شهيد الخليل وغزة
"مهند" لن ينال شهادة الثانوية العامة
راية: سامح أبو دية-
لا تزال والدة الشهيد مهند أبو طاحون، تشعر بالحزن، كلما عادت بها ذاكرتها الى الوراء قليلا، فتتذكر نجلها الذي تناول أول وآخر وجبة من "السمك" في حياته القصيرة.
الشهيد أبو طاحون (21 عاما)، الذي كان لا يحب تناول الأسماك طوال حياته، اصطاد مجموعة من السمك بيديه؛ في رحلة مع أصدقائه ببحر غزة، قبل اصابته بثلاثة أيام فقطـ، وتناولها برفقة أسرته.
تقول أم ساهر والدة الشهيد: "اصطاد مهند السمك بيده وطلب مني تنظيفه جيدا وطهيه، ثم تناولناه سويا بسعادة كبيرة، رغم انه كان يكره اكل الأسماك ولم يتناوله في حياته قط".
وفي يوم إصابة مهند في الرابع عشر من مايو الماضي، أوضحت والدته أن نجلها تناول مع العائلة فطوره وقد طلب منها "لبنة"، وقال: "أنا اشتهي اللبنة على طعام الإفطار"، فلبت له والدته ذلك.
وتضيف الأم: "كان مهند يدرس في البيت استعدادا لامتحانات التوجيهي، ثم علم بخروج شقيقه الأصغر "معتز" الى مسيرات العودة، فتوجه مسرعا لتفقد أخيه، الى أن باغته الاحتلال برصاصة قاتلة، رغم أنه أعزل ولم يكن يفعل أي شيء".
بعد 10 أيام من اصابته بطلق ناري متفجر شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، أعلن الأطباء في المستشفى الأهلي بالخليل، عن استشهاد الشاب أبو طاحون من مخيم النصيرات وسط القطاع.
لم يكتفِ الاحتلال بقتل الشاب أبو طاحون وقتل أحلامه وطموحاته فقط؛ بل تعمد إعاقة وتأخير السماح بنقله الى الضفة لتلقي العلاج، ثم منع ادخال جثمانه من الخليل الى قطاع غزة، بعد اعلان استشهاده.
مهند لم يتمكن من اللحاق بمقعده في قاعة امتحانات الثانوية العامة، بعد أن اعد نفسه جيدا لها، كي يتمكن من الالتحاق بكلية الحقوق والتخرج منها "محامي"، مثل أشقائه الاثنين، وتنفيذا لرغبة والده.
زملاء الشهيد في مقاعد الدراسة لم يصدقوا بعد؛ أنهم لن يستطيعوا رؤية مهند أبو طاحون في قاعة الامتحان، الا أنهم عادوا ووضعوا للشهيد صورة على مقعده المخصص في الفصل ومجموعة من الزهور وبطاقته.
ساهر شقيق الشهيد، يقول: "كان مهند شابا مهذبا وخلوقا وضحوكا ولم يؤذِ أحد قط، وكان يسامح الأخرين دون تردد".
وعن أحلامه وطموحاته، أوضح ساهر أنه كان يخطط ويحلم بأن يصبح محاميا، "كنت قد وعدته بالسفر الى الجزائر والالتحاق بكلية الحقوق هنا"، يضيف: "كان يذهب يوميا الى مكتب شقيقه المحامي بسام من أجل تعلم المهنة والاعتياد عليها مبكرا".
ولد أبو طاحون في غزة وأصيب على أرضها، وكان له من النصيب ان تصعد روحه من أرض "خليل الرحمن" الى ربه، يقول ساهر: "كانت روحه قريبة من القدس وقبة الصخرة، وحتى ليلة استشهاده تم وضع صورته على قبة الصخرة في المسجد الأقصى".
مهند حظي بجنازتين لشهيد واحد، أولها في الخليل وآخرها في غزة، ووجهت عائلته الشكر لأهالي الخليل على استقبالهم مهند وهو مصاب حي بكل حفاوة وكرم، ثم وداعهم له شهيدا بجنازة لائقة بأحد أبناء فلسطين.
أما بسام الذي كان قدوة الشهيد مهند، فقد عبّر عن افتقاده، حيث أصبح يذهب لمكتبه للمحاماة والاستشارات القانونية كل يوم ولم يجد أخاه، يضيف: "كان يساعدني بالمكتب، يستقبل الناس يرحب بهم، ويتابع طباعة الملفات في غيابي، حتى أصبح لديه إلمام في المحاماة وأخبرني أنه سيدرس القانون مستقبلا".
وتستعد عائلة أبو طاحون لرفع قضايا ضد الاحتلال الإسرائيلي في جميع المحاكم الدولية، على جرائمه، حيث كان ابنها أعزل ولم يفعل أي شيء اطلاقا.