قطع آلاف الكيلومترات بحثا عن منزل عائلته في عكا!
طارق البكري- حاملاً خريطة رسمها عمّه البالغ من العمر ٩٦ عاماً، جاء ماهر شمّا المولود في مخيم اليرموك في سوريا الى فلسطين، قاطعاً آلاف الكيلومترات من الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها، باحثاً عن منزل العائلة في عكّا.
بدأت الحكاية قبل عدة شهور عندما أخبرني ماهر أنه ينوي المجيء الى فلسطين لأول مرة في حياته باحثًا عن منزل العائلة في مدينة عكّا، شماليّ فلسطين.
بعض الصور القديمة والروايات التي تصف المنزل كانت دليله، ولكن الأهم من ذلك؛ خريطة بسيطة رسمها عمّ ماهر التسعيني اللاجئ في الأردن قبل ٤ أيام من وصوله الى الأراضي، "تدخل من شارع بيروت - حيفا، نصف كيلو متر من البحر الغربي وعلى الجهة المقابلة منزل عبد الفتاح السعدي، منزلهم المحاط بالعشرات من أشجار السرو".
كان من شبه المستحيل الاعتماد على هذه الخريطة فقط، فاستعان بخريطة لمدينة عكّا من فترة الانتداب البريطاني في محاولة لتحديد موقع المنزل.
يقول: "وصلنا الى عكا وبدأنا بالبحث عن ما تسمى بـ "عكّا الجديدة"، خرائط وصور ومشاعر مختلطة تفرضها عليك رهبة المدينة، لا أنكر أنني دهشت بحدس ماهر بعد القليل من التوهان، ذلك الفلسطيني السوري المولود بالمخيم والذي لم يرَ فلسطين من قبل، طارق اذهب يساراً ثم خذ أول يمين، ففعلت".
يضيف: "أخيرًا، وجدنا المنزل، نحن الآن نقف أمام بيت المرحوم مصطفى شمّا، أشجار السرو ال ٢٤ تحيط بالمنزل من ثلاث جهات، المدخل، النوافذ، الحديقة تماماً كما وصفها عمّه اللاجىء في الأردن".
مذهولاً ودامعًا، حزينًا وفرحًا، وقف ماهر أمام منزله متأملاً المنزل الذي أصبح اليوم حضانة حكومية تابعة لوزارة التربية والتعليم الاسرائيلية بعد ان سكنته عائلة اسرائيلية بعد النكبة مباشرة، ولكن ما يعزّي ماهر ان الحضانة يرتادها اطفال عكا العرب وقد أطلق عليها بالعبرية اسم "גן ברושים" أي روضة السرو.
تكتمل الصدف مع أهالي عكا، فعند وقوفهم بجوار المنزل، استوقفتهم امرأة فلسطينية كبيرة بالسن، تُدعى "أُم ايهاب الشاويش"، كانت خلال أحداث النكبة طفلة واعية، وتتذكر تفاصيلها جيدًا.
من لهجتهم، علمت أُم ايهاب أننا لسنا من عكّا، وكما يتعامل كل عكاوي مع ضيوف المدينة، أصرّت باستماتة أن تستضيفهم بمنزلها المطل عالبحر "وتسقينا بارد او سخن وتغدّينا قبل ان تعرف حتى اسماءنا"، لكن لضيق الوقت أخبرتها ان ماهر مواليد مخيم اليرموك وجاء لمدينته للمرة الأولى.. "يما يا حبيبي والله شرفّت عكّا انتوا اهلنا وناسنا واللي صار فينا بال ٤٨ ما صار بحد، اخدوا منا كلشي وقرايبي وخوالي تهجّروا على لبنان وخالي منير بصيدا واحنا بعدنا صامدين بعكّا".
لم تتوقف أُم ايهاب عن الحديث لنحو عشر دقائق متواصلة وكأنها وجدت ضالتها، لم أُقاطعها، فهي متحمسة جدًا، وقامت بتنشّيط ذاكرتها لأقصى الدرجات.
سألها عن عائلة شمّا؛ أجابت: "هيها دار شمّا سكنوها عيلة اسرائيلية وبعدها صارت روضة وقبالها دار عبد الفتاح السعدي هدّوها اليهود".
أُم ايهاب أخبرتهم انها تعرف امرأة من عائلة شمّا، "فذهبنا سويًا الى منزلها لنكتشف أنها إحدى قريبات ماهر، وأن والدها بقي في عكا منتدبًا عن العائلة كي يرعى أملاكها حتى تهدأ الامور! "فكرنا انه اسبوع زمان وبنرجع على بيوتنا فأبوي بقي بصعوبة عشان يدير باله عالبيوت وبالآخر راح كلشي".
ماهر هو واحدٌ من ملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، ومنزله في عكا التي سقطت في ١٧ أيار ١٩٤٨ هو واحدٌ من ١١٢٥ منزلاً سيطرت عليها ما تسمى "دائرة اراضي اسرائيل" في عكا، وتديرها اليوم شركتان حكوميتان هما "عميدار" وشركة "تطوير عكا"، ولكن لا يموت حق وراءَه مُطالب، حتى لو بعد ٧٠ عاماً و٣٩ يوماً و٨ ساعات!