أوجاع غزة
قصة فراق "دنيا وبسام" على معبر رفح
غزة- راية: سامح أبو دية-
في غزة يموت الزوج، وزوجته عالقة على الحدود تنادي وتستغيث، أن "دعوني أقبل رأسه قبل أن يوارى التراب"، لكن لا مجيب، نادت العالقة بأعلى صوت، وتساءلت عن سبب هذا الفراق "الموت أم معبر رفح".
الكاتبة والباحثة "دنيا الأمل اسماعيل" حرمها معبر رفح البري من اللقاء الأخير مع زوجها الحقوقي بسام الأقرع، حتى أصبح البكاء على الميت ووداعه بعيد المنال في القطاع المحاصر اسرائيليا منذ سنوات.
على الطرف الآخر في غزة، حيث دفئ الأماكن ورائحة الزوج والأسرة، باغت الموت الحقوقي بسام الأقرع اثر نوبة قلبية مفاجئة الخميس الماضي، وزوجته غائبة في صنع مستقبل ابنتهم.
بدأت الحكاية عندما توجهت دنيا الى معبر رفح من الجانب المصري وكلها أمل أن تُفتح البوابة أمامها لتتمكن من إلقاء نظرة الوداع على زوجها في غزة، الا أن البوابة لا ترحم؛ وحرمتها من آخر أمانيها التي تملئ اسمها، رغم عديد المناشدات.
قبل حوالي شهرين ونصف، سافرت دنيا رفقة ابنتها بصعوبة شديدة؛ الى العاصمة المصرية القاهرة لتسجيل ابنتها في كلية الطب، ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن من العودة الى غزة، فبقيت تنتظر نبأ الاعلان عن فتح معبر رفح الى أن أتاها نبأ وفاة زوجها منتظرا.
أُعلن عن فتح المعبر قبل حوالي 10 أيام، فلم تتوانى دنيا الأمل في حمل حقيبتها والتحرك نحو المعبر، تقول: "في ذلك الوقت لم يكن زوجي قد توفي، ثم أغلقت الطريق بشكل مفاجئ خلال رحلة العودة من القاهرة نحو رفح، ورفض الجيش المصري دخولنا وطلب منا الرجوع للقاهرة".
ناشدت الزوجة كافة الجهات للمساح لها بالعودة الى غزة في أسرع وقت لتتمكن من وداع زوجها، لكن دون فائدة، ومع فقدان الأمل في وداعه واستقبال عزائه، توجهت دنيا الامل الى الأهل والاصدقاء في غزة وطلبت منهم تصوير جنازة زوجها قائلة: "حد يصورلي جنازة زوجي فيديو أيها الأصدقاء والصلاة".
وأشارت اسماعيل في حديثها لـ"رايـة"، الى أنها لاجئة لا تحمل بطاقة هوية فلسطينية، أي أنها غير مسموح لها السفر عبر معبر الكرامة أو أي طريقة أخرى سوى معبر رفح فقط، والذي قسّم العائلة وحرمها من وداع نهائي.
بصوت يعصره الألم، تضيف: "في كل مرة نسافر فيها نخرج بمشكلة وفي كل رحلة عودة كذلك، ليس أنا فقط، هناك العشرات والمئات توفوا نتيجة الحصار"، داعية كافة الجهات الى تخفيف معاناة الغزيين وفتح معبر رفح بشكل مستقر.
وعن تلك الحادثة المؤلمة، يقول الكاتب سامي فودة "حتى الموت المفجع في غزة أصبح لا يمكن أن تقام طقوسه دون أن تجد له عراقيل وعوائق".
إحدى صديقات دنيا أرسلت لها قائلة: "أعانكِ الله يا دينا الأمل؛ انه مشهد هجرة جديدة من ثلاثة فصول، جزء هاجر إلى ربه وجزء في مصر، والباقي في غزة، سحقا لكل الظروف ولكل السياسات، أعيدوا لنا إنسانيتنا".
وأخرى تقول: "في اليومين الماضيين أثّر فينا جميعا وفاة زوج صديقتنا دنيا الامل اسماعيل، ولكن الصورة التي ظهرت للجميع أن غزة تحتضن الموت رغم أن المتوفى بسام وترفض الأمل والدنيا، وهذا قدرنا وكأننا يجب أن نقبل بهذه القسمة".
في النهاية، مات الرجل، دون أن تسبل عيناه يد حبيبته، دون أن تمسد بناته على شعر رأسه، مات بهدوء اليقين، وأسرته التي قسمها المعبر تتابع جنازته عبر الصور فقط.