"سمك القد".. سفرة العيد الأولى في الخليل

الخليل- راية- طه ابو حسين: 

"فراقك يا رمضان عيد"؛ هكذا يقال وهي الحقيقة بعينها، فالأول (رمضان) عبادة، والثاني (العيد) كذلك، وإشهارا لهذه العبادة لا بدّ من كسر الصيام. وبالنسبة لأبناء مدينة الخليل وعبر عقود طويلة، حافظوا على تقليد متوارث بتناول ما يعرف بسمك (القد)، في اول ايّام العيد.

"سمك القد، قصة مرتبطة بعيد الفطر منذ تاريخ طويل بمدينة الخليل، فمنذ وعيت على الدنيا، كان جدي وبعده والدي واليوم أنا وأولادي لم يمر علينا عيد بدون تناول سمك القد، لما له من فوائد غنية"، قال عبد المحيي قفيشة صاحب شركة الجبان.

الخليل بطبعها تحافظ على تقاليدها، وتناول سمك القد في اليوم الأول من عيد الفطر، تقليد متوارث، والأسباب الشعبية المتناقلة حسب قفيشة "سبب تواجده تحديدا في الخليل، ملوحته العالية، نأكله كونه يمسك المعدة ويحميها من المغص".

يستورد سمك القد مجففا بالملح، ولذلك يكون عليه كميه كبيرة من الأملاح حتى يبقى صالحا للاستهلاك الآدمي، يقول المواطن جهاد القواسمي "أنا شخصيا سمك القد، فقط أكله في عيد الفطر، فهذه عادة بالخليل جرت أن نتناول بعد صلاة العيد سمك القد المالح، لأنه يعمل على شد البطن، ويمنع الإكثار من تناول حلويات العيد والمكسرات ويحافظ على الإنسان من ما يسمى بــ (البشمة)".

ويرجع القواسمي تقليد تناول سمك القد في الخليل للعصر المملوكي والفاطمي. "منذ طفولتي معتاد على هذا السمك، وأحرص على هذا التقليد، خاصة أننا نجمع العائلة ونأكل معاً، وسمك القد فيه ميزة من السنة للسنة، ومن الجميل المحافظة على العادات المتوارثة من الأجدادوالسلف السابق، بغض النظر عن مدى الفائدة أنا أحبه". 

تلك كانت الروايات الشعبية المتناقلة، أما من الناحية العلمية والصحية لسمك القد، تقول أخصائية التغذية هيلدا العجلوني "سمك القد عبارة عن سمك شديد الملوحة، يحتوي على نسبة بروتين جيدة، بالإضافة للدهون المفيدة للجسم، فالسمك عبارة عن بروتين يعطينا شعور بالشبع لفترة طويلة، فيحمي المعدة من الاضطرابات الهضمية، ويحمي من تناول الحلويات والمكسرات بشكل كبير خلال عيد الفطر التي تؤدي للاضطرابات المعوية، فالسمك يعمل على تهيئة المعدة لاستقبال الأطعمة العديدة في أول يوم بعد غياب طعام عنها في هذه الفترة لمدة ثلاثين يوم".

توارث أهل الخليل لعادة أكل سمك القد لقيمته الغذائية العالية، بالإضافة لسعره المرتفع، بالتالي إعطاء هذا اليوم أهمية كبيرة، أما من لا تسمح ظروفه المالية بشرائه، فهناك البديل المتعارف عليه أيضاً حسب صاحب محلات الجبان عبد المحيي قفيشة" هناك البعض يأخذ سمك الرنجة المدخن، وبعضهم الفسيخ المملح، لان أسعاره أقل، وتقريبا النتيجة واحدة".

"خلال الموسم أبيع في محلي نصف طن من سمك القد، حيث يدخل حوالي 600 إلى 700 صندوق سمك قد إلى الخليل، كل صندوق وزنه 50 كيلو. علما أن هذا النوع من السمك يستورد فقط من إسرائيل، ويوجد فقط وكيلين من فلسطين لهذا السمك، ويتلاعبا بالأسعار كما يشاءان. وسعر الكيلو الواحد بين 60 و 65 شيقل" قال قفيشة.

وتشهد المحال الخاصة ببيع أسماك القد إقبالا كبيراً في مدينة الخليل خلال الأيام الحالية، حتى يتسنى لهم تجهيزه ليكون جاهزاً في عيد الفطر، غير أن البعض يرى أن هذه العادة المتوارثة بدأت تهدد بالاندثار كون بعض المحال تبيعه على مدار أيام العام عكس ما كان الأمر سابقاْ.