تأثيرات إيجابية للساونا على القلب والأوعية الدموية
ضمن العدد الأخير من «مجلة ارتفاع الضغط البشري» Journal of Human Hypertension، والعدد الأخير من «المجلة الأوروبية لطب القلب الوقائي» European Journal of Preventive Cardiology، نشر الباحثون من «جامعة شرق فنلندا» نتائج دراستين من مشروع البحوث حول حمام الساوناSauna Bathing ومنظومة القلب والأوعية الدموية Sauna And Cardiovascular Health Project. وتضمنت دراستهم الأولى المنشورة في «مجلة ارتفاع ضغط الدم البشري» الآثار الآنية والمباشرة لحمام الساونا على وظيفة القلب والأوعية الدموية، فيما تضمنت دراستهم الثانية المنشورة في «المجلة الأوروبية لطب القلب الوقائي» ملاحظة التحسن في مرونة الشرايين خلال التعرض للساونا.
الساونا الصحية
خلال السنوات القليلة الماضية أظهر الباحثون من «جامعة شرق فنلندا» اهتماماً بحثياً متميزاً بتتبع التأثيرات الصحية لحمام الساونا، وذلك من خلال مشروعهم البحثي المتعلق بهذا الموضوع.
وقام الباحثون بتتبع التغيرات الفسيولوجية التي تحصل في أجزاء متعددة من جهاز القلب والأوعية الدموية بالجسم خلال التعرض للحرارة والبخار في عملية الاستحمام بالساونا. وكانوا خلال السنوات الماضية قد أصدروا عدداً من الدراسات الطبية التي لاحظت في نتائجها أن الاستحمام المنتظم في غرف الساونا يُقلل من الإصابة بأمراض شرايين القلب، وهو ما تم نشره في عام 2015 ضمن مجلة «جاما للطب الباطني» JAMA Intern Med، وكان عنوان الدراسة: «العلاقة بين استحمام الساونا والأمراض القلبية الوعائية القاتلة وجميع أسباب الوفيات».
ودلت دراسة أخرى لهم، نشرت ضمن عدد نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من «المجلة الأميركية لضغط الدم» Am J Hypertens، على أن ثمة علاقة إيجابية بين الاستخدام المنتظم لحمام الساونا وانخفاض ارتفاع ضغط الدم. وأظهرت دراسة أخرى لهم أيضاً أن هناك علاقة إيجابية بين حمام الساونا وتقليل الإصابات بالخرف وألزهايمر، وتم نشرها ضمن عدد مارس (آذار) 2016 لمجلة «عمر الشيخوخة» Age Ageing كما أفادت دراسة رابعة لنفس الباحثين من «جامعة شرق فنلندا» بأن حمام الساونا يقلل من خطورة الإصابة بأمراض الرئة، وهو ما تم نشره في عام 2017 ضمن «المجلة الأوروبية للأوبئة» Eur J Epidemiol، وأيضاً أفادت دراسة خامسة لمجموعة الباحثين نفسها بأن حمام الساونا يُقلل من نسبة البروتين التفاعلي في الدم CRP، وهو أحد مؤشرات عمليات الالتهابات في الجسم.
وفي دراستيهم الحديثتين، تتبع الباحثون تأثيرات البقاء في حمام الساونا لمدة 30 دقيقة على كل من ضغط الدم ومستوى مرونة الشرايين Vascular Compliance، وذلك أثناء البقاء في حجرة حمام الساونا وما بعد الخروج منها، ولاحظوا في نتائجهم أن ذلك يُقلل من ارتفاع ضغط الدم ويزيد من مرونة الشرايين، وأيضاً لاحظوا أن البقاء لتلك الفترة يرفع من معدل نبض القلب بصفة مماثلة لممارسة تمارين رياضية متوسطة في شدة الجهد المبذول خلالها، وهو ما يُعطي فرصة لتمرين القلب على ضخ الدم.
مرونة الشرايين
وشمل البحث مجموعة مكونة من مائة شخص ممن متوسط عمرهم 51 سنة وممن لديهم على أقل تقدير عامل واحد من عوامل خطورة الإصابة بالأمراض القلبية Cardiovascular Risk Factor، وتم تقييمهم قبل وبعد 30 دقيقة من البقاء في حمام الساونا. ولاحظ الباحثون في دراستهم الأولى الحديثة أن مقدار ضغط الدم الانقباضي Systolic Blood Pressure انخفض بمعدل 7 مليمتر زئبقي، وكذا الحال مع ضغط الدم الانبساطي Diastolic Blood Pressure الذي انخفض بمعدل 7 مليمتر زئبقي. ولاحظوا أيضاً أن هذا الانخفاض الإيجابي استمر لمدة 30 دقيقة بعد الخروج من حمام الساونا.
