رأي الراية:
الصغار لا ينسون
أظهرت مسيرات العودة القوية في قطاع غزة، مدى صوابية خيار المقاومة الشعبية للحد من رغبة حكومة الاحتلال في القتل، كما أوضحت قوة ايمان الشعب الفلسطيني بالنضال السلمي، ايمان اكتمل بعد حروب دامية لم تحقق إلا اتفاقيات وقف اطلاق النار الهشة فقط.
هي عودة حميدة لتجربة المقاومة الشعبية السلمية كخيار قوة وليس ضعف، خيار قادر على تحييد قوة النار لجيش الاحتلال، ضمن تجربة رائدة مستلهمة من ثورات الشعوب، ومسيرات كفاحية متنوعة حققت أهداف الشعوب في التغيير والحرية، ومنعت قوة الاحتلال الغاشمة من جر شعبنا لدائرة الموت والخراب.
فعلا تمكنت غزة بعد سنوات الاقصاء ومخططات الفصل، وقسوة الحصار، وبطش الانقسام، أن تستعيد زخم المبادرة، وتجاوز الانحسار بالحضور الوطني وتحت علم فلسطين حصرياً، والأهم هو الاتجاه شمالا نحو ربوع فلسطين الخضراء بدلا من التيه في الصحاري المجاورة.
رغم أعداد الشهداء والجرحى بفعل جنون الاحتلال ورغبته في القتل، إلا أن مسيرات الضغط الشعبي يجب أن تستمر مع استخلاص العبر كمسار موازي يسير بقوة مع الخيار الدبلوماسي في المحافل الدولية الذي حقق الكثير من الانجازات، ليكتمل حصار الاحتلال بالحقوق الوطنية المشروعة والمحمية بإرادة عالمية عارمة.
مطالبة الأمم المتحدة وعدد من الدول بإجراء تحقيق في جرائم الاحتلال على حدود غزة، شكلت خطوة هامة في مسار محاكمة قادة الاحتلال، وأضافت نقاط قوة للموقف الفلسطيني داخل الهيئات الدولية، فالمسار القانوني يكتسب أهمية بالغة كلما زادت أخطاء الاحتلال وجرائمه بحق شعب أعزل يكافح منذ 70 عاما من اجل الحرية والكرامة.
تكامل المسارات الشعبية والسياسية والقانونية يتطلب اصلاح داخلي في الهيئات الفلسطينية، وتجاوز حالة الانقسام عبر تنفيذ اتفاقيات المصالحة، وتوحيد المؤسسات الوطنية بشكل سريع، يشكل رافعة للمسارات السابقة، ويزيل العقبات أمام مبررات التلكؤ والتدخل في الشأن الوطني.
مرة أخرى يتمكن الشعب الفلسطيني من انقاذ القضية من سعير الصفقات والمؤامرات، ويؤكد للعالم أنه شعب جدير بالحرية والاستقلال وعصي على التهميش والتغييب والتجاوز، قضية يحملها شباب هذا الوطن لا يمكن أن تموت، فالكبار تركوا الوصية واضحة وقوية، والصغار ينشدون كل يوم "فدائي" و "موطني".