المتوكل طه :ليس رداً على مسلسل هارون الرشيد .. عن الرشيد والبرامكة
كتب المتوكل طه: أرى أن المسلسل ، باعتباره رؤية خاصة بأصحابه ، قد ذهب إلى إبراز بعض الأحداث وغضّ الطرف عن بعضها الآخر ، خدمةً لرؤيته وللرسالة التي يتغيّا إيصالها للمتلقّي .. وهذا من حقّه ! كما أنه من حقّنا أن نقدّم رؤيتنا للمرحلة التي تسيّد فيها الرشيد ، لعل ذلك يساهم في خلق حوار يعمّق الرؤى ويوسع الزوايا لتناول المقطع الأكثر ثراء في تاريخنا العربي .
***
والبرامكة، ونكبتهم على يدي هارون الرشيد، شغلت الناس والمؤرخين والمحدّثين والعلماء، ورأيتُ أن أقتبس من أمهات الكتب والمصنفات والمراجع ما يوضح تاريخ البرامكة وعلاقتهم بهارون، وأسباب نكبتهم .
وتقول الكتب إن المهديّ وُليّ بعد أبيه المنصور، فاستدعى يحيى بن برمك إلى بغداد ووصله بابنه هارون الرشيد كاتباً له ومستشاراً، وتوفِّي المهدي ووليّ بعده ابنه الهادي، فحاول أن يخلع أخاه هارون عن ولاية العهد، غير أن يحيى البرمكي عرف بسعة حيلته كيف يصرفه عن فكرته، وكان لذلك وقع حسن في نفس الرشيد، حتى إذا صارت الخلافة إليه خاطبه بالأبوة إجلالاً له قائلاً: "يا أبتي، أنت أجلستني هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك، وقد قلَّدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك، فاحكمْ بما ترى، واستعملْ مَنْ شئت، واعزلْ من رأيتَ، وافرضْ (أعط راتباً) لمن رأيت، وأسقطْ من رأيت، فإني غير ناظر معك في شيء"( ).
ووليّ الرشيد سنة 170 للهجرة، وامتدت خلافته إلى سنة 193، ويُعَدُّ عصره العصر الذهبي للخلافة العباسية، بما بلغته من أبهة الملك وفخامته، ولا تزال ذكراه حيّة في نفوس العرب إلى اليوم، وربما كان للقصص المحكية عنه في "ألف ليلة وليلة" أثر في ذلك، فإن مترجميها وواضعي بعض قصصها رأوا أن يدخلوه في ثنايا القصص حتى يصوروا ما بلغته بغداد من الرَّفه والترف والبذخ. وحفلت حينئذ بالعلماء من كل صنف والمترجمين والأطباء والشعراء والمغنين والمغنيات والجواري من كل جنس، وعلى كل لون، وكان الرشيد كَلِفاً بالسماع والمتاع بنعيم الحياة مع إعطاء الدين حقوقه، يقول ابن الطقطقي: "كان الرشيد من أفاضل الخلفاء وفصحائهم وعلمائهم وكرمائهم، وكان يحج سنة ويغزو سنة، كذلك مدة خلافته إلا سنين قليلة، وكان يصلي في كل يوم مائة ركعة، وحَجَّ ماشياً، وكان إذا حجَّ حجَّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم .. ولم يُرَ خليفة أسمح منه بالمال، وكان يحب الشعر والشعراء ويميل إلى أهل الأدب والفقه"( )، وكان إذا لم يحجَّ أحجَّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة، وكان يتصدَّق من صُلْب ماله في كل يوم ألف درهم بعد زكاته( )، وكانت أيامه تشبَّه بأيام العروس لما امتازت به من بهاء وجمال.
