"موسوعة الحلاقة".. كتاب يعيد تاريخ الحلاقين في غزة
غزة- رايـة:
سامح أبو دية-
قبل أشهر قليلة، لم تكن المكتبات الفلسطينية المختلفة تحوى على رفوفها شيئا عن تاريخ مهنة "الحلاقة" في فلسطين، أو كتابا تعليميا عنها، فهي تلك المهنة العريقة التي مارسها آلاف الفلسطينيين على مدار عقود مضت، وورثها بعض الشبان عن آبائهم وأجدادهم وما زالوا يحافظون على إرثها.
هذا الدافع الكبير، أدى بالشاب الغزي "محمد أنور بكير" الى التنقيب عن تلك المهنة التاريخية "خفية الأسرار"، تمهيداً لإصدار كتاب يشرح تاريخ مهنة الحلاقة في فلسطين، وهو عبارة عن أول موسوعة خاصة بالمهنة في فلسطين وأول منهج خاص لدريس "الحلاقة وتصفيف الشعر" في البلاد.
رحلة بحث استمرت 3 سنوات، قضاها بكير (32 عاما) في تأليف الموسوعة وإعدادها بجهد ذاتي، للخروج بموسوعة تحتوي على كتابين، الأول اختص بجمع تاريخ مهنة الحلاقة "الموسوعة التاريخية لحلاقي مدينة غزة"، والكتاب الثاني "الموسوعة الاحترافية لتعليم تصفيف الشعر للرجال" وهو الجزء الثاني من الموسوعة.

الفكرة في البداية خرجت نتيجة افتقار الكوافير الفلسطيني لمنهج في تدريس المهنة، اضافة الى عدم وجود مرجع له للتأكد من المعلومات أو فهم بعض أسرار المهنة وأساليبها، كما تعتبر الموسوعة خليط بين التاريخ والحاضر، حيث يعتبر كتابا تأسيسيا لتعليم مهنة تصفيف الشعر من الصفر حتى الاحتراف، فضلا عن تبادل الخبرات من خلال الكتاب بين الحلاق القديم والحديث.
الموسوعة الأولى من نوعها، قام "بكير" بتطويرها حتى أصبحت شاملة، وأعلن عن اطلاق النسخة الثانية منها قبل أيام، فيما أعطت وزارة العمل وعود شفوية بأن يتم فرض الموسوعة على مراكز تعليم قص وتصفيف الشعر، حيث تشمل على 103 دروس من ضمنها 35 درسا للكوافير القديم، والباقي عبارة عن دروس تأسيسية.
الموسوعة احتوت على 745 صفحة و 2437 صورة، وهي مدققة من قبل قسم التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية، وجمعت تاريخ الحلاقة والحلاقين منذ عام 1945 كما شملت على جميع أسماء الحلاقين القدماء (المتوفين والأحياء)، اضافة الى صور تاريخية خاصة بالمهنة.

الكتاب تطرق أيضا إلى الأدوات التي كان الحلاقون يستخدمونها قديما، مثل "الموس"، و"الآلة اليدوية"، وحقيبة التطهير الخاصة بالختان، وتاريخ توقف الحلاقين عن العمل في المجالات الطبية منذ عام 1975، مع انتشار الوحدات الصحية، واقتصر عملهم على التزيين فقط.
وحسب الموسوعة، فإن عدد الحلاقين في قطاع غزة لم يكن يتجاوز 45 قبل عام 1945، حينما كان عدد السكان لا يتجاوز الـ 32 ألف نسمة قبل النكبة الفلسطينية والتهجير.
لم يكتفِ الحلاق بجمع الصور والمعلومات عن مهنته، فعند زيارة صالونه الخاص تجد في أحد جنباته، قسم خاص يحتوى على عشرات الأدوات القديمة الخاصة بالحلاقين القدامى، يقول: "خلال البحث الذي كلفني 3 سنوات قمت بجمع أدوات الحلاقة التي استخدمها الحلاقين القدامى الذين ما زالوا على قيد الحياة، أو الذين رحلوا فجمعتها من خلال طلب تلك الادوات من أبناءه".

الحلاق بكير ورث مهنة الحلاقة منذ 17 عاما عن والده "أنور بكير"، وهو الحلاق الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات، وصاحب الـ 45 عاما في الحلاقة، ويدير حاليا "صالون الرمال" للحلاقة وسط مدينة غزة.
ويعكف بكير لإطلاق الموسوعة الشاملة خلال الشهر المقبل، وستكون عبارة عن موسوعة تجارية وستنتشر في أسواق قطاع غزة والضفة الغربية بعد التواصل مع دور النشر في فلسطين، ثم ادخالها الى دول في الوطن العربي.
كما تطرقت الموسوعة إلى مجال عمل الحلاق في بداية القرن الماضي، حيث كان واسعا، ولم يقتصر فقط على التصفيف والتزيين، بل كان يضم الكثير من الأمور الصحية، كختان الأطفال الذكور، وخلع الأسنان، وتقديم الوصفات الطبية التقليدية، وتطهير الجروح، وتجبير الكسور وتقديم النصائح الصحية.