خاص:
لماذا يهاجر أطباء غزة؟
راية:
الحديث عن الهجرة من قطاع غزة إلى حيث تتسع الحياة، أصبح دائم الحضور، ليس بين العاطلين عن العمل أو الخريجين الذين تراكمت أعدادهم على مدار 10 سنوات بلا فرص حقيقية للعمل والحياة فحسب، وانما باتت تدور بين أفراد الطبقة المتوسطة التي توفرت لها فرص عمل ومكانة اجتماعية ما.
في الآونة الأخيرة ظهرت بقوة في الأوساط الاجتماعية هجرة الأطباء خاصة الأطباء المتخصصين والمتميزين، ونُشرت قائمة تتحدث عن هجرة 50 طبيبا من افضل أطباء غزة، لكن عند بحث "رايـــة" في الوسط وجدت أن العدد ضعف ذلك ويزيد ليصل الى نحو 110 طبيبا، غادروا بلا رجعة، مما دفع وزارة الصحة الى إصدار قرار بمنع سفر الاطباء إلا للضرورة القصوى.
ولتسليط الضوء على الظاهرة المقلقة حاور "مراسل رايـــة" عددا من الأطباء لمعرفة الاسباب الجديدة الدافعة للهجرة؟
أطباء السلطة الوطنية
تطابقت إفادات عدد من الأطباء الذين يتلقون رواتبهم من حكومة التوافق الوطني، بأن الجديد عليهم هو قرارات السلطة الفلسطينية مؤخرا بالخصومات التي بدأت في مارس الماضي بـ 70% من الراتب ووصلت مؤخرا إلى 50% من قيمة هذا الراتب رغم أن الأطباء على رأس عملهم طوال السنوات الماضية ولم يتوقفوا عن العمل خلال سنوات الانقسام.
وأضاف أطباء أن الطبيب في غزة تعرض لخصومات فاقمت معاناته وانتقاص حقوقه فلم يحصل غالبية الأطباء على العلاوات والدرجات مع تعديل طفيف على علاوة غلاء المعيشة مقارنة بزملائهم في المحافظات الشمالية، موضحين ان اكبر ظلم يتعرض له الأطباء في قطاع غزة يتمثل في عدم تطبيق قانون الخدمة المدنية بزيادة 250% من الراتب الأساسي وهو ما يجعل الفارق بين طبيبين على نفس الدرجة العلمية والادارية في غزة والضفة ما يقرب من ثلاثة الاف شيكل زيادة على الراتب لصالح الطبيب في الضفة.
وعن الأسباب الأخرى اشتكى أطباء من سوء الادارة العامة للقطاع والأقسام وعدم توفر عدالة في العمل داخل مشافي قطاع غزة، وفي فرص التطوير فضلا عن غياب الانسجام، وعدم اعتماد الساعات الاضافية والمناوبة لأن الادارة الصحية تفضل منح الأطباء اجازة بدل الدوام الاضافي والمناوبات التي من المفترض ان تشكل دخلا اضافيا للطبيب.
أطباء حكومة حماس
يذكر أن الاطباء الذين عينتهم وزارة الصحة في عهد حكومة حماس يحصلون منذ عامين على 40% من الراتب في ظروف لا تقل سوء عن زملائهم من موظفي السلطة الوطنية.
واتفق الأطباء من المجموعتين أن فرص العمل وقيمة الراتب للأطباء في أوروبا أفضل بفارق كبير حيث تصل الى 7000 يورو، وكذلك الفرص الاضافية بالإضافة الى فرص تطوير الكفاءة والجانب العلمي، فضلا عن الظروف المعيشة العامة للطبيب وأسرته وفرص تعليم الأبناء وظروفهم.
وكشف "مراد" طبيب اختصاصي أنه بعد خصومات السلطة الوطنية اضطر للعمل كسائق خارج مدينة سكناه وعمله ليتمكن من تسديد أقساط سيارته الشخصية.
المعاناة أكثر لدى نوع ثالث من الأطباء يعملون في غزة بنظام البطالة والعقود المؤقتة، وهي فئة تعمل دون أمان وظيفي أو حقوق تضمن الاستقرار والتطوير.
كما ان عمل الأطباء الذين يمارسون هذه المهنة من خلال العيادات الخاصة تراجع نظرا الى تدني الوضع الاقتصادي العام وهو ما اضطر كثيرا من الأطباء الى اغلاق عياداتهم الخاصة والعمل في عيادات الجمعيات الخيرية والمشافي الخاصة بمردود مادي متواضع.
نتفهم الهجرة ونحذر من نتائجها
وتعقيبا على أوضاع الأطباء قال مصدر مسؤول في وزارة الصحة بغزة، أن الوزارة تتفهم رغبة الأطباء في الهجرة في ظل فقدانهم للاستقرار والأمان الوظيفي جراء الانقسام السياسي والمؤسساتي.
واضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لــ "رايـــة” انه ورغم أن أطباء قطاع غزة قدموا الكثير على المستوى الطبي والانساني خلال ثلاثة حروب كبيرة وحصار ظالم، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تنصف هذه الفئة.
ودعا المصدر الى ايجاد حلول لظاهرة تسرب الاطباء بالهجرة بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل، مؤكدا ان هذه الظاهرة تشكل خطرا على الصحة العامة وفقدان أمهر الاطباء الذين يحتاجهم المواطنون بشكل حقيقي خاصة في فترات الأزمات والاعتداءات الاسرائيلية مشيرا الى الأشهر الماضية التي شهدت وقوع أكثر من 18 ألف جريح بينهم مئات الحالات الخطرة والاصابات التي تحتاج الى عمليات جراحية طويلة ومتعددة ورعاية طبية متواصلة وعدد أكثر من الاطباء.
* الصور من مجموعة تواصل وزارة الصحة مع الصحفيين