ويروى أن نقفور، إمبراطور بيزنطة، امتنع عن أداء الجزية التي فُرضت على بلاده في عهد المهدي، ولم يكتف بذلك، فقد كتب إلى الرشيد يطالبه بردّ ما أدَّوْه منها في السنوات الماضية، وكتب إليه الرشيد على ظهر كتابه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام"( )، وشخص إليه على رأس حملة قوية اخترق بها آسيا الصغرى وغنم مغانم كثيرة وافتتح هرقلة، فارتاع نقفور وفزع فزعاً شديداً وتعهد بأداء الجزية صاغراً( ). ورأى الرشيد - فيما يقال - أن يصطنع شارلمان ملك الفرنجة في غربي أوروبا حتى يؤيده ضد إمبراطور بيزنطة، وكان شارلمان يود لو أيده الرشيد ضد الأمويين في الأندلس، وسفرت بينهما السفارات وتبادلا هدايا ثمينة .
..إلى ذلك، فإن العباسيين قد جعلوا رايتهم سوداء، حتى أن بعض المؤرخين أطلق اسم "أصحاب الراية السوداء" عليهم .
أما البرامكة، فهم أسرة فارسية عريقة ذات شأن عظيم، ينسبون إلى جدهم (برمك)، الذي كان رجلاً عالماً في الطب والتنجيم، ومتولياً سدانة النوبهار ببلخ، وقد حظي الكثير من رجالها بمنـزلة عالية عند الخلفاء العباسيين( ).
في سنة 148 هـ قبل ولادة الخيزران للرشيد بسبعة أيام، أرضعت الخيزران الفضل من لبان ابنها فكان الفضل بن يحيى أخاً للرشيد من الرضاع( ).
ولم يزل البرامكة في عز وجاه وسلطان في ذروة المكانة عند الرشيد حتى قيل: "إن أيامهم عرس وسرور دائم لا يزول"( ) .
وامتلك البرامكة الضياع الجميلة وكأن ضياع الدولة ضياعهم، وهذا الغنى الفاحش استرعى انتباه الرشيد ودفعه إلى القول لأحد أتباعه وهو ينظر إلى ضياع البرامكة: " … انظر إلى البرامكة، أغنيناهم وأفقرنا أولادنا وأغفلنا أمرهم، لا أعرف لأحد من أولادي ضيعة من ضياع البرامكة على طريق واحد قرب هذه المدينة، فكيف بما هو لهم غير ذلك على غير هذا الطريق في سائر البلاد؟"، ثم أردف يقول: "ما أعدَّ البرامكة بني هاشم إلا عبيدهم، وأنهم هم الدولة وأن لا نعمة لبني العباس إلاّ والبرامكة أنعموا عليهم بها"( ).
وقد أرجع بعض المؤرخين سبب النكبة إلى غضب الرشيد على البرامكة، لأن جعفراً البرمكي أطلق سراح يحيى بن عبد الله العلوي دون استئذانه . وتجدر الإشارة هنا إلى أن جعفراً شجّع هروب العلوي (يحيى) إلى مأمنه، في الوقت الذي كان فيه الرشيد مشغولاً بالمعارضة الشيعية وفي البحث عن العلويين الذين يمكن تواجدهم في خراسان ( ).
بينما أرجع مؤرخون( ) آخرون سبب النكبة إلى اتهام البرامكة بالزندقة والشعوبية والمجوسية وإفساد الملك. وراح بعضهم يتهمهم بالميل إلى العلويين .
وقيل: كان من الأسباب أن الأعداء (الذين حسدوا البرامكة على المرتبة العالية التي بلغوها) نجحوا في ستر المحاسن وإظهار القبائح( ).
وجاء في الكتب أن العامة قد استشعروا الهلاك زمن البرامكة، لاستبدادهم، حتى قيل إن عقارب ذات أجنحة قد ظهرت بكثرة لقتل الناس، وإن البَرَد قد نزل بشدّة على بيوتات العامة، وكانت حبّة البَرَد تقارب في حجمها قبضة يد الرجل، وإن الدهماء قد بحثت عن الخبز فلم تجده .
وذكر أن الرشيد أمر مسروراً -خادمه- أن يضرب الفضل بن يحيى مائتي سوط لإخفائه الأموال عنه( )، ولمّا بلغ الرشيدَ أن ليس لديهم شيءٌ من المال والجواهر، قال "وكيف وقد نهبوا مالي وذهبوا بخزائني؟"( ).
