حكايا: النكبة.. قرانا الخاوية ومخيماتنا المكتظة
رام الله- رايــة:
مجدولين زكارنة-
كان أمل العودة الى عنابة المهجرة عام 1948 قضاء الرملة الرفيق الدائم لـ "حسين يحيى" الى ان توفي وهو يحلم بعودة لم تتحقق.
من عنابة الى بيت عور الفوقا وراس كركر قضاء رام الله تنقلت عائلة حسين يحيى، كان الجد يبحث عن أقرب نقطة الى بلدته عنابه فهو دائما كان صديق لأمل العودة كما كل الفلسطينيين، بعد ان فقدت العائلة بيتها وأرضها ومصدر رزقها، قررت حط رحالها في مدينة البيرة الى ان آلت بهم الاحوال الى مخيم الجلزون شمال مدينة البيرة أخيرا.
تتذكر اعتدال حسين والدها وتقول:" أبوي الله يرحمة كان يحرس الحدود بحرب الـ 48 وصارت معارك كثير بين الفلسطينيين واليهود كان خلالها الوالد ما يرجع عالبيت وينام بالجبال مع رفاقه الا ان نفذت ذخيرته وقرر الرحيل الى اقرب نقطة من قريته عنابة فهاجر برفقة أخته وزوجته وأطفاله الى قرية بيت عور الفوقا ليكون مستعدا الى حزم اغراضه و العودة في اية لحظة الى بيت عنابة، عودة اخذت منه طفلين مَرِضا من مشقة السفر و عودة لم تكفيها 69 عاما لأن تتحقق".
كان للجد فرص كبيرة لزيارة عنابة بعد ان تهجر منها ولكنه رفض كثيرا فقد كان مصرا على ان تبقى صورة بلدته الجميلة حاضرة في مخيلته، ولم يشأ ان يصطدم بمشهد صحراء خاوية .
تقول اعتدال:" رفض الذهاب اليها كثيرا ولكنه اضطر الى ذلك بعد ان استدل عليه مخرج يهودي أراد ان يعيده الى عنابة ولو لمرة واحدة بهدف تصوير فيلم عن الفلسطينين المهجرين قسرا".

عمل الجد "حجارا" خلال فترة وجوده في الجلزون وكان صاحب صنعة شاقة لذلك حرص على تعليم ابناءه جميعا لانه ذاق مرارة الحرمان من ارضه وبيته ورزقة، وكان يؤمن بان سلاح أولاده الوحيد في بلد غير بلدتهم الأصلية هو شهادتهم وتحصيلهم العلمي، وبالفعل لدى العائلة الكثير من الابناء المتعلمين اللذين لم يخذلوا الجد الاكبر.
يبدو ان الجد لم يقوَ على تحمل مشهد عنابة بعد ان زارها وهي خاوية، فقد توفي بعد تلك الزيارة بشهر واحد.
كان الجد برفض فكرة عدم العودة الى عنابة لدرجة أنه رفص استصدار هوية شخصية لاحد أبناءه رغم تجاوزه للسن القانوني بحجة ان اسرائيل "مش رح تطول ببلادنا" كما كان يقول.
تنتظر الاسرة رحلة تنظمها جمعية متخصصة لمهجري عنابة المهددة، يتحسسون حجارة بقيت من بيوتهم ويستنشقون هواءها الذي لم يفح يوما الا برائحة العنب وورق الدوالي، انها عنابة المهجرة التي ستبقى ممتلئة بأصحابها رغم فراغها.
وقد لا يرى الجيل الشاب ذكرى النكبة كما يراها أجدادهم ولكنهم لم ينسوا أرضا زرعها الأجداد والآباء فيهم كما كانوا يزرعون العنب في عنابة المهجرة وقد عصروا كل ذكرياتهم وأودعوها أمانة قابلة للرواية الشفوية في ضمائر أبنائهم.
روت لنا أسرة يحيى رغبة أحفادها المتكررة بالعودة وما كان من أحد الأطفال الأحفاد الا طرح هذا التساؤل البريء عند زيارته لعنابة ورؤية الارض التي تغنى ببياراتها الأجداد خاوية الآن: "ليش كل هالارض فاضية واحنا عايشين بمخيم"؟

سؤال ربما يطول شرح جوابه وربما قد يُسأل هذا الطفل ذات السؤال يوما من طفله.
الأكيد ان الفلسطينيين لم ينووا ترك أراضيهم وحتى انهم فضلوا ترك بيوتهم والنوم في العراء و بين سنابل القمح الصفراء يوميا بمقابل ان يظلوا حتى ولو مشردين عن بيوتهم ولكن داخل قراهم.
15-5- 1948 تاريخ عصي على النسيان فخاصية الحذف هنا غير متوفرة تاريخ يتجدد كلما نظرت الى اسلاك الكهرباء المتشابكة على اسطح المخيم الرمادية وكلما مررنا من أزقتة الضيقة.