نساء في حقول الألغام
رام الله – رايـة:
مجدولين زكارنة –
يظهر للوهلة الأولى غالبا ان عالم العمل في قطاع المطاعم والفنادق يخضع لهيمنة ذكورية كبيرة ولعل ما نراه في الوسط الفلسطيني الذي تحكمه العادات والتقاليد في المقام الأول يطفي هذه الصورة على السطح.
ثلة جديدة من الشابات المختلفات المتحديات اللواتي اردن كسر هذه العادات والافكار دخلن هذا الحقل بقوة رغم كل ألغامه.
التقينا ببعض الشابات العاملات هناك وكانت رزان احداهن، شابة تحمل ما يكفي من عزم لتعيش كما تريد ليس كما يخطط لها الغير، وبرغم ان طريقها لم يكن معبدا بالورود الا انها استمرت به، ولان الحياة لا تتيح كل ما نحب في آن واحد تخلت رزان عن الكثير في سبيل الدفاع عن كينونتها.
"رزان 24 عاما" تحمل شهادة في التصميم الداخلي وابنة قرية، تعمل في مطعم وسط رام الله "عاملة سفرة"، قالت لنا "عندما أدخل باب المطعم اتخذ قرارا بالسعادة فهناك زبائن بإنتظار ابتسامتي، على مدار عامين من العمل في المطاعم حملت ابتسامتي معي كما حقيبتي".
كانت رزان تشعر بالحرج كلما صادفها احد من اصدقائها او اقربائها في المطعم ولكنها الآن على قدر جيد من الوعي الذي مكنها من تجاوز أي حرج كما تقول.
تقبل فكرة العمل في المطاعم كانت صعبة في البداية.. عيناها كانت تلمع، "ولكن ما اجمل ان يهديك الله أخا مثل الذي املك هو من أقنع والداي بعملي".
لم تختار رزان العمل في شركات أو مؤسسات على الرغم من انها تحمل شهادة جامعية وتقول:" طموحي اعلى من العمل وراء مكتب وهناك رسالة أود ايصالها للمجتمع من خلال زبائني وهي تغير الفكرة النمطية لعمل المرأة في المطاعم".
تعمل رزان أيضا في مجال "اعادة التدوير" ضمن مشروع "بدايل مش زبايل" تصنع من المواد المهملة "اكسسوارات منزلية واثاث".
تلك الصورة التي شهدناها تقابلها صورة سوداوية حيث يتم استغلال الفتيات العاملات لجذب الزبائن ومنهن من يتم التحرش بهن وملاحقتهن، احدى الشابات اللواتي قابلناهن قالت وبصوت خفيض: " قديما عملت في فندق كنت اتلقى الكثير من محاولات "التزبيط" من الرجال.. ارقام هواتف من الرجال بطرق كثيرة منهم من وضع رقم هاتفه في "البخشيش" ومنهم من اعطاها الرقم بشكل مباشر، وتضيف الآن أعمل في "كوفي شوب" الاقي فيه احتراما وأمانا وظيفيا بالاضافة لعملي الآخر برفقة عائلتي.
شاب عمل لسنوات في المطاعم "رفض ذكر اسمه" قال لنا:" صاحب المطعم كان يحرص على توظيف الفتيات في خدمة الطاولات لـ"ترطيب الأجواء" على حد وصفة، والكثير من الفتيات زميلاتي تعرضن لمحاولات التحرش والملاحقة خارج ساعات الدوام في المطعم، طرق كثيرة ومتعددة.. محاولات الاقتراب منهن ولمسهن عند تسليم قوائم الطعام أيضا.
أصحاب المحال الذين قابلناهم قالوا ان هدفهم الاساسي من توظيف الفتيات يهدف الى مكافأة فرص العمل بين الاناث والذكور.
سليمة "22 عاما" تعمل في مقهى بحي الطيرة بمدينة رام الله قالت انها تلقت محاولة من أحد الشبان لاعطاءها رقم هاتفه لكن زملائها في المقهى اوقفوه عند حده.
واضافت سليمة لـ"رايـة": "كانت تلك المرة الاولى ولم تتكرر بعدها".
المقاهي التي تُشغل الفتيات تعتبر وجهة للكثير من الشبان الباحثين عن التسلية.
يقول الشاب أ.ص :" في الكثير من الاحيان كان يذهب اصدقائي الى مقهى معين، لان العاملة في خدمة الطاولات صبية جميلة".
الفتاة روعة "22 عاما" طالبة جامعية كانت تعمل في مطعم بيتزا قالت لـ"رايـة":" أحد زبائن المطعم طلب رقمي بحجة ان رقم المطعم مشغول دائما وعندما رفضت التجاوب معه انتظرني حتى انتهت ورديتي وطلب مني مرافقته الى منزله، لم استطع فعل شيء لأنني لا أعرفه ولا أملك طريقا للوصول إليه".
الكثير من الفتيات العاملات في المطاعم عندما أردنا مقابلتهن رفضن ذلك دون إبداء الاسباب.
الشابة "ش.ر" قالت لنا:"كنت وصديقاتي في واحد من ارقى مطاعم رام الله وعلى الطاولة المجاورة لنا كانت مجموعة من الرجال الاربعينيين، كانوا ينتظرون الصبية العاملة حتى انتهاء خدمتها لإحدى الطاولات ليدعوها هي لجلب طلباتهم على الرغم من ان العاملين من فئة الذكور كانوا على أهبة الاستعداد لخدمتهم.. نظراتهم لها لم تكن طبيعية أبدا".
هؤلاء الفتيات المتحرش بهن لفظيا او جسديا او من يتم استغلالهن لجذب الرجال وملاحقتهن لا قانون يحميهن، يلجأن الى هذا العمل بالغالب ليسندن عوائلهن قليلا في مصاريفهن الدراسية.
وافاد القانوني بلال البرغوثي لـ"رايـة" ان قانون العقوبات الأردني لعام 1960 والجاري تطبيقه في الأراضي الفلسطينية، يعاني من فراغ كبير حيث لم يخصص نصوصاً صريحة للتحرش، إنما تطرق لها ضمن الأفعال المنافية للحياء، المنصوص عليها في المادة 305، التي تنص على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة كل من داعب بصور منافية للحياء، امرأة أو فتاة لها من العمر خمس عشرة سنة أو أكثر دون رضاها).
اما توجيه الكلام المنافي للحياء، والذي نصت عليه المادة "306" من قانون العقوبات فعقوبته الحبس بما لا يتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تزيد عن خمسة وعشرين ديناراً.
واشار البرغوثي الى ان مشروع القرار المتخصص في قضايا التحرش منذ 2005 لايزال قابعا في الادراج يحتاج الى موافقة الرئيس .
وأفاد مركز سوا المتخصص باستقبال شكاوى النساء ان الخط الساخن الخاص بهم يستقبل العديد من الحالات التي تشتكي من استغلال ارباب العمل للنساء لجذب الزبائن او التحرش بهن شخصيا.