح أن للألعاب الالكترونية آثاراً سلبية خطرة على صحة الطفل، فهي تحول دون نمو الطفل الصحيح وتحدّ من حركته ونشاطه. كما أن النور الساطع الذي ينبعث من هذه الألعاب يؤدي إلى اضطراب في معدلات الميلاتونين المرتبط بالنوم.
لذا، لا بد من الحرص على عدم استخدام هذه الألعاب قبل النوم لأنها تؤدي إلى اضطرابات في النوم، مع ما ينجم عن ذلك من تأثير في القدرات الفكرية وضعف في التركيز.
- ماذا عن الخطر على الناحية النفسية؟
يبرز هنا في الدرجة الأولى خطر تعلّق الطفل بهذه الألعاب. هو أمر وارد دائماً بحيث يعجز الطفل عن ممارسة أي نشاط، ويتشتّت تفكيره بعيداً من هذه الألعاب لشدة تعلّقه بها وبالأمور غير الواقعية المرتبطة بها.
لذا، في حال عدم المراقبة وضبط الوضع، تولّد هذه الألعاب حالة من عدم التأقلم الاجتماعي لدى الطفل، هذا إضافة إلى الكوابيس المزعجة والعدائية والانفعالات والقلق والاضطراب في السلوك.
- ثمة ألعاب كثيرة اليوم تشجّع على العنف، كيف يمكن أن تؤثر في سلوك الطفل؟
من الطبيعي أن يلاحَظ على الطفل الذي يتجه إلى الألعاب التي تشجع على العنف، سلوك عنيف في حياته الفعلية. كما أن الألعاب الالكترونية المتطورة والتي يتشارك فيها الكثير من اللاعبين “أونلاين”، تشجع على التعاطي الاجتماعي غير الحقيقي بين الأطفال، فتزيد من حماسة الطفل وتفاعله فيما يعجز الأهل عن السيطرة على الوضع لاعتبارهم في هذه الحالة غير قادرين على التحكّم ومراقبة الأشخاص الذين يلعب معهم الطفل.
فقد يظنّهم مثله أطفالاً وهم في الواقع راشدون، مع ما يمكن أن يولّد التعاطي غير المباشر من خلال هذه الألعاب الى شذوذ وتحرش جنسي، يبدأ بالكلمات النابية التي يمكن أن يتعلمها الطفل في أثناء اللعب، ويصل إلى ما هو أسوأ، أي التعلّق الزائد والمرضي بهذه الألعاب. يجب عدم التهاون في هذه المسألة واعتبار الألعاب عادية، يتعاطى فيها الطفل مع أطفال آخرين في مثل سنّه ويلعب معهم. فمن سيئات هذا الوضع أن الطفل يعيش “صداقة وهمية”، فهو لا يبني صداقات حقيقية إنما يتصوّر ذلك.
هو لا يتعاطى اجتماعياً بشكل فعلي، بل يبني صداقاته على واقع الكتروني غير ملموس لا يشبه واقعنا الفعلي بشيء. ومن هنا تبرز لدى الطفل مشكلة حقيقية في التأقلم مع واقع المجتمع عندما يُطلب منه ذلك، وتنعكس نتائجها في علاماته المدرسية وفي علاقاته وفي تطوره الذهني والاجتماعي وحتى لاحقاً في حياته العملية. وبالتالي، نحن نتحدث هنا عن خلل اجتماعي حقيقي يبدأ من الطفولة ويزيد سوءاً مع الوقت ليشكل آفة في المجتمع.
- هل من نواحٍ إيجابية لهذه الألعاب يمكن التركيز عليها؟
من المؤكد أن لهذه الألعاب الالكترونية جوانب إيجابية، فهي تنمّي مهارات الأطفال وتزيد قدراتهم على التعلّم. حتى أن بينها ما يُستخدم في المدارس لما له من دور تثقيفي تربوي تعليمي لا يُستهان به.
لكن في الوقت نفسه لا يمكن تجاهل الآثار السلبية التي تتركها الألعاب الالكترونية أحياناً. ومن هنا أهمية التشديد على ضرورة تعاطي الأهل بالطريقة الصحيحة مع هذه الألعاب تجنّباً لتعريض الطفل لتداعياتها السلبية.
- لكن نظراً لمخاطرها الكبيرة على الطفل وعلى المجتمع ككل في مرحلة لاحقة، كيف يمكن الأهل السيطرة على الوضع بالشكل الصحيح من دون حرمان الطفل منها؟
من الصعب اليوم حرمان طفلٍ من هذه الألعاب التي باتت تشكل جزءاً من عالمه. لكن يمكن الأهل التحكم بالأمور من خلال فرض قواعد معينة في المنزل في ما يتعلق بهذا الموضوع. على سبيل المثال، يمكن الحد من أوقات الجلوس الى هذه الألعاب بحيث لا تتعدى ساعتين أو ثلاثاً في اليوم كحد أقصى، تقسَّم بطريقة معينة بحيث لا تكون متواصلة.
أيضاً يجب منع الطفل من استعمال هذه الألعاب بمفرده في الغرفة بعيداً من رقابة الأهل لمعرفة مع من يلعب. يكفي أن تكون الأم الى جانب الطفل حتى يشعر أن أحداً من أهله يراقبه ويهتم به، فيتقيد بالضوابط.
من جهة أخرى، يجب تطوير اهتمامات الطفل بالنسبة الى الألعاب تماماً كتطوير مهاراتهم في هوايات أخرى. فعند تطوير مهارات الطفل في الألعاب الالكترونية، لا ينحصر تركيزه في نوع واحد دون غيره، بل على العكس تتطور مهاراته واهتماماته.
- أي نصيحة أساسية يمكن أن تُعطى للأهل الذين يواجهون يومياً مشكلة تعلّق طفلهم الشديد بالألعاب الالكترونية؟
الأهم عند ملاحظة تعلّق الطفل الشديد بهذه الألعاب، هو عدم توجيه الانتقادات إليه بشكل متواصل لأنها تشكل عالمه. الأفضل في هذه الحالة مساعدته على الخروج من هذا الوضع شيئاً فشيئاً وبطريقة غير مباشرة. فإذا تحول إلى نوع من الإدمان، لا يمكن حرمانه منها فجأة، فهذا ليس الحل.
ومن الضروري عندها الاستناد إلى كل التعليمات الصحيحة التي أشرنا إليها لمساعدته على الحد من ميله إلى هذه الألعاب، وبالتالي التعايش معها بطريقة صحيحة ومعتدلة ومقبولة وصولاً إلى الاستفادة من إيجابياتها والحد من تداعياتها السلبية.
نصيحة إضافية: يجب على الأهل تمضية المزيد من الوقت مع أطفالهم لمعرفة ما يقومون به، ولمواكبة التطور الذي يعيشونه وليتمكنوا من توجيههم وإسداء النصائح لهم وحمايتهم عند الحاجة من الخطر الذي يمكن أن يتعرضوا له.