ويذكر ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب"( )، أن الرشيد نكب البرامكة لأنه رأى إقبال الناس عليهم وكثرة أتباعهم وأشياعهم مع الإدلال العظيم منهم، وكذلك ذكر الفخري( ) "أن جعفراً والفضل ظهر منهما من الإدلال ما لا تحمله نفوس الملوك فنكبهم لذلك"، كما أشار اليافعي( ) إلى خوف الرشيد منهم: "لأنه رأى أنس النعمة بهم وكثرة حمد الناس لهم وآمالهم فيهم ونظرهم إليهم دونه" .
ومن بين الأخبار العديدة التي نقلها أحد الخدم الذين وضعهم الرشيد في قصر جعفر إلى الرشيد نصيحة مرفوضة قدمها إسماعيل بن يحيى الهاشمي إلى الوزير جعفر بن يحيى رواها "الأتليدي" في كتابه "أعلام الناس"، فقال: قال إسماعيل بن يحيى الهاشمي: ".. فلما خلا مجلسه (أي مجلس جعفر) ولم يبقَ عنده غيري، وذلك الخادم واقف، وعلمت أن الخادم يحصي علينا أخبارنا فقلت: أيّها الوزير، نصيحة أفتأذن لي الكلام؟ فقال: تكلّم.
وكان الرشيد ولاّه كورة خراسان كلّها وما يضاف إليها وينسب إليها قبل هذا الكلام بأيام، وخلع عليه وعقد له لواء وعسكراً بالنهروان وضرب الناس مضاربهم بها وهم متأهبّون للسفر فقلت: يا سيدي، أنت عازم على الخروج على بلدة كثيرة الخير واسعة الأقطار عظيمة المملكية، فلو صيرت بعض ضياعك لولد أمير المؤمنين لكان أحظى لمنـزلتك عنده؛ فلما قلت ذلك، نظر إليّ مغضباً وقال" والله يا إسماعيل ما أكل الخبز ابن عمك أو قال صاحبك إلاّ بفضلي، ولا قامت هذه الدولة إلاّ بنا، أما كفى أني تركته لا يهتم بشيء من أمر نفسه وولده، وحاشيته ورعيته؟ وقد ملأت بيوت أمواله وما زلت للأمور الجليلة أدبرها، حتى يمد عينيه إلى ما ادَّخرته وأخذته لولدي وعقبي من بعدي، وداخله حقد بني هاشم وبغيتهم ودبّ فيه الطمع، والله لئن سألني شيئاً من ذلك ليكونن وبالاً عليه سريعاً"، فقلت: والله يا سيدي ما كان مما ظننت شيء، ولا تكلم أمير المؤمنين بحرف، قال: فما هذا الفضول منك؟ فقعدت بعدها هنيهة ثم قمت إلى منـزلي، ولم أركب إليه ولا إلى الرشيد، لأني صرت بينهما في حال تهمة وقلت في نفسي: هذا الخليفة وهذا وزيره، وأي شيء لي بالدخول بينهما؟ ولا شك في زوال نعمة البرامكة وأن أمورهم قد انشملت، فلمّا قرأ الرشيد الكتاب وفهم الخبر احتجب ثلاثة أيام متفكراً في إيقاع الحيلة على البرامكة".
يشار هنا إلى أن هارون الذي كان ولعاً بجعفر، ويحب منادمته، كان يحب أيضاً أخته العباسة التي كان يبتهج بحضورها في مجالسه، ما اضطر هارون لأن يعقد قرانهما حتى يحلّ لبعضهما إن نظرَ الواحد للآخر، واشترط هارون على جعفر ألاّ يدخل بالعباسة.. وتقول الروايات إن الرشيد، وعندما كان يتركهما وحدهما، كانا يتعانقان، حتى قيل: لقد حملت العباسة من جعفر. وكان هذا أحد أسباب غضب الرشيد على جعفر، بل ثمة روايات، غير مؤكدة، تشير إلى أن الرشيد قتل العباسة ووليدها ودفنهما تحت بلاط إحدى غرف القصر، لمّا علم أمر حملها من جعفر.