وفي دراستهم الحديثة الثانية، قام الباحثون بتقييم مستوى مرونة الشرايين عبر قياسات لذلك في الشريان السباتي بالرقبة Carotid Artery وشريان الفخذ Femoral Artery، وذلك مباشرة قبل الدخول إلى حمام الساونا، وأثناء ذلك، وبعد نصف ساعة من الخروج منه. وقاس الباحثون معدل سرعة موجة النبضPulse Wave Velocity في كل من الشريان السباتي وشريان الفخذ بصفته وسيلة لتقييم مرونة الشرايين. ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن معدل الانخفاض في «سرعة موجة النبض» ما قبل الدخول إلى حمام الساونا ومباشرة عند الخروج منه بعد البقاء فيه لمدة 30 دقيقة، كان بمقدار 1.2 (واحد فاصلة اثنان) متر في الثانية.
وقال الباحثون إن النتائج تسلط الضوء على الآليات الفسيولوجية التي يُمكن من خلالها أن تتطور الفوائد الصحية التي تمت ملاحظتها لحمام الساونا. وأضافوا أن الفوائد الصحية للساونا تمت ملاحظتها عبر خفض ضغط الدم وتحسين مرونة الشرايين، ومع ذلك لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث المتعلقة بتقييم الآليات الفسيولوجية للاستحمام بالساونا.
وكان الدكتور توماس لي، طبيب القلب بكلية الطب في جامعة هارفارد ورئيس تحرير «رسالة هارفارد للقلب»، قد علق على دراسة الباحثين الفنلنديين المنشورة عام 2015 في مجلة «جاما للطب الباطني»، بقوله: «أنا لست مندهشا من هذه النتائج. والتأثيرات الصحية لحمام الساونا على القلب والأوعية الدموية تمت ملاحظتها في نتائج كثير من الدراسات. إنها تُخفض من مقدار ضغط الدم، وثمة كثير من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنها صحية للأوعية الدموية». وفي هذه الدراسة السابقة جرى فحص أكثر من 2300 شخص من متوسطي العمر، وتتبعتهم لمدة 20 سنة، وتم تصنيفهم إلى مجموعات وفق مدى إقبالهم على استخدام حمام الساونا. ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن الحرص على حمام الساونا بانتظام قلل من عوامل خطورة الإصابة بالأمراض القلبية، ولكن الباحثين كانوا متحفظين بالنصيحة في حال مرضى ضعف القلب أو الذين يشكون من آلام الذبحة الصدرية أو من أُصيبوا حديثاً بنوبة الجلطة القلبية.
وفي حينه، علقت بيفرلي ميرز، المحررة التنفيذية لـ«مجلة صحة المرأة» التي تُصدرها جامعة هارفارد، بقولها إن الساونا تنتشر في فنلندا، وغالبيتها في المنازل، ويقضي كثير من الناس فيها وقتاً أطول من ممارسة الرياضة، مما يُسهل دراسة تأثيراتها الصحية للباحثين.
وكان الدكتور برينت باير، استشاري الطب الباطني في «مايو كلينيك» ومدير قسم الطب التكميلي والتكاملي في «مايو كلينيك»، قد قال تعليقاً على سؤال حول حمام الساونا الذي تُستخدم فيه الأشعة تحت الحمراءInfrared Sauna في التسخين وتكوين الحرارة بحجرة حمام الساونا، ما مفاده: «الساونا تحت الحمراء تُسخن الجسم دون تسخين الهواء المحيط به، والساونا بشكل عام تتسبب بتغيرات في الجسم شبيهة بممارسة تمارين رياضية معتدلة الشدة في المجهود المبذول، مثل زيادة التعرق وزيادة نبض القلب، وحمام الساونا بالأشعة تحت الحمراء يُنتج حرارة أقل من تلك التي بالبخار الحار. وربما يناسب الأشخاص الذين لا يتحملون الحرارة أو يودون ساونا بدرجة حرارة أقل». وأضاف: «وقد نظرت عدة دراسات طبية في استخدام حمامات ساونا البخار بالأشعة تحت الحمراء في علاج المشكلات الصحية المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وفشل القلب الاحتقاني، والخرف ومرض ألزهايمر، والصداع، وداء السكري من النوع الثاني، والتهاب المفاصل الروماتويدي، ووجدت بعض الأدلة على الفائدة. ومع ذلك هناك حاجة إلى دراسات أكبر وأكثر صرامة لتأكيد هذه النتائج».