ضيف الرايـة
د. منير فاشة: رياضيات أمي فاقت ما تعلمته في هارفارد
يقول دكتور الرياضيات والمفكر الفلسطيني منير فاشة إنه "منذ 1967 أعمل على الشفاء من جراثيم فكرية- إدراكية اكتسبتها عبر التعليم المدرسي والأكاديمي". وخلال رحلة التعلم الطويلة التي خاضها ووصل فيها إلى أعلى الدرجات العلمية، يبدو انه كون فهمًا خاصًا للأشياء من حوله.
فمثل هذه العبارة التي وضع بها منهج يتبعه كامل المجتمع التعليمي محل شك، وانطوت في ذات الوقت على تعبير مكثف لإدارك مختلف وصل إليه، قد تدفع للتساؤل حول أحد الشخصيات العلمية البارزة في فلسطين والمحيط العربي.
ولد منير فاشة في مدينة القدس عام 1941 وهُجّرت أسرته منها عام 1948، وخلال رحلته أصدر العديد من الكتب بالعربية والانجليزية من بينها "الرياضيات في الاتجاه الآخر"، و"التحرر من احتلال العقول"، و"حكايتي مع الكلمات"، و"مسيحية امي ومسيحية الغرب" وآخرها كتاب "حكايتي مع الرياضيات".
حديث الدكتور فاشة الذي جاء ضمن برنامج ضيف الرايــة الأسبوعي، له جاذبية خاصة، بالنسبة لشخص وصل أعلى الدرجات العلمية واستطاع تكوين فهمه الخاص لما يجري حوله.
درّس فاشة الرياضيات في "جامعة بيرزيت" واليوم يحمل شهادة الدكتوارة من جامعة "هارفرد الأميركية"، إلا أنه ما انفك يشير إلى أضرار ومخاطر مؤسسات ونظريات التعليم المعاصرة على عافية الإنسان ومستقبله، وبشكل خاص أضرار الاعتقاد بوجود مسار أُحادي عالمي للتعلّم والتقدّم.
ويقول فاشة أنه منذ 1967 يعمل على الشفاء من "جراثيم فكرية-إدراكية" اكتسبها عبر التعليم المدرسي والأكاديمي.
"لو عاد الزمن إلى الوراء لاخترت اللغة العربية لانها اكبر كنز لدينا بسبب جمالها وتنوعها وحكمتها وان اسوأ ما حدث للعربية انها اصبحت مادة مدرسية وبالتالي شكلت هذا العبء على الطالب"، يقول د. منير فاشة.
ويبدو سر دراسته الرياضيات غير مألوف بالنسبة للأشخاص العاديين لكنه بالنسبة له فهو الجوهر، "بعد هزيمة حزيران عام 1967، لم يستطع أيّ عالم أو مثقّف قراءة المرحلة، وجدوا أنفسهم لا يفقهون ما يحدث حولهم، فتساءلت؛ ما هذه المعارف التي تُخْرِجُ الإنسان من سياقه، وخارج نصّه، ولا تساعده في تفسير المتغيّرات حوله؟ فبدأ التحوّل".
قد تبدو النظرة العميقة للأشياء تفسيرًا لأقوال د. فاشة الذي يجد مكانة من بين الشخصيات العلمية البارزة في فلسطين والعالم العربي، إذ يقول إن اكثر شخصية اثرت به هي والدته الامية، التي كانت تخيط الثياب دون استخدام الارقام او حتى الكتابة، معتبرا ان اكتشافه لما تقوم به والدته في مجال الرياضات هو سر التحول الذي حدث معه لاحقاً، "علّمتُ أنّ والدتي الأمّيّة تمارس الرياضيّات بطريقة فاقت ما تعلّمتُه في جامعتي مانشستر وهارفارد، وهذا الإدراك مثّل مرحلة التعافي لديّ؛ فالهندسة التي استخدمتها أمّي في تفصيل ثياب الزبائن، فيها من الخبرة ما يمثّل جوهر الرياضيّات".
وفي وقت تخوض المؤسسة التعليمية الفلسطينية تجربة تجديد في طريقة التعليم في المدارس، يبدو للدكتور منهجه الخاص المتقدم بمراحل، فبالنسبة له "المدارس والجامعات في العالم عبارة عن مستوطنات معرفية، ونحن كفلسطينيين نعرف هذا المعنى أكثر من أي مجتمع راكد، كما أن الكتب والمناهج المقررة مزيفة والكتب الحقيقية هي "البيان والتبيين".
ويقول إن منهجهه الذي اوصله إلى الكتوراة "كانت المعرفة من خلال التأمل في الظواهر والخبرات ومن ثم الاجتهاد في تكوين معنى لها".
وينتقل فهم د. فاشة المختلف من العلم إلى تركيبة المجتمع، ففي حين يقسم في المعتاد إلى ثلاث قطاعات حكومي مدني وخاص، يرى فاشة أن "المجتمع يتكون من تربة أرضية وتربة ثقافية معرفية وتربة مجتمعية اقتصادية".
تبدو أفكار د. منير فاشة انعكست على حياته الخاصة، يقول إن سبب عدم تناوله اي نوع من أنواع الأدوية هو الغذاء الصحي الغير مطبوخ الخالي من اللحوم والألبان.
كما أنه لم يحمل هاتف نقال ولا يستخدم أيا من مواقع التواصل الاجتماعي، وسمح لإبنه ترك المدرسة بشرط أن يقرأ كل بداية شهر عشرة كتب.