أمّا العبّاسة فهي عليّة بنت المهديّ وأخت هارون الرشيد، يقال إنها أحسنت الغناء وقالت الشعر، ويُرجح المؤرخون أنها توفيت العام 210 للهجرة، أي بعد وفاة الرشيد بسبع عشرة سنة، ما ينفي رواية قتل الرشيد إياها، وبالتحديد ما جاء في روايات بعض القدماء، ورواية جورجي زيدان الخاصة بالعبّاسة
وقد علّل ابن خلدون( ) أسباب النكبة بكلمة ذكرها في مقدمته، فقال:
"إنما نَكب البرامكةَ ما كان من استبدادهم على الدول واحتجازهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه، فعظُمت آثارهم وبعُد صيتهم، وعمروا مراتب الدولة وخططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم، واحتازوها عمن سواهم: من وزارة وكتابة وقيادة وحجابة وسيف وقلم . يقال: إنه كان بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة وعشرون رئيساً، من بينهم صاحب سيف وصاحب قلم، زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب ودفعوهم عنها بالراح، لمكان أبيهم يحيى من كفالة هارون ولي عهد وخليفة، حتى شب في حجره ودرج من عشه، وغلبه على أمره، وكان يدعوه يا أبت، فتوجه الإيثار من السلطان إليهم، وعظمت الدالة منهم، وانبسط الجاه عندهم، وانصرفت نحوهم الوجوه، وخضعت لهم الرقاب، وقصرت عليهم الآمال، وتخطت إليهم من أقصى التخوم هدايا الملوك وتحف الأمراء، وسربت إلى خزائنهم في سبيل التزلف والاستمالة أموال الجباية، وأفاضوا في رجال الشيعة وعظماء القرابة العطاء، وطوقوهم المنن، وكسبوا من بيوتات الأشراف المعدم، وفكوا العاني، ومُدحوا بما لم يمدح به خليفتهم، وأسنّوا لعفاتهم الجوائز والصلات، واستولوا على القرى والضياع من الضواحي والأمصار في سائر الممالك حتى أسفوا البطانة وأحقدوا الخاصة، وأغصوا أهل الولاية، فكشفت لهم وجوه المنافسة والحسد، ودبت إلى مهادهم الوثير من الدولة عقارب السعاية، حتى لقد كان بنو قحطبة، أخوال جعفر، من أعظم الساعين عليهم، لم تعطفهم لما وقر في نفوسهم من الحسد عواطف الرحم، ولا وزعتهم أواصر القرابة، وقارن عند ذلك مخدومهم نواشئ الغيرة، والاستنكاف من الحجر والأنفة وكان الحقود التي بحثتها منهم صغائر الدالة، وانتهى بها الإصرار على شأنهم إلى كبائر المخالفة" . (انتهى كلام ابن خلدون) .
روى الطبري أن "الرشيد حجّ في سنة ست وثمانين ومائة، وأنه انصرف من مكة فوافى الحيرة في المحرم من سنة سبع وثمانين ومائة عند انصرافه من الحج، فأقام في قصر عون العبادي أياماً، ثم شخص في السفن حتى نزل العمر الذي بناحية الأنبار، فلما كان ليلة السبت لانسلاخ المحرم( ) أرسل مسروراً الخادم ومعه حماد بن سالم أبو عصمة في جماعة من الجند فأطافوا (كذا) بجعفر بن يحيى ليلاً ودخل عليه مسرور وعنده ابن بختيشوع المتطيّب، وأبو زكار الأعمى المغني الكلوذاني، وهو في لهوه، فأخرجه إخراجاً عنيفاً يقوده، حتى أتى به المنـزل الذي فيه الرشيد( )، فحبسه وقيّده بقيد حمار، وأخبر الرشيد بأخذه إياه ومجيئه به، فأمر بضرب عنقه ففعل ذلك"( ).
