تقارير خاصة
البقاء لـ"شبيبة التلال"
خاص- رايــة: فارس كعابنة-
حملت عائلة ابراهيم صالح امتعتها ورحلت بعدما ارتبط اسمها بالمنطقة التي تقطن بها منذ أكثر منذ 40 عامًا، في المرتفعات التي تفصل الضفة عن الأغوار، إلى الشرق من محافظة رام الله.
ظروف رحيل العائلة كانت مختلفة بالنسبة للوجود البدوي في تلك المناطق.
في وقت ظلت عمليات هدم البيوت التي تنفذها سلطات الاحتلال سببًا رئيسيًا في الإخلاء القسري للفلسطينيين من أرضهم، كان المستوطنون وراء رحيل عائلة صالح هذه المرة، عندما هشموا وجه أحد أبنائها وتركوه مغمى عليه بجروح غائرة امام خيمة العائلة.
حدث ذلك في شهر شباط من هذا العام 2018.
اليوم، وبعد 4 أشهر من تلك الحادثة يقيم المستوطنون ذاتهم بؤرة استيطانية جديدة في منطقة قريبة.
"مثلما حدث في النكبة قد يحدث معنا"، قال أحد القاطنين البدو.
4 تركتورات زراعية تجر عربات خلفها، كانت تحمل أغراض عائلة ابراهيم. بركساته المفككة، أغطية البيوت من أكياس الخيش، حظائر الأغنام المفككة، في مشهد لا يفصله القاطنون في المنطقة عن تلك الصور التي تسربت من نكبة عام 1948، عندما هجر الشعب الفلسطيني هربًا من بطش العصابات الصهيونية.
في 2018 يعاد المشهد ذاته بمسميات أخرى.
تعمل جماعات تطلق على نفسها مسمى "شبيبة التلال"، على شن الهجمات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم انطلاقا من البؤر الاستيطانية المتفرقة بالضفة.
وتعيش العائلات البدوية في مناطق متفرقة، ما يجعل استهداف كل عائلة على حدا أمرًا سهلًا، كما حدث مع عائلة صالح. وفي حال تعرض العائلات للمستوطنين وصدهم، تتدخل شرطة الاحتلال باعتقال أفرادها.
وجنبًا إلى جنب مع عمليات الهدم لمساكن العائلات، تمارس شرطة وجيش الاحتلال دور الحامي للمستوطنين عند تنفيذ الهجمات، بعدما أصبحت تحقق هدف الترحيل دون الضجيج الذي تحدثه عمليات هدم المساكن.
ويقتني هؤلاء المستوطنون قطعان أغنام، استخدموها أيضًا كوسيلة اعتداء، عبر لإطلاقها لرعي مساحات واسعة من الأراضي التي زرعتها العائلات بالقمح والشعير.
"خسرنا مساحات واسعة من الأراضي المزروعة.. لم يتبق منها شيء"، قال المواطنون البدو لـ"رايـة".
وتعمل حكومة الاحتلال منذ عشرات السنوات على مخططات لإنهاء الوجود البدوي في المناطق التي تصنفها تحت بند "ج"، وهي تلك الأراضي التي تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.
وفي ضوء هذه المخططات، يتم تبديد أي مظهر لحياة ميسورة للبدو، بمنع عمليات البناء في هذه المناطق، أو شق طرق بدلًا من المسارات الوعرية، أو أية مظاهر قد تحسن واقع المعيشة، كوحدات الطاقة الشمسية التي توفر الإضاءة للخيام.
رغم ذلك، لم تنجح تلك السياسة بإزالة الوجود البدوي الفلسطيني، وإن كانت قد دفعت عدد من العائلات إلى الرحيل بحثًا عن حياة أفضل، في ظل التغيرات التي يشهدها المجتمع البدوي وانخراطه اكثر في ركب الحياة المدنية، كتعليم الأبناء في المدارس والجامعات.
"إنّه عنف منظّم ومتواصل تمارسه السلطات سعيًا إلى تقليص الوجود الفلسطيني في أنحاء الضفة إلى الحدّ الأدنى الممكن وسلب السكان أراضيهم وممتلكاتهم"، تقول منظمة "بيتسيلم" الحقوقية وهي منظمة يسارية إسرائيلية مناهضة للاحتلال.
ويعيش في الضفة نحو 200 تجمع يعتاش على الزراعة وتربية الثروة الحيوانية في مناطق "ج"، هي جميعها تقع في دائرة مخطط الإخلاء.
"أحداث تقع الآن وكلّ يوم في كافة أنحاء الضفة الغربية: تحاول إسرائيل تهجير آلاف الفلسطينيين من نحو مئتي تجمّع سكّاني فلسطيني"، تقول "بيتسيلم".
وفي ظل تهاوي عملية السلام، تعتبر السلطة الفلسطينية الوجود البدوي الفلسطيني عاملًا مهمًا لمنع الاحتلال من السيطرة على المزيد من الأراض في الضفة.
لكنه وجود بات يتلاشى شيئًا فشيئًا، أمام معادلة صعبة، تفرضها الحكومة الإسرائيلية ويستنتج الفلسطينيون منها عنوانًا وحيدًا مفاده.. البقاء للمستوطنين.