خاص
الآلاف في مرمى الرصاص
مجدولين زكارنة -
يحل شهر ايلول ضيفا ثقيلا على الفلسطينيين الذين تتحول مساكنهم الى ساحة حرب تقض مضاجع اطفالهم وتحرمهم النوم في ليالي التدريبات الاسرائيلية العسكرية التي تتركز في الاغوار وجزء من جبال محافظتي الخليل وبيت لحم.
وفي مثل هذا الوقت من كل عام تواجه عشرات العائلات تشريدا غير مسبوق، لأيام عدة الى حين تنتهي هذه التدريبات.
"مناطق إطلاق النار" هي التسمية الاسرائيلية للمناطق الفلسطينية المأهولة بالسكان وتستخدمها اسرائيل لتدريباتها العسكرية حيث تشمل محافظة طوباس والاغوار الشمالية ومحافظة اريحا والاغوار وجبال جنوب الخليل واجزاء من بيت لحم.

إخلاء المساكن من أصحابها
يخلي الاحتلال في كل فترة تدريب عسكري، منازل المواطنين لأيام في أخف الأحوال ولكنه يهدم عشرات البيوت ايضا بحجة انها تقع في "مناطق اطلاق النار" وبلغة الارقام فقد هدمت جرافات الاحتلال 22 منزلا في خربة جنية وخربة الحلاوة جنوب جبال الخليل وشردت الى العراء أكثر من 100 فرد نصفهم أطفال بحسب اخر توثيق لمركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الإنسان "بيتسيلم" في المنطقة.
وتمتد المنطقة التي يعتبرها الاحتلال منطقة اطلاق نار قرابة 30,000 دونم جنوبيّ جبال الخليل وعليها تقوم 12 تجمعا سكنيا لعائلات تعيش على الزراعة والرعي، يعيش فيها 1,800 فلسطينيّ.
وكان الاحتلال طرد في تشرين الثاني عام 1999 أكثر من 700 شخص من مسكانهم وهدم آبار المياه وصادر الممتلكات بحجة التدريبات، لكنه رحلة التشريد مستمرة حتى يومنا هذا.
سلطات الاحتلال تقول انه لا يحق للفلسطينيين السكن في هذه المناطق وفي وقت لاحق سمحت لهم بدخولها للرعي واستصلاح الاراضي.
وتتميز جبال الخليل بطبيعة طوبوجرافية تجعل منها محط استهداف لقوات الاحتلال لتجري مناوراتها العسكرية.
وتصر سلطات الاحتلال على اجراء تدريباتها العسكرية في المنطقة على الرغم من عدم قانونية ذلك عالميا بحكم انها قوة محتلة.

مهنة الرعي مهددة
وبالاتجاه الى أخفض بقاع الأرض حيث تقع مدينة اريحا يشهد السكان مرارة التهجير عن بيوتهم وخيامهم في الاغوار سنويا، حيث تضطر العائلات الى مغادرة مساكنها عشرات المرات ولعدة ايام بسبب الانذارات الاسرائيلية بالاخلاء بقصد اجراء مناورات عسكرية لجنودها.
ولم يعد الماء والعشب مقصد البدو الاساسي في الاغوار كما جرت العادة للاستقرار فنيران التدريبات العسكرية كانت محددا للاقامة وسببا للرحيل فالنجاة من رصاصة اسرائيلية قد تنهي الحياة بات هدفا أسمى.
الزراعة والرعي مصدرا الرزق لسكان تلك المنطقة مهددان على مدار العام بسبب المخلفات التي يتركها الاحتلال بعد انهاء التدريبات فبعض القنابل قتلت الماشية واخرى خربت انبعاثاتها موسم الزراعة الذي يضطر المزارعون للتوقف عن الاهتمام به فترة التهجير المؤقت.

شهداء ومصابين
في عام 2016 استشهد 20 فلسطينيا في الضفة لوحدها بفعل مخلفات التدريب الاسرائيلية وفي العام 2017 استشهد فتى اثناء رعيه للاغنام بانفجار لغم من مخلفات الاحتلال في طوباس.
المئات اصيبوا بانفجار مخلفات الاحتلال وان تجولت في بيوت الغوريين سترى الكثير من الاطفال المبتورة اصابعهم جراء ترك قوات الاحتلال للقنابل والالغام. يقول مواطن يقطن منطقة المالح بالاغوار ان نجله تعرض لبتر اصابع يده واصبح لا يجرؤ على لمس التراب خشية على نفسه.
معظم المناطق المستهدفة يمنع سكانها من البناء الحضري ويقتصر ما سمحت به اسرائيل بعد تصنيف المنطقة ب "ج" على البناء بواسطة الصفيح والخيام ولكن حتى ذلك القليل يتعرض للكثير من الهدم والاخلاء.

زراعة في فوهة النار
تدريبات الاحتلال بالاسلحة الحية تبعد الاغوار عن مكانته الاقتصادية بعد ان كان سلة فلسطين الغذائية لخصوبة أرضه وعلى الرغم من تذرع الاحتلال بأهمية الاغوار "الأمنية" بالنسبة له الا انها تتعمد مس الحياة الزراعية بشكل واضح للعيان، ففي وقت تمنع المياه عن المزراعين، تدوس الدبابات اثناء التدريب الارض المزروعة وتخرب جزءا كبيرا منها.

وتستولي اسرائيل على 45.7% من الاغوار الفلسطينية كمناطق إطلاق نار عسكرية مغلقة تستخدمها للتدريب.
وبالانتقال الى الجنوب الفلسطيني فان ستة شهداء على الاقل قضوا نتيجة التدريبات العسكرية في منطقة عرب الرشايدة جنوب شرق بيت لحم.
ويبدو الغور اليوم امام مشهد حياة معقدة، فالبناء ممنوع، ولا أمن لبيوت الصفيح، ولا مياه متوفرة، فيما التدريبات تزيد مهمة الحياة تعقيدا.