وذكر الأصبهاني أن "المغني أبو زكار طلب مقاسمة سيّده جعفر المصير نفسه، ولكن الرشيد منحه الحياة وأمن له المعاش نفسه الذي كان يتقاضاه من جعفر"( )
وقال محمد بن إسحاق( ): فلم يزل جعفر مصاباً حتى أراد الرشيد الخروج إلى خراسان، فمضيت فنظرت إليه، فلما صار بالجانب الشرقي على باب خزيمة بن خازم، دعا بالوليد بن جشم الشاري من الحبس، وأمر أحمد بن الجنيد الختلي – وكان سيّافه – فضرب عنقه.
ثم التفت إلى السندي فقال: ينبغي أن يحرق( ) هذا – يعني جعفراً – فلما مضى، جمع السندي له شوكاً وحطبا(ً ) وأحرقه".
ولم يزل يحيى وابنه الفضل محبوسين حتى ماتا بالرقة( ).
مع دخول يوم السبت (أوقع الرشيد بالبرامكة ليلة السبت لانسلاخ المحرم) كان قد قتل من البرامكة وحاشيتهم نحو ألف إنسان وترك من بقي منهم لا يرجع إلى وطنه( )، وذكر الجهشياري( ) أن الرشيد ندم على ما كان منه في أمر البرامكة وتحسّر على ما فرط منه في أمرهم وخاطب جماعة من إخوانه بأنه لو وثق بصفاء النيّة لأعادهم إلى حالهم.
وقال: "إن أمور البريد والأخبار في أيام الرشيد كانت مهملة، وإن مسروراً الخادم كان يتقلّد البريد والخرائط! ويخلفه عليه ثابت الخادم.
قال: فحدّثني ثابت: أن الرشيد توفي وعندهم أربعة آلاف خريطة لم تفض"( ).
ظل أن نذكر أن هارون الرشيد قد جمع من أبنائه الأمين والمأمون والقاسم في الكعبة المشرفة، وعقد بينهم الاتفاق الذي أشهد عليه عليّة القوم، والذي عُرف فيما بعد باتفاق الكعبة، ومفاده أن الخلافة من بعد هارون ستؤول إلى الأمين ومن بعده للمأمون .. لكن الأمين، وبعد وفاة والده الرشيد، نقض الاتفاق بإعلانه عدم جعل المأمون ولياً لعهده.. فدارت حرب مسعورة بين الأمين والمأمون، انتهت بقتل الأمين، بأن قُطع رأسه، واستقر الأمر، بعد ذلك، للمأمون .
ولعل من نوافل القول التنويه إلى أن الأمين هو الابن البكر لهارون، وهو ابن "زبيدة" العربية القُرشيّة العباسيّة، كما أن المأمون هو ابن "مراجل" غير العربية، الفارسيّة( ).
وأخيراً، فإن الطبري في الجزء الثامن من "تاريخه" أورد قصة موت الرشيد في مدينة طوس بفارس، حيث أشار إلى أن هارون، وقبل سفره إلى طوس، رأى رؤية في منامه كشفت له لون التراب الذي سيدفن فيه، والأيدي التي ستحمله إلى مثواه الأخير، غفوته الأبدية.. وحتى يقوم الأشهاد .
وهنا أرجو أن أتقدّم بكل الشكر الجميل لأُسرة مسلسل "هارون الرشيد" ،تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً وموسيقى وتصويراً .. الخ ، وأعتقد بأنه يستحق المتابعة والتبؤّر والتبصّر بكل ما جاء فيه ، اتفقنا معه أم اختلفنا ! فبهذه الأعمال نَعي تاريخنا ونفترع أرضية التاريخ التي إمّا تيبّست أو تقدّست أو تمت تنقيتها ، لأسباب دنيوية محضة ،.. وأعتقد أن التاريخ بمجمله ليس أكثر من وجهة نظر ، لن ترقى لأن تكون فوق المساءلة أو التصحيح أو إبراز المسكوت عنه .. مهما كان !!