رافات تستغيث.. تاريخها يسلب بصمت
نابلس- رايــة:
ملاك أبو عيشة-
حتى المكان له ذاكرة…بهذا الشعور طفنا أزقة وحواري رافات الكنعانية، غربي سلفيت، نلملم بقايا حكاياها المحفورة بآثارها التاريخية والشاهدة بإطلالتها على الساحل الفلسطيني.

"الراحة" التي يعنيها اسم هذه القرية لا تشبه ابدا موجة الحزن التي اجتاحتنا ونحن نخطو بأقدامنا فوق أرض شهدت حضارات الفينيقيين واليونانين قديما واليوم يعاث فيها فساداً على مرأى ومسمع الجهات المختصة فتنادي ولا حياة لمن تنادي.

"التاريخ هنا يسرق ويباع بأبخس الأثمان..ولمن؟ للاحتلال الذي سبق وسرق الأرض..هذه نكبة جديدة" يقول الدكتور حسن عياش، المتخصص بالتاريخ الفلسطيني وأحد أبناء رافات. "هناك صراع فكري ووجودي وسياسي نعيشه هنا ولا يوجد وازع أو رادع يمنع أيا كان من العبث بهذا التاريخ..المال السايب يعلم السرقة" يقولها عياش بينما تغيب عيناه خلف حجارة المكان المستباحة.

وفي القرية معبد قديم يعود بتاريخه للفترة الرومانية الأولى، وقد وثق الزمن ملامحه في حجارة المعبد المنسية والمهمشة "هل يعقل أن يتحول هذا المكان إلى مكب نفايات" يقول عياش بينما يطوف بنا المكان قبل أن يتوقف فجأة ويردف بالقول "يوجد أكثر من ٦٠ بئر ماء كلها سرقت أغطيتها التي تسمى "بالمكر" وبيعت لسارقي الآثار هل يعقل".

ويلخص الدكتور عياش الواقع المؤلم فيقول أن الآثار التي يفترض بها أن تكون شاهدة على الحق الفلسطيني "أسقطت من الذاكرة الجمعية، ونحن اليوم ندفع ضريبة تقصير مؤسسات السلطة في توفير الحماية لهذه الآثار التي من المفترض أن تكون ورقتها الرابحة وإثبات هويتها في المحافل الدولية".

أما المضحك المبكي في هذه الرحلة فشهد عليه جامع "الولي" المبني من عهد الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري، عندما منعنا من التصوير بتعليمات غير مبررة من وزارة الأوقاف "بحجة قدسية المكان" كما قيل لنا. وعلى بعد خطوات من هنا كان المشهد أكثر قسوة حيث سمح لأحد سكان القرية بهدم مقام يعود للحقبة العثمانية ليضاف هذا إلى الكثير من الأماكن الأثرية الأخرى كالكنائس التي قامت وزارة السياحة والبلدية بإعطاء الموافقة للبناء عليها، وختم الدكتور عياش: "نحن بجهلنا نغتال التاريخ أيضاً..تماما كمان تفعل إسرائيل". وأمام صدق غضبه وغيرته على تاريخ يوثق الحق الفلسطيني شلت اللغة.
