رأي الراية:
تقدم في زمن التراجع
يتفق الجميع على أن القضية الفلسطينية تعيش أصعب أوقاتها في ظل تطابق غير مسبوق بين مواقف تل أبيب وواشنطن ومن خلفهم من أصحاب الأدوار الاقليمية الالتفافية، فضلا عن انهيار الحاضنة العربية منذ سقوط بغداد حتى تدمير دمشق، والأخطر اختيار حركة حماس تهدئة مع الاحتلال مقابل استمرار الحكم ووعود اقتصادية معسولة من قبيل الامن مقابل الغذاء، ورغم ذلك..
وضوح موقف القيادة الفلسطينية في كل الاتجاهات بما يخدم السقف السياسي المتفق عليه في المجلس الوطني المنعقد في الجزائر عام 1988 بتبني خيار دولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس، اعتمادا على عشرات القرارات الدولية وليس أخرها التصويت الحاشد لصالح فلسطين كدولة مستقلة تنهي آخر احتلال في العالم، وتوقف عذابات شعب واجه كل أنواع العنف والحرمان على مدار 70 عاما، الوضوح السياسي وتبني خطاب محدد واعتماد أدوات النضال الشعبي والسلمي والدبلوماسي والقانوني عزل أدوات الاحتلال الحربية، واستخدام أقوى أشكال العنف في مواجهة العزل، منذ مشهد محمد الدرة وعائلة دوابشة وعهد التميمي وخالد الشريف وزياد أبو عين ورزان النجار، لتتحول الرواية لصالح فلسطين سياسيا وانسانيا.
الموقف الفلسطيني في مواجهة صفقات ترامب في القدس واللاجئين والأونروا شكل تحديا لسياسات الادارة الامريكية التي عاقبت العالم لأنه صوت لصالح فلسطين، وبمقدار الشجاعة الفلسطينية تشكل موقف عالمي متنامي على أقل التقدير منزعج من ثنائية نتنياهو –ترامب حتى داخل الولايات المتحدة الامريكية وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية السابق جون كيري.
ترامب وفريقه ليسوا قدرا ومخططاتهم ليست خيارا وحيدا، بل مواقف تشكل ادانة للإدارة الامريكية ودليل تراجع في السياسة الخارجية.
أمام صلابة الموقف الفلسطيني الرسمي فبدأت مؤشرات واضحة على الحق الفلسطيني يكسب نقاطا بالتراكم، ليس منها فقط دعوة ترامب الرئيس أبو مازن للقاء، وشروط الاخير، وكذلك تراجع الأرغواي عن قراراها نقل السفارة للقدس واعادتها الى تل أبيب، فضلا عن فشل أحد ثغرات صفقة القرن الداخلية في غزة، وهنا لا نعني فشل التهدئة التي هي مطلب فلسطيني لحفظ الدماء، بل ما صاحبها من مفاوضات هشة بين حماس واسرائيل التي تعتبر الحافظ على شرخ الانقسام واقصاء 2 مليون فلسطيني خلف النار والجوع كأهم انجازات الاحتلال منذ عام 1948.
إن تمتين الجبهة الداخلية عبر تجديد منظمة التحرير ومجلسها المركزي، وسد الثغرات – وإن كان يشوبها تحفظ شركاء النضال في الجبهتين- إلا أن الاختبار العملي للموقف يمر عبر تفعيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي والتحول نحو خطوات تمس واقع سلطة دون سلطة.
الحق الفلسطيني محفوظ بشجاعة الموقف الوطني الرسمي، وكذلك التفاهم الفلسطيني – الاردني الصلب في ادارة الازمات ومحاولات الاختراق، وتبني العرب موقف "لن نقبل إلا بما يقبل به الفلسطينيون"، ورغم سلبية الموقف إلا أنه في اطار الحد الادنى مقبول، وان كان في اطار الممكن غير كاف.. لكن لكل دولة عربية مشاكلها وحساباتها.
فلسطين أصبحت واقعا سياسيا يحترمه العالم بأكثر من جواز سفر وسجادة حمراء، إلا أن المطلوب كثير بداية من وقف التناقض الداخلي ونقله لمواجهة مفتوحة مع الاحتلال بعيدا عن لغة الحروب واستدعاء عمليات السور الواقي، وحماية منظمة التحرير بشراكة سياسية واعطاء الحكومة دور تعزيز صمود الناس وحماية المجتمع، وإلا فلا وقت للنقاش حول الحصة الادارية ومواقع الموظفين.
رغم كل ما يهزمنا به الاعلام العبري يوميا، الحق الفلسطيني أكثر وضوحا ولا يمكن تجاوزه بصفقات ومقايضات من باب الاقتصاد مقابل الأمن، هنا شعب رغم التعب لا يفكر في اللجوء الا لفلسطين حرة، وهو حق يقاس عليه مدى وطنية الرجال وليس العكس.
لذلك وقف هدر الدماء وبناء الانسان وصلابة المواقف مقياس الوطنية وليس الشعارات والبطولات الفموية.