حشرة غيّرت مستقبل منطقة أميركية
يحتضن وسط مدينة إنتربرايز، التابعة لمقاطعة كوفي، بولاية ألاباما الأميركية، واحداً من أغرب النصب التذكارية، حيث يتمثل هذا المعلم في امرأة، على شاكلة النساء الإغريقيات القدامى، مصنوعة من المرمر الأبيض ورافعة بين يديها مجسماً صغيرا يقارب وزنه 50 رطلا لحشرة خنفساء القطن.
يُعود تاريخ ظهور هذا التمثال بوسط إنتربرايز إلى سنة 1919 حين طلب أحد التجار المحليين من نحات إيطالي إنشاء هذا المعلم. وفي البداية، حمل هذا التمثال الكلاسيكي نافورة بين ذراعيه قبل أم يتم تعويضها بعد حوالي 30 سنة بمجسم خنفساء القطن المحبوبة لدى أهالي المدينة.
تُصنف خنفساء القطن ضمن قائمة الرموز التاريخية الهامة بمدينة إنتربرايز حيث تحظى بمكانة مرموقة لدى سكان المدينة. وفي المقابل، يعتبر بقية الأميركيين خنفساء القطن حشرة ضارة كادت تهلك الاقتصاد الأميركي خلال القرن الماضي، فمنذ قدومها من المكسيك سنة 1892 كبّدت هذه الحشرة قطاع زراعة القطن خسائر مالية فادحة بلغت قيمتها 23 مليار دولار. فضلا عن ذلك، تسببت خنفساء القطن في تزايد نسبة النزوح الريفي حيث عمد الفلاحون لبيع مزارعهم والتخلي عن تجارتهم في مجال القطن من أجل الهجرة نحو المدن والعمل بالمصانع.
تعود أصول خنفساء القطن إلى المكسيك حيث تعيش هذه الحشرة أساسا بمزارع القطن. وتتغذى خنفساء القطن البالغة على أوراق نبات القطن، لكن مع حلول فترة التكاثر تعمد هذه الحشرة إلى وضع بيضها داخل براعم أزهار نبات القطن. وبالتزامن مع خروجها من البيض، تقدم اليرقات على مضغ كل ما في طريقها وعلى إثر ذلك تكون أزهار القطن فارغة عند تفتحها.
وفي الولايات المتحدة، سجلت خنفساء القطن أول ظهور لها بولاية تكساس لتنتشر تدريجيا نحو مختلف المناطق مسببةً الخراب في طريقها، فخلال فترة وجيزة تمكنت هذه الحشرة من تخريب ما يعادل 50% من مزارع القطن الأميركية. حاولت السلطات الأميركية التصدي لهذه الآفة عن طريق استخدام المبيدات الحشرية وحرق بعض المزارع، كما اتجه الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت لإقناع الكونغرس الأميركي بإمكانية استيراد كميات من نمل غواتيمالا المتوحش للتخلص من هذه الحشرة الضارة. لكن هذه الجهود كللت بالفشل حيث واصلت خنفساء القطن تكاثرها وإفسادها للمحاصيل.
وسنة 1915، حلّت الكارثة بإنتربرايز. فخلال تلك السنة تراجع محصول القطن إلى الثلث مقارنة بالسنة التي سبقتها بسبب خنفساء القطن، هددت هذه الكارثة العديد من أصحاب الأراضي بالإفلاس. حينها، سافر أحد الفلاحين المحليين نحو ولاية كارولينا الشمالية، وأثناء سفره لاحظ ازدهار المنطقة بسبب زراعة الفول السوداني، فما كان منه إلا أن عاد نحو مدينته إنتربرايز حاملاً معه فكرة تعويض زراعة القطن بزراعة الفول السوداني والتي كانت ثمارها في مأمن من خنفساء القطن.
وحال عودته نحو مسقط رأسه، أقدم هذا الفلاح على زراعة الفول السوداني بدل القطن ليحقق خلال سنة 1916 أرباحا مالية خيالية ساعدته في سداد جميع ديونه. ومع انتشار خبر نجاحه اتجه بقية الفلاحين بإنتربرايز نحو تقليده وزراعة الفول السوداني.
مع حلول سنة 1917، تمكّن فلاحو إنتربرايز من النجاة من خطر الإفلاس عقب تعويضهم لزراعة القطن بزراعة الفول السوداني، حيث حققت المدينة أرباحا مالية تجاوزت 5 ملايين دولار. وبعدها، أقدم بقية أهالي مقاطعة كوفي بولاية ألاباما على القيام بخطوة مماثلة ليتخلوا عن زراعة القطن لصالح الفول السوداني، وبفضل ذلك صُنفت هذه المنطقة كأهم منتج للفول السوداني سنة 1919.
وبسبب هذه الحادثة، يتجه أهالي مدينة إنتربرايز إلى تصنيف خنفساء القطن ضمن قائمة الرموز التاريخية للمدينة، فعقب إفسادها لمحاصيل القطن ساهمت الحشرة في دفع أهالي المدينة نحو زراعة الفول السوداني لتحقق إنتربرايز على إثر ذلك أرباحا مالية هامة ساهمت بشكل سريع في تحسين الوضع المادي للأهالي والبنية التحتية للمدينة.